يموت الناس من أجل الأعلام (الرايات) ويقتُلون من أجلها، لكن من قبل الأميركي ويتني سميث، لم يكن هناك أحد على الإطلاق قد غامر وقدم أبحاثًا ودراسات عميقة وفي شكل صحيح وكتب ومؤلفات ومقالات مثل ما قدمه سميث، الذي يعتبر أهم خبير في علم الرايات أو الأعلام (Vexillology) عبر العالم على الإطلاق.&

إيلاف: منذ نعومة أظفاره، وحتى رحيله في 17 نوفمبر 2016 بصمت، متأثرًا بمضاعفات مرض الزهايمر، وهو في عمر الـ76.&
وضع سميث نحو 27 كتابًا حول تاريخ الرايات عبر العصور، وعبر العالم، ولجميع الأمم، وساهم في تصميم العديد من الأعلام الوطنية للدول، وكذلك أعلام المنظمات الإقليمية والدولية، كما إنه كتب نحو 250 مقالًا وثائقيًا لمصلحة دائرة المعارف البريطانية.

سميث بدأت رحلته مع الرايات منذ الطفولة&

وحسب ما كتبته مجلة (إيكونوميست) البريطانية، في نعيها له، فإن الأب الروحي لـ(علم الرايات) ويتني سميث قال في واحد من أحد كتبه العديدة: إن الرايات صنعت كرموز "للتكريم والعار والتحذير والتشجيع والتهديد والوعيد والإشادة والاحتفال والرفض".&
وقال إنها ترمز أيضًا للتذكير والتحريض والتحدي للطفل في مدرسته والجنود والناخبين والإدانة وضعت لتكريم وعار، تحذير وتشجيع، وتهدد والوعد، وسبح وإدانة، احتفال ورفض". إنها "تذكير وتحريض وتحدِّ... الطفل في المدرسة، والجندي، والناخب، والعدو، والحليف والغريب سواء بسواء".

أعلام عبر العصور&
ويتني سميث، كان مؤلف العمل المثير (أعلام عبر العصور وعبر العالم) الصادر العام (1975)، وكان هاجس الرايات ــ الأعلام يرافقه مدى حياته منذ سنواته الأولى في رياض الأطفال، وزاد من حماسته التراث الضخم الذي يضمه مسقط رأسه، ليكسينغتون في ولاية ماساشوستس، أو عرضها السنوي في ساحات المدينة الخضراء.&

في إحدى المرات قال لمجلة (سمويثسونيان) العام 1997 إنه عندما "كنت في سن الثامنة أو نحو ذلك، كنت أذهب إلى تلك العروض في المناسبات الوطنية، وكنت أتحدث إلى أطقم الطرق السريعة عن كيفية رفع الأعلام وترتيبها حسب انضمامها إلى اتحاد الولايات"، ويضيف إن "العمال كانوا ينظرون إليّ كما لو أنهم يرغبون القول: لماذا لا يعود هذا الطفل إلى منزله ليلعب في صندوقه الرملي".
&
ويقول إنه بينما كان الأولاد الآخرون يحفظون إحصاءات عن (البيسبول)، كان هو منهمكًا في جمع قصاصات الصحف والمقالات عن أعلام وكتابة الرسائل القنصليات الأجنبية، طالبًا معلومات دقيقة عن الألوان، والرموز في رايات بلدانهم.

غريب الأطباع
في العام 1985 قال سميث في مقابلة مع محلة (بيبول) إن بعض الأطفال كانوا يعتقدون أنني غريب الأطباع، ولكن مثل هذا الانطباع ليس غريبًا عنهم "لو عرفنا أن صبيًا في عمر 13 عامًا ممكن أن يكون الوحيد في العالم الذي يعرف معاني ورموز وألوان علم بوتان على سبيل المثال.. إن هذا عالمي!".

وحينما كان في سن الـ18 قرر ويتني سميث أن يجد اسمًا لـ(علم الرايات)، ويقول إنه استطاع الجمع بين الكلمة اللاتينية "vexillum"، التي تعني العلم، مع كلمة يونانية تعني دراسة، ويقول: "حينها تعرّضت لانتقادات لكون الاسم يجمع بين اللاتينية واليونانية، والهمجية"، ولكن "لا يهمّ، فقد كنت في سن المراهقة".&

نشرة العلم
وكطالب يدرس العلوم السياسية في جامعة هارفارد، قام ويتني سميث بتصميم علم غيانا المستقلة حديثًا في عام 1961 عن بريطانيا مع زميله المتحمس، جيرهارد غراهل، وحينها أصدر نشرة (العلم) نصف الشهرية، وهي الأولى المتخصصة من نوعها، وبعد عام من ذلك أسس مركز أبحاث العلم، وهي شركة استشارية الرد على الاستفسارات من السينمائيين والمؤرخين وصناع الرايات ـ الأعلام التجارية.

احد كتب سميث عن الاعلام&

من أعمال سميث تصميم رايات وأعلام القوات البحرية السعودية، كما إنه كان نصح معهد (سميثسونيان) حول أفضل السبل للحفاظ على النشيد الوطني الأميركي والراية التي كانت رفعت فوق فورت ماكهنري في بالتيمور هاربور خلال حرب 1812. كما إنه ساعد على تصميم رايات جزر بونير وأروبا. وقال إنه "في نهاية المطاف جمعت مجموعة تضم من أكثر من 4000 علمًا".

تدنيس العلم&
كان سميث معارضًا صريحًا لقوانين "تدنيس العلَم"، وهو ظهر كشاهد دفاع عن مراهق من ماساتشوستس كان اعتقل بعد ارتداء علم أميركي صغير على سرواله الجينز، وحكم عليه بالسجن لمدة ستة أشهر في السجن. وهذا الحكم وصل في نهاية المطاف إلى ساحة المحكمة العليا التي قضت في العام 1974 بتعديل قانون "علم الدولة".

وفي أحد اللقاءات يعترف سميث: "نعم أنا مهووس أحادي، وهذا واضح"، ويضيف: "لكنني أنا أكثر حظًا من معظم الناس، لأن لديّ شيئًا تتحلى به حياتي كلها. فأنا أربط الأعلام بكل شيء".

والد محام&
يشار إلى أن ويتني سميث جونيور كان ولد في 26 فبراير 1940، في أرلينغتون في ولاية ماساشوستس، ونشأ في ليكسينغتون وينشستر. وعمل والده، كمحام، ومحقق لشركة جون هانكوك للتأمين. أما والدته فكانت تخيط أقنعة كانت تباع في متاجر بوسطن.

وبدأت والدته موهبة الخياطة، حين صمم ابنها العام 1960 العلم الوطني لغيانا، التي كانت آنذاك ترزح تحت حكم الاستعمار البريطاني. حيث حينذاك كتب سميث لشيدي جاغان، وهو زعيم الاستقلال في غيانا ليسأله ماذا يمكن عليه شكل علم دولته المستقلة، وأجابه جاغان بأن العلم لم يتم تصميمه بعد، طالبًا الحصول على أفكار عمّا يمكن أن يكون عليه شكل العلم.

سميث صمم العديد من الاعلام&

حينذاك، خرج سميث بفكرة تصميم علم غيانا كنموذج أولي، على شكل مثلث ذهبي متداخل مع مثلث أحمر على أرضية خضراء، ثم طلب من والدته خياطته وأرسله إلى غيانا، حيث لم يكن يعرف إلا بعد 6 سنوات أن تصميمه قد اعتمد مع تعديلات طفيفة من جانب حكومة غيانا المستقلة.

تفرغ للرايات
بعد حصوله على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة هارفارد في عام 1961، واصل سميث دراسته في جامعة بوسطن، حيث حصل على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية في العام 1964. وكانت أطروحته حول الرمزية السياسية.

بعد ذلك، صار مدرّسًا لفترة وجيزة في جامعة بوسطن، لكنه ترك الأكاديمية في العام 1970 ليتفرغ بدوام كامل لـ"الأعلام" التي لم يكن يتعب من الاهتمام بها حتى النهاية.&

يقول سميث في حديث لمجلة (سميثسونيان): "الأعلام تعبّر عن وحدة وهوية مجموعة واحدة من اناس مقابل كل الآخرين"، يضيف: "ويمكن أن يكون العلم قبيحًا مثل تجسيد الصليب المعقوف، وهو علم هتلر الذي كان الجانب المظلم من رمزية علم الرايات ـ &vexillologic، ولكن الأعلام أيضًا يمكن أن تسمح بإشعار البشر في حالة ضعفهم بأنهم معززون بدعم من سلطات عليا".&

المؤتمر الأول
يذكر أن سميث كان قام مع الباحث الهولندي كاليس سيركزما Klaes Sierksma، بتنظيم المؤتمر الدولي الأول للعلم الرايات في مدينة ميدوربيرغ Muiderberg، في هولندا العام 1965. كما إنه ساهم في تأسيس جمعية (علم الرايات Vexillological) في أميركا الشمالية وجمعية التراث العلم.&

وكان تم ترشيح ويتني سميث العام 1991 لجائزة نوبل من جانب الاتحاد العالمي لعلم الرايات (FIAV)، وفي العام 2001 ترك منصب الأمين العام FIAV. وتم منحه زمالة الشرف في الاتحاد.&

وفي العام 2013، حصل مركز دولف بريسكو المتخصص في التاريخ الأميركي في جامعة تكساس على مجموعة ويتني سميث الهائلة من المواد عن الأعلام، وهي ضمت نحو 10 آلاف كتابًا وربع مليون وثيقة.&

وفي الأخير، فإن سميث تزوج مرتين، انتهتا بالطلاق، وأنجب ابنين، هما أوستن وأدريان، اثنين من الزيجات بالطلاق. إضافة إلى ابنه أوستن وأدريان، كان له شقيقتان هما سيبيل سميث ولين هارتويل وحفيد واحد.