فيما وصف بأنه تطبيع مع إسرائيل، ومخالفة لقرار الكنيسة، سافر الآلاف من المسيحيين المصريين إلى القدس عبر إسرائيل، لحضور الإحتفالات بعيد القيامة وأسبوع الآلام. وردّت الكنيسة الأرثوذكسية معتبرة أن السفر إلى إسرائيل ممنوع بقرار كنسي، وتوعّدت بإنزال عقوبات بحق من خرق القرار. وبدورها، رفضت الكنيسة الأنجيلية منع رعاياها من السفر، منتقدة إتهامهم بالتطبيع.
القاهرة: سافر العشرات من الأقباط إلى القدس عبر تأشيرات إسرائيلية، للإحتفال بأسبوع الآلام، وأفادت تقارير أن الآلاف منهم فضلوا مخالفة قرار البابا شنودة الثالث الراحل، بمنع الحج إلى القدس، ما دامت تحت الإحتلال الإسرائيلي، دعماً للقضية الفلسطينية، لا سيما أن هناك قرارات تحظّر على المسلمين المصريين أيضاً السفر إلى القدس بتأشيرات سفر إسرائيلية.
حجّ سنوي
ووفقاً لمصدر في إحدى الشركات المسؤولة عن عملية التسفير، فإن الأقباط الذين قرروا قضاء أسبوع الآلام في القدس، يقدّرون بالآلاف، مشيراً إلى أن 28 شخصاً منهم سافروا يوم الخميس الماضي. وقال المصدر نفسه لـquot;إيلافquot; إن هذه الأعداد تحج إلى القدس سنوياً، وليس هناك أي جديد في تلك القضية.
ونبّه إلى أن شركات الطيران المصرية رفعت عدد رحلاتها إلى القدس من 4 إلى 12 رحلة أسبوعياً، لنقل ما يتراوح بين ثلاثة وعشرة آلاف قبطي، يرغبون في الحج إلى كنيسة القيامة، وأعتبر أنها أعداد قليلة جداً مقارنة بتعداد الأقباط في مصر.
وذكر أن الغالبية العظمى من المسافرين ينتمون إلى الكنيستين الكاثوليكية والإنجيلية، وليس الأرثوذكسية، ولا تحرّمان السفر إلى بيت المقدس. وأفاد بأن تكلفة الرحلة تبلغ سبعة آلاف جنيه مصري، أي ما يعادل ألف دولار أميركي.
هجرة لإسرائيل
وكشف المصدر أن الأخطر من حج الأقباط للقدس عبر إسرائيل، هو هجرة بعضهم لإسرائيل، وقال إن هناك بالفعل العشرات أيضاً هاجروا، مشيراً إلى أن إسرائيل تقدّم إغراءات كبيرة للمصريين، ولا سيما إلى الأقباط للهجرة إليها.
ولفت إلى أن الهجرة لإسرائيل أيضاً ليست وليدة هذه المرحلة، منوهاً بأنها بدأت في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، ونبّه إلى أنها زادت في عهد الرئيس السابق محمد مرسي، وأرجع ذلك إلى قلق الأقباط من حكم جماعة الإخوان، وارتفاع النبرة المحرضة ضدهم، فضلاً عن التسهيلات الإسرائيلية المقدمة لهم.
الأرثوذكسية تمنع
وتمنع الكنيسة الأرثوذكسية السفر لإسرائيل، منذ عهد البابا شنودة الثالث الراحل، الذي أصدر قراراً بمنع الأقباط من الحج إلى كنيسة القيامة، ومن أقواله المأثورة في هذا الشأن: quot;الأقباط لن يسافروا إلى القدس إلا بصحبة إخوانهم المسلمينquot;. وأضاف في إحدى عظاته: quot;أدعو الأقباط المتشوقين إلى زيارة القدس لضبط النفس، وعدم الاندفاع العاطفي، لأن الوقت المناسب لم يحن بعدquot;.
وتابع: quot;في مصر الكثير من الأماكن المقدسة التي يمكن التبرك بها، أما القدس المحتلة فيجب ألا نندفع عاطفيًا نحو زيارتها، دون النظر إلى البعد الوطني والسياسي، والسلام غائب في تلك المناطق، وما زال شعبها الفلسطيني يعاني من ويلات الاحتلال الإسرائيلي وقهرهquot;، مشيراً إلى أنه quot;من الصعب التراجع عن قرار الحظر في المرحلة الراهنة، ما لم يتم التوصل إلى السلام الشامل والعادل، لأن السماح للأقباط سيدفع بمئات الآلاف منهم إلى زيارة الأراضي المقدسة، ما يروج للاقتصاد الإسرائيلي، ويؤدي إلى إساءة العلاقات بين الأقباط والأشقاء العربquot;. وهدد بحرمان المخالفين بعدم البركة: وقال: quot;لا حل ولا بركة لمن يسافرquot;.
ورغم رحيل البابا شنودة، إلا أن القرار ما زال سارياً، ويصر البابا الحالي تواضروس الثاني على استمرار المنع، معتبراً أن السفر بمثابة تطبيع مع إسرائيل. وقال الناشط القبطي نجيب جبرائيل، إن الكنيسة تحرّم السفر للقدس بتأشيرات إسرائيلية.
وأضاف لـquot;إيلافquot; إن قرار منع السفر ليس قرار البابا شنودة وحده، بل قرار صادر عن المجمع المقدس، مشيراً إلى أن القرار ما زال سارياً، وليس كما يعتقد بعض الأقباط، أنه لم يعد مفعلاً بوفاة البابا شنودة.
ولفت إلى أن البابا تواضروس الثاني وجّه بضرورة إنزال عقوبات بحق المخالفين للقرار، منوهاً بأن عقوبة الحرمان من التناول بانتظارهم عند العودة من الحج للقدس. ونبّه إلى أن الأقباط ملتزمون بعدم الإعتراف بالإحتلال الإسرائيلي للقدس، معتبراً أن سفر الأقباط لحضور اسبوع الآلام في كنيسة القيامة يصب في صالح إسرائيل، ويخصم من رصيد القضية الفلسطينية.
خلط الدين بالسياسة
الكنيستان الكاثوليكية والانجيلية في مصر لا تمنعان الحج إلى كنيسة القيامة، وترفضان اقحام السياسة في الأمور الدينية. وقال صفوت البياضي، رئيس الكنيسة الأنجيلية، لـquot;إيلافquot; إن السفر إلى القدس وحضور اسبوع الآلام والتبرك بكنيسة القيامة، أمور دينية بحتة، رافضاً خلط الدين بالسياسة في تلك المسألة.
وأشار البياضي إلى أنه من حق الأقباط الحج للقدس، نافياً أن يكون ذلك نوعاً من التطبيع مع إسرائيل، ويذهب إلى القول إن الزيارة تشكل دعماً للقدس ضد المحاولات الإسرائيلية لتهويده وهدم المقدسات المسيحية والإسلامية. واستشهد بدعوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس العرب والمسلمين لزيارة القدس دعماً لها.
ويقصد الأقباط القدس بغرض زيارة كنيسة القيامة في ما يعرف بـquot;أحد الشعانينquot;، أو quot;أحد السعفquot;، ويحضرون قداسًا بهذا الاسم في الكنيسة، يوم الأحد، ثم يتوجهون لزيارة طريق جبل الزيتون، ويشاركون في إحتفالات تضم جميع الطوائف المسيحية.
ومن الطقوس الدينية المسيحية التي يؤديها الأقباط أيضاً، زيارة كنيسة الدمعة، التي بكي فيها المسيح عليه السلام، ويزورون كذلك كنيسة الشهيد الأول في المسيحية quot;اسطفانوسquot;. ويتوجه المسيحيون مرة أخرى إلى كنيسة القيامة لمعايشة أسبوع الآلام، ويمرون بمراحل الآلام الأربع عشرة، التي تعرض لها السيد المسيح. ويختتم الأقباط شعائر الحج بزيارة قبر داوود النبي، وبيت مار مرقص، ويتجمعون عند قبر المسيح، الذي يعتبر آخر الطقوس، قبل العودة إلى مصر.
التعليقات