تشير تقارير ألمانية إلى أنّ حالة النقمة على السياسات الأميركية بلغت حدا كبيرا بين الألمان الغاضبين من فضائح التجسس، ما يمهّد إلى نفور برلين من واشنطن والاقتراب أكثر من المحور الروسي.


أشرف أبوجلالة من القاهرة: تسود تكهنات بأن يتم تشكيل ما يشبه التحالف بين ألمانيا وروسيا خلال الفترة المقبلة، بعد ظهور دعوات من كثير من الألمان بالابتعاد عن أميركا والاستقلال عنها سياسياً، عقب واقعة التجسس على هاتف ميركل الشخصي ومجموعة أخرى من الفضائح السياسية بين برلين وواشنطن.

تصدع العلاقات

ولفتت بهذا الخصوص مجلة "دير شبيغل" الألمانية إلى أنه وعلى عكس ما يبدو في العلاقات الرسمية الظاهرة بين البلدين، فإن هناك حالة حقيقية من التصدع والخلاف، التي تنذر بما هو أسوأ في المستقبل.

وعلى خلفية فضيحة التجسس التي تورطت بها وكالة الأمن القومي الأميركية في ألمانيا، وانطوت على عملية التجسس على الهاتف الشخصي الخاص بالمستشارة أنجيلا ميركل، ومن ثم فتح التحقيقات من جانب السلطات الألمانية في واقعة قيام موظف بوكالة الاستخبارات الألمانية الخارجية ببيع وثائق سرية للولايات المتحدة، بدأت تسير العلاقات بين البلدين نحو الأسوأ وجاءت كل هذه التطورات لتشكل الصراع الأحدث في العلاقات بين الدولتين، خاصة بعد كل ما تعرضت له من تصدع في السنوات الماضية.

فضائح المخابرات الأميركية

وكشفت المجلة في هذا السياق عن أن ميركل تخلت عن آمالها المتعلقة بعودة الولايات المتحدة إلى رشدها وبأن تتمكن من فرض سيطرتها على أجهزتها ووكالاتها الاستخباراتية.

ونوهت المجلة بأنه وخلال زيارة ميركل الأخيرة لواشنطن، لم يكن لدى أوباما حتى الرغبة في التعهد بالتزام ضد التجسس يضمن لألمانيا حداً أدنى من الأمن.

ورغم أن ميركل لا تود مشاهدة استمرار تنامي المشاعر المناهضة للولايات المتحدة في ألمانيا، لكونه إن تطور قد يقودها في الأخير إلى خيار واحد هو إبعاد نفسها عن الأميركيين مرة أخرى، لكن المشكلة تكمن في أن الأمور ربما وصلت تلك المرحلة بالفعل.

تداعيات وخيمة

ورأت المجلة أنه في حال ثبتت صحة الواقعة الأخيرة المتعلقة بما قدمته أميركا لموظف المخابرات الألمانية كي تحصل منه على تلك الوثائق السرية الهامة، فإن ذلك سيشكل مستوى جديدًا من الجرأة في التعامل، وهو ما سيكون له تداعياته الوخيمة على العلاقات.

إلى هنا، قال توماس اوبرمان زعيم كتلة الحزب الاشتراكي الديمقراطي في البرلمان الألماني:" إن تم التأكد من أن أنشطة التجسس ضد وكالة الاستخبارات الألمانية الأجنبية استهدفت كذلك أعمال لجنة التحقيق الخاصة بوكالة الأمن القومي الأميركية، فسيكون ذلك بمثابة هجوم غير مسبوق على البرلمان وعلى مؤسساتنا الديمقراطية".

كما أكد ستيفن سيبرت، متحدث باسم ميركل، حقيقة وصول العلاقات بين ألمانيا وأميركا لمستوى جديد من التدني، وألمح لأول مرة إلى وجود خلافات عميقة في الرأي بين برلين وواشنطن.

وما جاء ليزيد الطين بله مؤخراً هو مطالبة السلطات الألمانية مسؤول وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في برلين بمغادرة البلاد لاتهامه بالضلوع في فضيحة التجسس الأخيرة.

وبينما لا تود ميركل الوصول بالأمور لهذا الحد، إلا أنها تفضل في الوقت نفسه أن يحتفظ الألمان بمكانتهم الراسخة في التحالف الغربي وأن يبقوا موالين لشركائهم الأميركيين.

تعاطف مع الروس

وبالاتساق مع ذلك، وفي ظل التداعيات التي حظيت بها تلك الفضائح المتتالية على الصعيد الاستخباراتي من جانب واشنطن ضد برلين، بدأت تتزايد أعداد الألمان المحبطين من الولايات المتحدة ونشاطاتها المرتبطة بالتجسس والمراقبة. وذلك في الوقت الذي أظهروا فيه مستوىً غير متوقع من التعاطف مع الروس ومع الرئيس فلاديمير بوتن في الأزمة الأوكرانية.

وأظهر استطلاع أجرته المجلة أن 57 % من الألمان يشعرون بضرورة أن تصبح بلادهم أكثر استقلالية عن الولايات المتحدة حين يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية.

وذلك في الوقت الذي بدأت تثار فيه تساؤلات غير مريحة، من بينها ما إن كانت علاقة برلين الوطيدة بالغرب مجرد ظاهرة انتقالية أم لا.
&