عبد الاله مجيد: تمكن علماء باستخدام الهندسة الوراثية لتغيير عملية التركيب الضوئي من زيادة انتاجية النبات الذي كانوا يختبرونه - التبغ - بنسبة 20 في المئة، وهي زيادة هائلة إذا عرفنا أن مربي النباتات يجهدون لزيادة الإنتاجية بنسبة 1 إلى 2 في المئة مستخدمين الطرق التقليدية.

انقلاب حقيقي

وأوضح فريق العلماء أنهم لا يريدون زيادة انتاج التبغ بل تهدف خطتهم إلى استخدام التعديلات الوراثية نفسها في المحاصيل الغذائية. وتوقع أحد الباحثين الكبار في فريق العلماء زيادة الانتاجية بنسبة 50 في المئة أو أكثر في نهاية المطاف. وإذا تأكد هذا التوقع في بحوث اخرى ربما تستغرق عشر سنوات أو أكثر، فالنتيجة ستكون انقلابًا حقيقيًا في الزراعة العالمية.

وقال مراقبون أن ما حققه العلماء يمكن أن يؤدي إلى تصاعد الصراع السياسي على الهندسة الوراثية للامدادات الغذائية. وتقف بعض المنظمات والأوساط ضد التعديل الوراثي بدعوى أن الباحثين يقومون بدور الخالق حين تُنقل الجينات من نوع إلى نوع آخر. ونال هذا الموقف تأييدًا شعبيًا لأسباب عدة، منها أن فوائد المحاصيل المعدلة وراثيًا كانت متواضعة في أحسن الأحوال. 

لكن زيادة انتاج الغذاء بنسبة 40 أو 50 في المئة مسألة أخرى تمامًا، لما فيها من إمكانية لتقديم منافع هائلة إلى فقراء العالم الذين كثير منهم فلاحون يحرثون قطعًا صغيرة من الأرض في البلدان النامية.

ثورة خضراء ثانية

نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن كاثرين كان، من مؤسسة غيتس التي كانت المبادرة إلى تمويل البحث في جامعة الينوي الاميركية، قولها: "نحن هنا لأننا نريد أن نخفف غائلة الفقر، وان نعرف ما يحتاجه المزارع وكيف نستطيع مساعدته في الحصول عليه".

وشدد الدكتور ستيفن لونغ، عضو فريق الباحثين، على أن الطريق ما زال طويلًا قبل أن تصل نتائج البحث إلى حقول المزارعين. لكنه اعرب عن اقتناعه بأن الهندسية الوراثية ستؤدي إلى "ثورة خضراء ثانية" تحقق زيادات هائلة في انتاج الغذاء على غرار "الثورة الخضراء" الأصلية في ستينات القرن الماضي وسبعيناته التي نقلت أساليب زراعية متطورة إلى بعض البلدان النامية، وأسفرت عن تخفيف الجوع في العالم.

وركز الباحثون عملهم على التركيب الضوئي الذي تستخدم النباتات فيه غاز ثاني أوكسيد الكاربون الموجود في الهواء والطاقة الشمسية لانتاج كاربوهيدرات جديدة غنية بالطاقة. وتشكل هذه الكاربوهيدرات بدورها مصدر الطاقة الرئيسي لكل الخلايا تقريبًا، بما فيها الخلايا البشرية.

طاقة أكثر

بحسب العلماء فإن التركيب الضوئي ليس عملية ذات كفاءة عالية، وأُمنا الطبيعة صبت اهتمامها على بقاء النباتات وتكاثرها وليس على إنتاج أكبر قدر ممكن من الحبوب أو الفواكه كي يأتي الانسان ويجمعها أو يقطفها.

واستخدم الباحثون التبغ لأنه نبات سريع وسهل لإجراء التغييرات الوراثية فيه والتحقق من نجاحه. واعرب الباحثون عن الأمل بأن يُترجم ما حققوه من زيادة في انتاجية التبغ إلى زيادة مماثلة في المحاصيل الغذائية.

وقام الباحثون في البداية بنقل جينات من نبات شائع في المختبرات يعرف باسم "ثال الرشاد" إلى سلالات من التبغ. ولم يكن الغرض إدخال مواد غريبة بل زيادة مستوى بعض البروتينات الموجودة اصلًا في التبغ.

حين يسقط ضوء الشمس مباشرة على النباتات فإنها في الغالب تتلقى طاقة أكثر مما تستطيع أن تستخدم، وتلجأ إلى تفعيل آلية تساعدها على التخلص من الطاقة الزائدة في شكل حرارة، وفي الوقت نفسه إبطاء عملية انتاج الكاربوهيدرات. وتساعد التغيرات الوراثية التي أحدثها العلماء على إيقاف عمل هذه الآلية فور التخلص من الضوء الزائد، حيث تستطيع عملية التركيب الضوئي أن تعود بسرعة إلى انتاج الكاربوهيدرات بمستويات قصوى.

زيادة الغلال

قال العلماء إن ما يحدث أشبه بالعامل الذي يأخذ استراحة قصيرة قبل أن يعود إلى خط الانتاج. ولكن تأثير التغييرات الوراثية في نمو نبات التبغ كان كبيرًا إلى درجة فاجأت الباحثين.

وحين زرع العلماء النباتات الجديدة المعدلة وراثيًا في حقول جامعة إلينوي حققوا زيادات في الغلة بلغت 13.5 في المئة في إحدى السلالات و19 في المئة في سلالة أخرى و20 في المئة في سلالة ثالثة.

وتذهب النظرية المعتمدة إلى أن آلية التركيب الضوئي في الكثير من المحاصيل الغذائية في العالم مطابقة لآليته في التبغ، وبالتالي إجراء تغييرات وراثية مماثلة على هذه المحاصيل سيزيد غلتها. ومن المقرر اختبار النظرية على محاصيل مهمة بصفة خاصة لكونها أغذية اساسية في افريقيا، مثل اللوبيا والرز والكسافا.

قال لونغ إن البحث محاولة لتأمين امدادات الغذاء ضد الآثار المحتملة للتغير المناخي في المستقبل. وأشار إلى أن اسعار السلع منخفضة جدًا هذا العام وهناك من يقول إن العالم لا يحتاج إلى مزيد من الغذاء، لكن إذا لم يؤمن العالم إمدادات الغذاء بهذه الطرائق فإنها قد لا تتوافر له حين يحتاجها.

 

اعدت "ايلاف" هذا التقرير بتصرف عن "نيويورك تايمز"، المادة الأصلية منشورة على الرابط الآتي:

http://www.nytimes.com/2016/11/18/science/gmo-foods-photosynthesis.html?smprod=nytcore-ipad&smid=nytcore-ipad-share&_r=0