نيويورك: تستهل ايفانكا ترامب كتابها The Trump Card (يمكن ترجمته الى "الورقة الرابحة" أو "ورقة ترامب" في لعب على مفردة trump) الذي نشرته عام 2009 بعبارة ليست متوقعة منها حين تقول "في الأعمال، كما في الحياة، لا شيء يُقدَّم اليك على طبق ابداً". ثم تستدرك معترفة "نعم، كان من حسن حظي أن أولد في حياة من الثروة والامتياز، باسم يناسبهما. نعم، أُتيحت لي كل فرصة وكل أفضلية، ونعم، اخترتُ أن أبني حياتي في العمل على أساس أرساه والدي وجدي". ولكنها رغم ذلك تصر على انها واخوانها لم يتولوا مناصبهم في شركة والدهم كحق مكتسب بالولادة أو كمسألة مفروغ منها.

وقد يدفع هذا التناقض الصارخ قارئ الكتاب الى رميه فوراً للحفاظ على سلامة عقله ولكن كتاب ايفانكا مفيد لكونه يرسم صورة عن أخلاق آل ترامب وهي صورة تبدو قاسية بحق العائلة رغم انها رُسمت بفرشاة ايفانكا نفسها، أكبر مروّج لاسم العائلة، في السنوات التي سبقت صعود والدها سياسياً.

تناقض

تخصص ايفانكا قسماً كبيراً من كتابها الذي ينتمي الى كتب المساعدة الذاتية للالتفاف على التناقض في المقدمة التي تنطلق منها. فماذا يمكن ان يتعلم اشخاص يأكلون بملاعق بلاستيكية من امرأة ولدت وفي فمها ملعقة من الفضة؟ للاجابة عن هذا السؤال تستخدم ايفانكا استراتيجية جريئة. فهي تقول ان كل أفضلياتها كانت في الحقيقة اعباء عرقلت حركتها.

وحين عُينت عضوا في مجلس ادارة احدى شركات والدها يوم كانت في العشرين من العمر كان الوضع "معبئاً ضدي على طول الخط"، على حد قولها. وان اسم عائلتها ومظهرها وشبابها وامتيازاتها كلها تآمرت لدفع الآخرين الى الاستهانة بقدراتها. وعند "المغالاة" في قدراتها ويعتقد الآخرون انها موهوبة في فهم كل ما يتعلق بالعقارات والمال لأن والدها موهوب فيهما فان مثل هذا التقييم ايضاً يمكن ان يعمل ضدها، كما تذهب ايفانكا.

تؤكد ايفانكا في كتابها ان ما تتمتع به من أفضليات كلها وهمية وان الأفضلية الوحيدة هي "افضلية نفسية". ولكنها سرعان ما تتعب من التظاهر بأنها لا تتفوق على قارئها في شيء وانها والقارئ متساويان قائلة في الصفحة التاسعة انها بدأت حياتها في عالم المال والأعمال بأفضلية على اقرانها ولكنها تدعو القارئ الى اهمال هذه المعلومة على أهميتها والاستمرار في القراءة.

كتاب ثان

ايفانكا الآن في الخامسة والثلاثين ونضجت منذ نشر كتابها. إذ تزوجت من جاريد كوشنر وانجبت له ثلاثة اطفال. وهي ما زالت حسناء شقراء كما كانت. ومن المقرر ان يُنشر كتابها الثاني "نساء يعملن: إعادة كتابة قواعد النجاح" في مارس 2017. وطيلة حملة ترامب الانتخابية كانت أفضل مؤازريه بلا منازع، تخفف من غلواء والدها بمجرد الوقوف الى جانبه. وان عددا من المواد الاعلامية مثل ظهورها بملابس داخلية على صفحات مجلات رجالية نُشرت دون ان تنال منها. فان ايفانكا بيضاء، ثرية وجميلة، وهذه صفات كثيرا ما تُعتبر في اميركا فضائل أخلاقية.

تُصوَّر فوارق ايفانكا الجمالية عن والدها في احيان كثيرة على انها اختلافات سياسية، وهي استغلت هذا التصوير الخاطئ الى أقصى الحدود. وصرّحت احدى صديقاتها لمجلة فوغ ان نصف اميركا الذي يكره دونالد ترامب يحب ايفانكا ترامب "لأنها ليست هو". وتحدثت تقارير عن نساء انتخبن دونالد ترامب لأنهن معجبات بابنته وذوقها واناقتها.

ولكن هم ايفانكا هو الربح الشخصي مثلها في ذلك مثل والدها، كما تلاحظ مجلة نيويوركر مشيرة الى ان ايفانكا نفسها تعترف في كتابها بأنها لا تختلف عن والدها حين يتعلق الأمر بالربح الشخصي.

لا ريب في ان كتاب ايفانكا موجه الى المرأة بل حتى عنوانه مخطوط بلون وردي صارخ على الغلاف. ولكن اقسامه القليلة المعنية بالمرأة تحديدا لا تتطرق الى تمكينها، كما قد يُنتظر من كتاب كهذا بل هي اقسام تستحضر دونالد ترامب. وفي قسم عن التحرش الجنسي تستذكر ايفانكا التعليقات التي كانت تسمعها من عمال البناء ثم تشرح ان هؤلاء الرجال يطلقون تعليقاتهم على أي امرأة وتنصح بـ"فصل التحرش الحقيقي عن السلوك الحميد الذي يقترن به على ما يبدو".

أطفال كبار

مرّت عقود منذ انتخبت اميركا رئيساً لديه اطفال كبار، دون ان يكون احد منهم شخصية عامة معروفة مثل ايفانكا. ومن الجائز ان تحاول ايفانكا الايحاء بوجود مسافة بينها وبين والدها ولكن النجاح في اشاعة مثل هذا الوهم لن يكون سهلا بعد تصويرها مع رئيس الوزراء الياباني في اعقاب انتخاب والدها وكانت حاضرة خلال الحديث الهاتفي بين والدها والرئيس الارجنتيني.

ومن المتوقع ان تغتنم ايفانكا كل فرصة لإثراء شركة العائلة التي ما زالت نائبة رئيسها التنفيذي. وهذا هو تعريف الفساد لكنه فساد لا يبدو مشيناً حين يكون مغسولا من خلال ايفانكا التي تكتب تغريدات عن الطهي وتنشر صور اطفالها على مواقع التواصل الاجتماعي، كما تلاحظ مجلة نيويوركر.

من الاضاءات الأخرى التي يتضمنها كتاب ايفانكا ترامب نصائح اشخاص تنظر اليهم باحترام ومن هؤلاء روجر ايليس الذي أُقيل مؤخرا من رئاسة قناة فوكس نيوز بتهمة التحرش الجنسي.

وفي مقطع عن التكنولوجيا تكتب ايفانكا ان والدها لا يطيق الأجهزة الالكترونية. وتحذر ايفانكا قراءها من ارتكاب حماقات على مواقع التواصل الاجتماعي قائلة انها مسألة وقت قبل ان يفتضح أمر هذا المرشح أو ذلك المسؤول الرفيع باقتناصه في صورة غير لائقة. ثم تقول في عبارة تبدو صادمة الآن "ان صديقي اندرو كومو مدعي عام نيويورك يقول لي ان البريد الالكتروني هو المفتاح لملاحقة أي أحد قانونياً هذه الايام".

ولعل أهم ما يعبر عن طريقة تفكير آل ترامب قول ايفانكا في الكتاب انه "لا يكفي ان تكسب صفقة بل يجب ان تكون قادرا على التحديق في عين المقابل وتعرف ان هناك قيمة في النهاية الأخرى من الصفقة ايضاً إلا إذا كنتَ، بالطبع، بائعاً لمرة واحدة تبحث عن ربح سريع".

أعدت "إيلاف" هذا التقرير بتصرف عن مجلة "نيويوركر".