نشر مقال الزميل حسن المصطفى في جريدة الرياض يوم الجمعة ٢٠ مايو ٢٠١٦

"ما يميز عثمان العمير، أنه رئيس تحرير، ويفهم اللعبة السياسية في ذات الوقت"، يقول د.توفيق السيف، مضيفا "لقد خسرت البلد جهود هذا الرجل، بابتعاده عن الشأن العام". أجبناه بالإيجاب أنا والصديق غالب درويش، لأضيف أن هنالك شخصيات أخرى لديها ذات المهنية الصحافية والحدس السياسي، وإن كانت قليلة، ومنها عبدالرحمن الراشد، وهي الإضافة التي وافقني عليها رفيقي، لنتم تسامرنا مستمتعين بشاطئ جميرا ومتأملين فيما أنجزته دبي من تحديث لمجتمعها، بعد أن كانت كل هذه المساحات التي تضج بالحياة، مجرد كثبان رملية لا توحي أنها ستكون ذات يوم على ما هي عليه الآن. ويرى السيف أن ما ساعد دبي على إنجاز ذلك، هو وجود رؤية تم العمل على تنفيذها دون تردد. 

ليس من عادتي أن أمدح أحدا، ولست من الكُتاب الذين يجيدون تسويق ذواتهم، فضلا عن مدح الآخرين؛ لأنني دائما ما أسعى لأن أركز على الأفكار لا الأفراد، ساعيا لأن أعطي الكتابة معنى وجوديا فلسفيا، ربما هو جزء من طريقة تفكيري وعيشي، ولنقل، لأن الكتابة لدي هي أسلوب حياة، أكثر منها مهنة.

 في اليوم التالي، كان عبدالرحمن الراشد على منصة التكريم، حاصدا لقب "شخصية العام" التي يمنحها نادي دبي للصحافة. وفي مساء ذات اليوم، احتفى العمير بمرور 15 عاما على إطلاق موقع "إيلاف" الإلكتروني. 

كان يوما إعلاميا سعوديا بامتياز. هو أشبه بتتويج لمنهج ومنجز إعلامي عمل الرجلان على إرسائهما كلٌ من زاويته، وكلٌ بطريقته الخاصة.

 إن أهم ما يميز العمير والراشد، هو الوفاء لأخلاقيات المهنة، ومراعاتهما لأدبيات ضرورية، ترسخت لديهما إبان عملهما في العاصمة البريطانية لندن، وهي: الموضوعية، والمهنية، يضاف إليهما العمل وفق مهمة الصحافي المتحرر من حمل عبارات التبجيل والمدح والإطراء. وهما بذلك خرجا عن كلاسيكيات الإعلام الرسمي، إلى فضاء الإعلام الحديث، ساعيين بجهد إلى بناء القصة الصحافية والخبر والتقرير والصورة، وتحريرها ما استطاعا من القيود التي تغير منها، وجعلها كما هي مقدمة إلى الجمهور الذي له الحق في أن يبدي رأيه، فهو الحكم، الذي له أن يركن الصحيفة جانبا على المقعد المجاور، أو يبدل القناة ذاهبا لمشاهدة قناة أخرى.

 سعى الرجلان إلى توسيع هامش حرية الصحافة السعودية، وإلى تعزيز قيم مدنية وحداثية، ذات مرجعية زمنية معاصرة. خاضا معارك طويلة في سبيل ذلك، مع تيارات متشددة، وأخرى بيروقراطية رتيبة. فهما بما يقدمانه من فكر منفتح، يؤمن بالتعددية وحرية التعبير واحترام حقوق الإنسان، عملا على أن تضم المؤسسات الإعلامية التي توليا مسؤوليتها، مختلف الأفكار والتوجهات، من جنسيات شتى، دون النظر إلى الهويات الفرعية، لأن الأساس يجب أن يكون المهنية والكفاءة.

 هذه التجربة يشهد عليها صحافيون زاملوا الرجلين، ومنهم: تركي الدخيل، محمد التونسي، هاني نقشبندي.. وسواهم.

 إن الانفتاح على الآخر، وتقبله، والحوار معه، وإدراك أن وجوده شرط أساسي لوجود الذات، والتفريق بين العمل الصحافي من جهة، والعمل السياسي من جهة أخرى، ومعرفة حدود التداخل والاشتباك بينهما، هي مهارات جد مهمة، يفتقدها عدد كبير من الصحافيين الشبان، خصوصا الجيل الذي دخل حديثا في ميدان الإعلام، أو العامل في المواقع الإلكترونية، والذين يمارسون تبسيطا مخلا ومبتذلا لمعنى الصحافة، ويفرغونها من مضمونها، ويقدمونها على هيئة مدائح تكال إلى من يحبون، وشتيمة تطلق جهة من يبغضون!.

 إن الصحافة لا علاقة لها بالحب والكره. هي عمل له قواعده التي إن لم يتحل بها الإعلامي، وفي مقدمها الحياد والتحرر من الميول الداخلية، وإبعاد المصالح الذاتية عن كتابة الخبر وصناعة القصة الصحافية، فإن الإعلام سيتحول إلى خانة التضليل، عوض أن يكون سلطة رابعة، تمارس مهامها بعيدا عن المصالح والتحزبات الضيقة.