قال العاهل المغربي الملك محمد السادس "إن الشراكة المغربية - الخليجية ليست وليدة مصالح ظرفية، أو حسابات عابرة، وإنما تستمد قوتها من الإيمان الصادق بوحدة المصير، ومن تطابق وجهات النظر، بخصوص قضايانا المشتركة".

الرباط: اشار الملك محمد السادس، في كلمة ألقاها في الجلسة الافتتاحية للقمة الخليجية - المغربية مساء اليوم الاربعاء &في العاصمة السعودية الرياض، الى أن المغرب ودول الخليج "تمكنا من وضع الأسس المتينة لشراكة استراتيجية، هي نتاج مسار مثمر من التعاون، على المستوى الثنائي، بفضل إرادتنا المشتركة".

واوضح العاهل المغربي أنه "رغم بعد المسافات الجغرافية، التي تفصل بيننا، توحدنا والحمد لله، روابط قوية، لا ترتكز فقط على اللغة والدين والحضارة، وإنما تستند أيضًا، الى التشبث بنفس القيم والمبادئ، وبنفس التوجهات البناءة"، مبرزًا ان المغرب وبلدان الخليج يتقاسمان نفس التحديات، ويواجهان نفس التهديدات، خاصة في المجال الأمني".

وعد الملك محمد السادس القمة الخليجية- المغربية بأنها تجسد "عمق روابط الأخوة والتقدير، التي تجمعنا، وقوة علاقات التعاون والتضامن بين بلداننا"، مضيفًا أنه "نجتمع اليوم لإعطاء دفعة قوية لهذه الشراكة، التي بلغت درجة من النضج، أصبحت تفرض علينا تطوير إطارها المؤسسي، وآلياتها العملية".

وأوضح العاهل المغربي أن الأمر يتعلق بـ"خير دليل على أن العمل العربي المشترك لا يتم بالاجتماعات والخطابات ولا بالقمم الدورية الشكلية، أو بالقرارات الجاهزة غير القابلة للتطبيق"، مشيرًا الى ان ذلك "يتطلب العمل الجاد، والتعاون الملموس، وتعزيز التجارب الناجحة، والاستفادة منها، وفي مقدمتها التجربة الرائدة لمجلس التعاون لدول الخليج العربي".

وزاد قائلاً إن القمة "رسالة أمل لأنفسنا، وإشارة قوية لشعوبنا على قدرتنا على بلورة مشاريع تعبوية مشتركة"، معربًا عن اعتزازه وتقديره للدعم المادي والمعنوي الذي تقدمه دول الخليج &للمغرب في إنجاز مشاريعه التنموية والدفاع عن قضاياه العادلة.&

الربيع العربي خلف خرابًا ودمارًا ومآسيَ إنسانية

وشكر العاهل المغربي خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود ، على تفضله باستضافة هذه القمة المهمة، كما شكر كافة قادة دول مجلس التعاون الخليجي، على مشاركتهم فيها، وقال إن هذه القمة تأتي في ظروف صعبة، تعيش فيها المنطقة العربية على وقع محاولات تغيير الأنظمة وتقسيم الدول، كما هو الشأن في سوريا والعراق وليبيا، مع ما يواكب ذلك من قتل وتشريد وتهجير لأبناء الوطن العربي.

وقال ملك المغرب انه بعدما تم تقديم ذلك كربيع عربي " خلف خرابًا ودمارًا ومآسيَ إنسانية ، ها نحن اليوم نعيش خريفًا كارثيًا، يستهدف وضع اليد على خيرات باقي البلدان العربية، ومحاولة ضرب التجارب الناجحة لدول أخرى كالمغرب، من خلال المس بنموذجه الوطني المتميز".

وزاد قائلاً " إننا نحترم سيادة الدول، ونحترم توجهاتها، في إقامة وتطوير علاقاتها، مع من تريد من الشركاء .ولسنا هنا لنحاسب بعضنا على اختياراتنا السياسية والاقتصادية".

واضاف "غير أن هناك تحالفات جديدة ، قد تؤدي إلى التفرقة، وإلى إعادة ترتيب الأوراق في المنطقة. وهي في الحقيقة، محاولات لإشعال الفتنة، وخلق فوضى جديدة، لن تستثني أي بلد. وستكون لها تداعيات خطيرة على المنطقة، بل وعلى الوضع العالمي".

وقال الملك محمد السادس إن المغرب رغم حرصه على الحفاظ على علاقاته الاستراتيجية مع حلفائه، توجه في الأشهر الأخيرة نحو تنويع شراكاته، سواء على المستوى السياسي أو الاستراتيجي أو الاقتصادي.

وذكر انه في هذا الإطار "تندرج زيارتنا الناجحة إلى روسيا، خلال الشهر الماضي، والتي تميّزت بالارتقاء بعلاقاتنا إلى شراكة استراتيجية معمقة، والتوقيع على اتفاقيات مهيكلة، في العديد من المجالات الحيوية، كما نتوجه لإطلاق شراكات استراتيجية مع كل من الهند وجمهورية الصين الشعبية، التي سنقوم قريبًا، إن شاء الله، بزيارة رسمية إليها".

المغرب ليس محمية تابعة لأي بلد&

وشدد ملك المغرب على القول إن بلده "حرّ في قراراته واختياراته وليس محمية تابعة لأي بلد . وسيظل وفيًا بالتزاماته تجاه شركائه، الذين لا ينبغي أن يروا في ذلك أي مس بمصالحهم"، معتبرًا أن عقد هذه القمة "ليس موجهًا ضد أحد بشكل خاص، ولاسيما حلفاؤنا. إنها مبادرة طبيعية ومنطقية لدول تدافع عن مصالحها ، مثل جميع الدول، علمًا أن أشقاءنا في الخليج، يتحملون تكاليف وتبعات الحروب المتوالية، التي تعرفها المنطقة".

وقال العاهل المغربي إن الوضع خطير، خاصة في ظل الخلط الفاضح في المواقف، وازدواجية الخطاب بين التعبير عن الصداقة والتحالف، ومحاولات الطعن من الخلف.وتساءل "ماذا يريدون منا؟".

ليجيب قائلاً "إننا أمام مؤامرات تستهدف المس بأمننا الجماعي. فالأمر واضح، ولا يحتاج إلى تحليل. إنهم يريدون المس بما تبقى من بلداننا، التي استطاعت الحفاظ على أمنها واستقرارها، وعلى استمرار أنظمتها السياسية. وأقصد هنا دول الخليج العربي والمغرب والأردن، التي تشكل واحة أمن وسلام لمواطنيها، وعنصر استقرار في محيطها ".&

واضاف "إننا نواجه نفس الأخطار، ونفس التهديدات، على اختلاف مصادرها ومظاهرها".

وقال ملك &المغرب إن "الدفاع عن أمننا ليس فقط واجبًا مشتركًا، بل هو واحد لا يتجزأ . فالمغرب يعتبر دائمًا أمن واستقرار دول الخليج العربي، من أمن المغرب. ما يضركم يضرنا وما يمسنا يمسكم. وهو ما يحرص على تجسيده في كل الظرو ف والأحوال، للتصدي لكل التهديدات، التي تتعرض لها المنطقة، سواء في حرب الخليج الأولى، أو في عملية إعادة الشرعية لليمن، فضلاً عن التعاون الأمني والاستخباراتي المتواصل".

وتحدث &ملك المغرب عن المخططات العدوانية "التي تستهدف المس باستقرارنا"، وقال انها "متواصلة ولن تتوقف. فبعد تمزيق وتدمير عدد من دول المشرق العربي، ها هي اليوم تستهدف غربه. وآخرها المناورات التي تحاك ضد الوحدة الترابية لبلدكم الثاني المغرب. وهذا ليس جديداً . فخصوم المغرب يستعملون كل الوسائل، المباشر ة وغير المباشرة في مناوراتهم المكشوفة".&

وذكرالعاهل المغربي "انهم يحاولون حسب الظروف، إما نزع الشرعية عن وجود المغرب في صحرائه، أو تعزيز خيار الاستقلال وأطروحة الانفصال، أو إضعاف مبادرة الحكم الذاتي، التي يشهد المجتمع الدولي بجديتها ومصداقيتها".

ومع التمادي في المؤامرات، يقول ملك المغرب، أصبح شهر أبريل (نيسان)، الذي يصادف اجتماعات مجلس الأمن حول قضية الصحراء، فزاعة ترفع أمام المغرب، وأداة لمحاولة الضغط عليه أحيانًا، ولابتزازه أحيانًا أخرى.

الشيخ محمد بن زايد شارك في المسيرة الخضراء وعمره 14 عامًا&

وعبر العاهل المغربي لقادة الخليج عن اعتزازه وتقديره لوقوفهم الدائم" إلى جانب بلادنا في الدفاع عن وحدتها الترابية. فالصحراء المغربية كانت دائمًا قضية دول الخليج أيضًا. وهذا ليس غريبًا عنكم".&

وقال ملك المغرب&"في سنة 1975، شاركت في المسيرة الخضراء، لاسترجاع أقاليمنا الجنوبية، وفود من السعودية والكويت وقطر وسلطنة عمان والإمارات، التي تميّزت بحضور أخينا الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي، الذي كان عمره آنذاك 14 سنة. ومنذ ذلك الوقت، لم تدخر دول الخليج أي جهد، من أجل نصرة قضيتنا العادلة، والدفاع عن سيادة المغرب على كامل أراضيه. وهو ما أكدتموه خلال الأزمة الأخيرة مع الأمين العام للأمم المتحدة".

"غير أن الوضع خطير هذه المرة"، يقول ملك المغرب، و"غير مسبوق في تاريخ هذا النزاع المفتعل، حول مغربية الصحراء. فقد بلغ الأمر إلى شن حرب بالوكالة، باستعمال الأمين العام للأمم المتحدة، كوسيلة لمحاولة المس بحقوق المغرب التاريخية والمشروعة في صحرائه، من خلال تصريحاته المنحازة، وتصرفاته غير المقبولة، بشأن الصحراء المغربية".

الأمين العام للامم المتحدة رهينة في أيدي بعض مساعديه&

لكن لا تستغربوا، يضيف ملك المغرب، فإذا عرف السبب، بطل العجب .فماذا يمكن للأمين العام، أن يفعله وهو يعتر ف بأنه ليس على اطلاع كامل على ملف الصحراء المغربية، مثل العديد من القضايا الأخرى. بل إنه يجهل تطوراته الدقيقة، وخلفياته الحقيقية.

وتساءل ملك المغرب "ماذا يمكن للأمين العام القيام به، وهو رهينة بين أيدي بعض مساعديه ومستشاريه، الذين يفوض لهم الاشراف على تدبير عدد من القضايا المهمة، ويكتفي هو بتنفيذ الاقتراحات التي يقدمونها له".&

واضاف أن بعض هؤلاء الموظفين معروف أن لهم مسارات وطنية، وخلفيات سياسية، ويخدمون مصالح أطراف أخرى، من دون التزام بما يقتضيه منهم الانتماء لمنظمة الأمم المتحدة، من واجب الحياد والموضوعية، الذي هو أساس العمل الأممي.

وقال العاهل المغربي إن الامين &العام للامم المتحدة "رغم تقديرنا الشخصي له، ما هو إلا بشر. لا يمكنه الإلمام بكل القضايا المطروحة على الأمم المتحدة، وإيجاد الحلو ل لكل الأزمات والخلافات عبر العالم".

واكد الملك محمد السادس أن المغرب ليس له أي مشكل مع الأمم المتحدة، التي هي عضو نشيط فيها، ولا مع مجلس الأمن، الذي يحترم أعضاءه، ويتفاعل معهم باستمرار؛ وإنما مع الأمين العام، وخاصة بعض مساعديه، بسبب مواقفهم المعادية للمغرب.

واشار الى ان بلاده كانت دائمة التنسيق "بخصوص هذا النزاع المفتعل، حول وحدتنا الترابية، مع أصدقائه التقليديين، كالولايات المتحدة&وفرنسا وإسبانيا، ومع أشقائه العرب، خاصة دول الخليج، والأفارقة كالسنغال وغينيا وكوت ديفوار والغابون".

قضية الصحراء قضية كل المغاربة&

غير أن المشكل، يقول ملك المغرب ، يبقى مطروحًا "مع المسؤولين بالإدارات، التي تتغير بشكل مستمر، في بعض هذه الدول. و مع كل تغيير يجب بذل الكثير من الجهود، لتعريفهم بكل أبعاد ملف الصحراء المغربية، وبخلفياته الحقيقية، وتذكيرهم بأن هذا النزاع، الذي دام أزيد من أربعين سنة، خلف العديد من الضحايا، وتكاليف مادية كبيرة، وبأن قضية الصحراء هي قضية كل المغاربة، وليست قضية القصر الملكي لوحده".

واضاف العاهل المغربي:&"لقد حان وقت الصدق والحقيقة. إن العالم العربي يمر بفترة عصيبة . فما تعيشه بعض الدول ليس استثناء، وإنما يدخل ضمن مخططات مبرمجة ، تستهدفنا جميعًا"، مشيرًا الى أن الارهاب" لا يسيء فقط لسمعة الإسلام والمسلمين، وإنما يتخذه البعض ذريعة لتقسيم دولنا، وإشعال الفتن فيها. وهو ما يقتضي فتح نقاش صريح وعميق بين المذ اهب الفقهية قصد تصحيح المغالطات وإبراز الصورة الحقيقية للإسلام، والرجوع للعمل بقيمنا السمحة".

وخلص العاهل المغربي الى القول إن الأمر "لا يتعلق بقضية في دولة معينة، وإنما بحاجتنا إلى وعي جماعي بهذه التحديات، وبإرادة حقيقية لتجديد عقدنا الاستراتيجي مع شركائنا، بناء على محددات واضحة المعالم ، تضبط علاقاتنا خلال العشريات المقبلة. إننا نعيش مرحلة فاصلة ، بين ماذا نريد؟، وكيف يريد الآخرون أن نكون ؟".

وزاد قائلا: "إننا اليوم، أكثر حاجة لوحدة ووضوح المواقف، بين كل الدول العربية. فإما أن نكون جميعًا كالجسد الواحد والبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضًا، أو أن نكون كما لا نريد".