فجر الإثنين 21 مايو 2001، قبل خمسة عشر عاماً من طلوع شمس يومنا هذا، أطلقت "بيغ بن" دقاتها المعتادة من قلب ويستمنستر، إنما انطلقت معها أصداء دوي غير عادي في فضاء الصحافة العربية، إذ بعد تحضير استغرق ما يزيد عن العام، دقت ساعة صفر "إيلاف" كي ينطلق هدير أول يومية عربية تدير ظهرها للحبر والورق، للمطابع وأسواق التوزيع، وفي الوقت ذاته تدخل سباق الزمن على مدار الأربع والعشرين ساعة، فتصل النهار بالليل كي تضع أمام جمهورها أحدث الأخبار، وكأنها تريد التفوّق على إذاعات وصحف ومحطات تلفزة، تتوفر لها أعداد مجيّشة من أطقم تحرير ومراسلين وفنيين.

لم تكن القصة سهلة، لكن عذوبتها، التي ما يزال مذاقها ساطعاً، كانت في معاناة التحضير لتجميع خيوطها وإعداد حبكتها. لن أنسى كيف التفت حولي مجموعة من الشبان والشابات، الحالمين مثلي والحالمات، بواقع مختلف للصحافة العربية في ختام ألفية ميلادية ومطلع قرن جديد. لولا جهد أولئك المُبشِرين بالولادة الجديدة، واقتناعهم أجمعين بأهمية ما يصنعون، لما استطاعت يداي أن تطلق الحرية لفكرة "إيلاف" كي تسكن عقول فريق النواة الأولى، فينتظم الإيقاع، وإذا بالعزف المنفرد سيمفونيةٌ متعددة النغمات، تؤديها بتجدد دائم أوركسترا تعرف ماذا تريد ولمن تتوجه. ولست أبالغ إنْ قلت أنني بدأت أدرك، منذ أشهر "إيلاف" الأولى، أنها ما عادت مِلك يميني، بل صارت المُلكَ الطبيعي لأسرتها كافةً، باختلاف مستويات المسؤولية ومجالاتها، ولجمهورها الوفي، بتعدد شرائحه وأطيافه.

تحت جسور سنوات "إيلاف" الخمس عشرة جرت أنهار تعددت فروعها، وفوق الجسور وعلى جوانبها، مشينا خطوات مضنية، وعشنا لحظات مبهجة. لبست "إيلاف"، منذ مضت سنة على ولادتها، أكثر من حُلة، وخلعت ثوب تصميم لتلبس ما تصوّر فريقها أنه أجمل، أو أفضل، أو أكثر مواكبة لعصر الإعلام الرقمي، وهي ما تزال، حتى اللحظة، وستظل تبحث عن الأحدث والأفضل والأجدد. صحفياً، فتحت "إيلاف" نوافذَ عدة، شرّعت الأبواب لكل الآراء والمعتقدات، ثم على نهجها سار من أتى بعدها، في غير مجال صحافي ومنهاج تصميمي، فأفرحنا ذلك وما ضرّنا، وطالما تردد القول بيننا أن "إيلاف لا ضُرَّة لها"، شرط ألا يؤخذ ذاك الفهم من منطلق الغرور، أو يُعد مبرراً للتقاعس وعدم التنبّه لشروط التنافس في ملاعب فضاء كثر فيه اللاعبون. 

لقد حققت "إيلاف" خلال متابعتها لعدد من كبريات الأحداث حضوراً اقترب من حضور أهم مواقع الأخبار العالمية، الأقدم منها عمراً والأقدر عتاداً، وكان حضوراً شهدت له، آنذاك، أرقام مراكز ومؤسسات دولية، وكان ذلك كله دافعاً لأسرتها كي تواصل الجهد المتميز والحضور المتجدد. يبقى القول إن "شكراً"، لن تكفي، لو كررتها آلاف المرات، هنا وحيثما أمكنني، لتفي فريق "إيلاف" الصحافي وكُتابها، وفريقها التقني، ومسؤولي إدارتها، وبالطبع جمهورها الوفي، حقهم وحقهن، إنهم جميعاً بحق، هم صانعو تألق ذلك الهدير الذي انطلق قبل خمسة عشر عاماً. كما قلت في افتتاحية العدد الأول*، أكرر الآن: "تبدأ الأمور صغيرة، ثم تتحول الى كرة نار من الصعب اطفاؤها".

عثمان العمير

نيويورك: 21 مايو 2016 
*رسالة من الناشر