بعد أكثر من عقدين على اختفاء اللبنانيين، سليم سلامة، وقزحيا شهوان، وعبد الناصر المصري، ورائف فرج، كشفت وثائق سرية عن قيام السلطات السورية بإعدام هؤلاء في سجونها، فيما ستكشف وثائق أخرى مصير المئات الآخرين.

كشفت وثائق سرية عن قيام السلطات السورية بإعدام أربعة لبنانيين لم تعترف سابقًا باحتجازهم،وبحسب الوثائق التي نشرتها صحيفة الشرق الأوسط، والتي حملت اسم quot;وثائق دمشقquot;، فإن هؤلاء الأربعة هم جزء من 600 لبناني ترفض السلطات السورية الاعتراف باحتجازهم، في سجونها خلال العقود الثلاثة الماضية على الأقل.
ونشرت الصحيفة مقتطفات أربع وثائق سورية رسمية من آلاف الوثائق السرية الصادرة عن أجهزة الأمن السورية ومحاضر اجتماعات دبلوماسية، سربها منشقون ومتعاونون مع المعارضة السورية من داخل النظام.
وتسلط الوثائق الضوء على اللبنانيين الأربعة وهم: سليم سلامة، وقزحيا شهوان، وعبد الناصر المصري، ورائف فرج.
في حالة المفقود سليم سلامة، تكشف وثيقة صادرة عن الشرطة العسكرية، عن تنفيذ حكم الإعدام بحقه بتاريخ 20 آذار 1990، تنفيذًا لقرار يحمل الرقم 52، بتاريخ الخامس عشر من الشهر ذاته، صادر عن quot;شعبة التنظيم والإدارة - فرع القضاء والانضباط العسكريquot;. وبموجب الوثيقة ذاتها، أوقف سلامة (والده بهزاد ووالدته حنة، مواليد طرابلس عام 1952) بالسجن العسكري الثاني من قبل شعبة المخابرات - الفرع 248 لحساب محكمة الميدان العسكرية التاسعة، بجرم quot;التجسس لصالح العدو الإسرائيليquot;.
من ناحيتها، تؤكد وثيقة ثانية صادرة عن شعبة المخابرات (تورد اسم والدته حسنة) إعدام سلامة، مشيرة إلى توقيفه بتاريخ 14 نيسان 1989 بجرم quot;التجسس لصالح إسرائيل، وأحيل إلى المحكمة الميدانية الأولى وصدر بحقه حكم الإعدام (رقم الحكم 667)، بتاريخ 15 كانون الأول 1990quot;.
تهم متعددة
قزحيا شهوان هو اسم المفقود اللبناني الثاني الذي لم تعممه أيضًا السلطات السورية، بمعنى أنها لم تعترف بوجوده في سجونها، وهو ما تدحضه وثائق صادرة عن شعبة المخابرات والشرطة العسكرية السورية. الوثيقة الأولى (المخابرات)، تؤكد بدورها صدور حكم الإعدام وتنفيذه بشهوان (والده فريد ووالدته ثريا، مواليد عام 1951)، الموقوف بتاريخ 24 تموز 1980، بسبب quot;انتمائه إلى حزب الكتائب واشتراكه مع مجموعة مسلحة بقتل 17 عاملاً سوريًا على حاجز شكاquot;، شمال بيروت، علمًا أن وثيقة quot;الشرطة العسكريةquot; تذكر أنه quot;أوقف من قبل شعبة المخابرات - الفرع 235 لحساب محكمة الميدان 18، بجرم إخوان (الجناح المسلح)quot;، لافتة إلى تنفيذ quot;حكم الإعدام به في السجن العسكري بتدمر تنفيذًا للقرار رقم 109 بتاريخ 26 آب 1981، الصادر عن شعبة التنظيم والإدارةquot;. وتوضح أنه quot;أحيل إلى المحكمة الميدانية الثانية وصدر بحقه حكم الإعدامquot;، الذي نفذ بتاريخ 27 أب 1981quot;.
ويشذ المعتقل عبد الناصر المصري (والده خضر ووالدته سليمى، مواليد عام 1973، طرابلس)، وهو كان متطوعًا بالجيش اللبناني، فوج المغاوير، عن الاسمين السابقين، لناحية أن وثيقة صادرة عن الشرطة العسكرية تفيد بأنه quot;مبلّغ عن حالتهquot;، وتفيد بتنفيذ quot;حكم الإعدام بحقه بتاريخ 29-5-1996 في ساحة السجن العسكري بالمزة، تنفيذًا لقرار صادر (قبل ستة أيام) عن شعبة التنظيم والإدارة - فرع القضاء والانضباط العسكريquot;.
واتهم قاضي التحقيق العسكري الرابع بدمشق، وفق الوثيقة نفسها، المصري بجرم quot;القتل عمدًا والتسبب بإيقاع البلبلة في صفوف القوات السوريةquot;، شاملاً حجز حريته، وتذكر وثيقة صادرة عن شعبة المخابرات أن quot;فرع الأمن والاستطلاع في لبنانquot; أوقف المصري في 30 تشرين الثاني 1993، لإقدامه على quot;قتل المجند السوري محمد عروق من مرتبات قواتنا العاملة في لبنان - الفوج 53 قوات خاصةquot;. وتشير الوثيقة ذاتها إلى أن المصري بالتحقيق معه quot;اعترف بإقدامه على قتل المجند السوري محمد عروق في لبنان، منطقة الكورة، بواسطة مسدس حربي، حيث أطلق النار على رأس المجند السوري فأرداه قتيلاً، وقام برمي جثته على حافة الطريق، وبعدها هرب إلى مقر وحدته في بيروت حيث كان متطوعًا بالجيش اللبناني - فوج المغاويرquot;. وتتابع الوثيقة: quot;المذكور كان يعمل حاجبًا لدى النقيب اللبناني فادي داود، قائد السرية الأولى بفوج المغاويرquot;، مشيرة إلى أن الأخير quot;قام بمكافأته على عمله بإجازة مدتها 15 يومًا، وكان من أنصار (النائب) ميشال عون، وقد نفذ العديد من العمليات ضد قواتنا في لبنان، وكان يقوم بتحريض اللبناني عبد الناصر خضر المصري للقيام بعمليات ضد قواتنا في لبنانquot;.
وتؤكد وثيقة ثالثة صادرة عن وزارة الداخلية أن المصري 248 أوقف لـquot;قيامه بإلقاء قنبلة يدوية قرب مركز القوات السورية في طرابلس بتحريض من النقيب فادي داود، كما أقدم على قتل المجند السوري محمد عروقquot;، مكررة الإشارة إلى quot;إحالته إلى النيابة العامة العسكرية بدمشق، المحكمة الميدانية، وصدر بحقه حكم الإعدامquot;.
تجاهل وزارة الخارجية
أما الوثيقة الأخيرة، فتكشف إحجام أجهزة الأمن السورية المعنية عن الرد على كتاب أحالته إليها وزارة الخارجية السورية بناء على كتاب من منظمة الهلال الأحمر السوري حول طلب اللبنانية فاديا فرج quot;معرفة مصير شقيقها رائف فرجquot;.
وتشير الوثيقة إلى أن quot;الخارجيةquot; طالبت بكتاب مؤرخ في 27 آب 2005، معطوفاً على كتاب منظمة الهلال الأحمر السوري، مؤرخ في العشرين من الشهر ذاته، وquot;المتضمن طلب اللبنانية فاديا فرج معرفة مصير شقيقها رائف فضل الله فرج (والدته فتحية، مواليد عام 1960)quot;. وتتابع الوثيقة: quot;تبين أن المذكور (فرج) أوقف من قبل شعبة المخابرات بجرم التجسس بتاريخ 7 تشرين الأول 1981، وتوفي بتاريخ 18 تموز 1987 إثر إصابته بقصور كلوي حاد وتم دفن الجثة في تدمرquot;، موضحة أنه quot;تم حفظ الموضوع ولم يتم الردquot;.
مئات الوثائق الخاصة بمعتقلين عرب وأجانب
ويشير ناشطون في مركز مسارات الإعلامي، المشرف على موقع quot;وثائق دمشقquot; الذي سينشر بدءًا من غد الاثنين مئات الوثائق المتعلقة بمعتقلين عرب وأجانب في سجون النظام السوري، إلى تكرار إفادة الوثائق المسربة بوفاة عدد كبير من المعتقلين لأسباب صحية ناجمة عن إصابتهم بـquot;قصور كلوي حادquot;، معربين عن اعتقادهم أن المرادف الحقيقي للقصور الكلوي هو quot;الوفاة تحت التعذيبquot;.
يذكر أن السلطات السورية اقتصر اعترافها على وجود نحو 150 معتقلاً في السجون السورية بتهم سياسية، في حين أنكرت بالمقابل وجود أسماء نحو 600 مفقود آخرين يصر أهاليهم واللجان المعنية في لبنان على وجودهم في سوريا.
وتنقل صحيفة الشرق الأوسط عن مدير مركز مسارات الإعلامي، لؤي المقداد، والذي نشر هذه الوثائق،قوله إن quot;الملف المتعلق بالمعتقلين اللبنانيين ملف متكامل ويضم نحو ألف وثيقة رسمية ومحاضر اجتماعات اللجنة اللبنانية - السورية التي تتابع ملفهم في الفترة الممتدة بين عام 2005 حتى عام 2012quot;. ويشير إلى أن الملف المسرب laquo;يكشف أسماء جميع المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية وأسباب اعتقالهم والتهم الموجهة إليهم وأسماء المحققين واماكن توزعهم في السجون والفروع الأمنيةraquo;، مؤكدًا أن ما سينشر من وثائق خلال اليومين المقبلين سيظهر laquo;الآليات التي احتال النظام السوري بموجبها من خلال عمل اللجنة الأمنية المشتركة وتشويش الرأي العام اللبناني تحديدًاraquo;.
ويتضمن ملف المعتقلين اللبنانيين، وفق المقداد، laquo;مئات المراسلات داخل الفروع الأمنية ومكتب الأمن القومي السوري والرئيس السوري (بشار الأسد) والتي تفضح كيفية تعاطي الأمنيين والمسؤولين السوريين مع هذا الملف انطلاقاً من خلفية أمنية بعيدًا عن أي معايير وأسس أخلاقية وإنسانيةraquo;، فضلاً عن أنه يثبت وجود معتقلين في سجون الأسد لم تعترف دمشق باعتقالهم لديها، ولم ترد أسماؤهم على اللوائح اللبنانية - السورية المشتركة.
أكثر من ذلك، يكشف المقداد عن أن laquo;الوثائق المسربة في إطار هذا الملف تتضمن جداول تظهر تواريخ وأماكن وأساليب قتل عدد من المعتقلين اللبنانيين تحت التعذيب، في حين تكتفي المستندات الرسمية بالقول إنهم توفوا نتيجة أسباب صحية على غرار القصور الكلوي الحادraquo;، وهو ما يرادف، بحسب المقداد، laquo;موتهم تحت التعذيبraquo;.
وفي مقابل الوثائق التي تبين وفاة عدد من المعتقلين تحت التعذيب، تشير وثائق أخرى إلى مكان وجود عشرات المعتقلين اللبنانيين الذين لا يزالون على قيد الحياة. ويقول المقداد في هذا السياق: laquo;سننشر المعلومات الكاملة عنهم وعن مكان وجودهم، بحيث لا يستطيع النظام السوري قتلهم أو إنكار وجودهمraquo;، عادًا أن المعلومات التي ستنشر تباعًا laquo;هي بمثابة ضمانة على أنهم أحياء ومن شأن التعرض لهم أو قتلهم تحت التعذيب أن يشكل جريمة كبرىraquo;.
ويدعو المقداد عائلات المفقودين اللبنانيين إلى laquo;أخذ هذه الوثائق كأدلة والتحرك سريعاً لدى المحاكم الدولية من أجل المطالبة بإطلاق سراح أبنائهم ومحاكمة نظام الأسد على جرائمه السابقة والمستمرةraquo;، لافتًا إلى أن laquo;بين اللبنانيين المعتقلين مَن اعتقل قبل 30 سنة لانتمائه إلى محور كان معاديًا لنظام الأسد وبات اليوم حليفًا له، من دون أن يشفع لهم ذلك بالإفراج عنهمraquo;.
تورط مسؤولين لبنانيين
ويسهب المقداد في الحديث عن laquo;حقائق كبرى ستنكشف أمام الشعب اللبناني، وتظهر تورط مرجعيات لبنانية وقيادات سياسية بارزة في قضية المفقودين، وكيفية استغلالها هذا الملف لغايات لا أخلاقية ولا إنسانية، متناسية معاناة المعتقلين وعائلاتهم، في حين تظهر نفسها من أكثر الحريصين على متابعته ووصوله إلى خواتيمهraquo;.
محاضر اجتماعات سرية
وتكشف laquo;وثائق دمشقraquo;، عن محاضر رسمية لاجتماعات أركان النظام السوري مع مسؤولين في دول داعمة ولا سيما روسيا والعراق. ويشير المقداد في هذا السياق إلى أن laquo;نشر محاضر اجتماعات ضمت كلاً من وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيرهما السوري وليد المعلم ونائبه فيصل المقداد، من شأنه أن يكشف الدور الذي يلعبه الروس في صنع القرار السوري وتنفيذه، في حين يتولى نظام رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي المساعدة، بهدف تأمين الغطاء لنظام الأسدraquo;.
وفي الإطار ذاته، ينوي موقع laquo;وثائق دمشقraquo; نشر وثائق عن laquo;عمل الأجهزة الأمنية وكيفية تعاطيها مع انعقاد مؤتمر (جنيف 2)، وكيفية عمل نظام الأسد على حياكة المؤامرات والخطط من أجل الاحتيال على المجتمع الدولي بتوجيه من حلفائه.