إنه موسم هجرة العرسان إلى خارج المملكة لإقامة حفلات الزفاف، هربًا من مبالغ طائلة تفرض عليهم كتكلفة لحفل الزفاف، من دون أن يلقوا الخدمة التي توازي ما دفعوه.

إيلاف من جدة: بات تخطيط الزفاف خارج السعودية أمرًا لا يغيب عن ذهن العروسين لعدة أسباب، لعل من أهمها التكلفة المادية وكثيرا من المميزات التي يمكن أن يحصلا عليها، كتوفير نفقات شهر العسل طالما أنها في دولة أخرى غير السعودية.

واجه هذا الاتجاه موجة من القبول والرفض عند أصحاب الشركات التي تعمل على تنظيم حفلات الزفاف، وحفلات عقود القرآن، حيث اتفق البعض على أن الشباب هجر السعودية فعليًا، ويفكر بشكل جدي في إقامة ليلة زواجه في إحدى الدول العربية الأقل تكلفة، فيما انتقد البعض الآخر هذا الفكر وأنكره تمامًا، بل ذهب إلى أن هذا التفكير أكثر تكلفة على الزوج من أن يلتزم إقامة حفل زفافه داخل السعودية.

إلى القاهرة

قررت مها وزوجها فيصل الانتقال إلى القاهرة، بمباركة والديهما، لإقامة حفل زفافهما هناك، فلم تتجاوز تكلفته نصف التكلفة التي يتكبدها العريس في السعودية، على الرغم من أنها اختارت فندقًا من فئة خمس نجوم. قالت: "قررنا إقامة حفل الزفاف في القاهرة لعدة أسباب، بداية وبشكل أساس التكلفة المادية حيث أن فرق صرف العملة كبير جدًا، والجنيه المصري أقل من نصف ريال، ما يعطينا خيارات واسعة في اختيار كافة تفاصيل الحفل، ونحن نعلم جيدًا أنها ضمن نطاق التكلفة المقبولة، إضافة إلى أني لم أتكبد نفقة اضافية لشهر العسل الذي قررنا قضاءه في مصر بين القاهرة والاسكندرية وشرم الشيخ".

وعن تكلفة انتقال أهلها وأقارب العريس والعروس إلى مصر، قالت لـ"إيلاف": "لم تكن مسألة مبالغًا فيها، فحفل الزفاف تزامن مع العطلة الدراسية التي يعتاد أهلي وأهل زوجي السفر في أثنائها، فكان حفل الزفاف فرصة أكثر من ممتازة لجمع العائلتين في مناسبة جميلة".

مها وفيصل أقرا أن الزفاف كان أكثر من خمس نجوم ولم تصل التكلفة بكل ما تم تقديمه من ضيافة وموسيقى وعشاء نصف تكلفة الزواج في السعودية.

أكثر من 100 ألف ريال

في المقابل، تعدت تكلفة زواج الدكتور محمود الحربي، الطبيب في احدى مستشفيات جدة، 100 ألف ريال. قال لـ"إيلاف": "الزفاف في جدة مكلف جدًا، من أول نقطة فيه إلى آخرها، ولولا مساعدة والدي في مصاريف الزفاف وتأثيث الشقة لما استطعت أبدًا التفكير في الارتباط في سن مبكرة، ففي السعودية تكاليف الزفاف فقط مشكلة كبيرة، حيث باتت الشكليات والمظاهر أهم ما يحدد سمات هذه الليلة: مكان إقامته، وضيافته، والمطربة التي ستحيي الليلة، وبوفيه العشاء وما يقدم فيه".

أضاف أن الزفاف في كثير من الدول العربية أكثر بساطة وأقل تكلفة من السعودية، قائلًا: "أتذكر أني حضرت زواج أحد أصدقائي في مصر، وكان في قمة الروعة، وبتكلفة معقولة جدًا".

انتقى محمود إحدى القاعات الفندقية لإقامة حفل زفافه لما عرف عنها من فخامة، وتقديم راقٍ لضيوف الحفل، خصوصًا أن قاعات الفنادق توفر المباشرة المتوالية خلال ساعات الزفاف من عصائر وقهوة وشاي وغيرها، إضافة إلى المقبلات التي تقدّم على مدار الساعة، والتي تتكفل بها إحدى سيدات العائلة.

الزفاف في الأردن

من جانبه، تحدث المهندس لؤي الفرا، المقيم في السعودية، عن تحديد موعد زفافه في الأردن على الرغم من أن أفراد عائلته وعائلة العروس مقيمون جميعًا في السعودية. فقد قرر اتباع هذا النهج للميزات التي يحصل عليها هناك وبتكلفة تكاد تكون معقولة. قال لـ"إيلاف": "ولدت وترعرعت في السعودية واخترت عروسي أيضًا من السعودية، لكن عندما قمنا بالاتفاق على أمور الزواج قررنا معًا أن تكون حفلة العرس في الأردن، ففي أثناء دراستي الجامعية هناك استطعت أن أحدد التكلفة التي يمكن أن يقام بها زواج جميل. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تتجه إلى إحدى صالات الأفراح ذات التكلفة المتوسطة وتتعاقد مع منظم احتفالات يستطيع أن يخلق من هذه القاعة شيئًا ممتازًا، ويتعاقد مع شركات لتقديم ضيافة رائعة، وبوفيه عشاء جيد جدًا... كل ذلك بتكلفة أستطيع تحملها".

لم يكن من العروس التي وجدتها فرصة للتعرف على عمان أي مانع في ذلك، بل قررا قضاء شهر العسل في أحد منتجعات البحر الميت، فلم تتجاوز كلفة الزفاف 50 ألف ريال سعودي، إضافة إلى أنهما استطاعا أن يقيما زفة كبيرة في شوارع عمان، صوّرها مصور محترف ليخلدها ذكرى لا تنسى.

آراء متضاربة

في هذا الصدد، أوضح مصمم الحفلات والمناسبات خالد الشرهان أن الاتجاه نحو دول الخليج للاحتفال بالزواج يُعد ظاهرة جديدة تشهد نموًا مطردًا، وربما يصبح مستقبلًا خيارًا رئيسًا للأسر السعودية، حاله كحال السفر إلى الخارج بحثًا عن الأنشطة الترفيهية والفعاليات المتجددة التي يخلو منها العديد من مناطق المملكة.

أشار الشرهان إلى أن الفنادق في دول الخليج تقدّم لزبائنها خيارات متعددة لا توفرها الفنادق في المملكة، منها إقامة الاحتفال في أماكن مغلقة أو في الهواء الطلق، إضافة إلى مرونتها واستجابتها لرغبات الأسر من دون قيود، خلافًا للفنادق السعودية التي تلزم الأسر بطريقة محددة للاحتفال، ولا تفسح لهم المجال للابتكار والإبداع.

قال الشرهان لـ"إيلاف": "تكلفة إقامة حفل الزواج لا يُنظر إليها من حيث المبلغ المدفوع فحسب، إنما تقاس بالموازنة بين ما يتم دفعه وبين الخدمات المقدّمة، لذلك ربما تدفع الأسرة مثلًا 20 ألف ريال لأحد الفنادق بينما الخدمة لا تستحق نصف هذا المبلغ، وفندق آخر يتقاضى 50 ألف ريال ويقدّم فعلًا ما يوازي هذه القيمة، لذلك ربما يكلف الحفل في الفنادق الخليجيّة مبالغ مساوية أو أعلى من الفنادق بالمملكة لكنها في المقابل توفر كافة التجهيزات التي تنسجم مع المبلغ المدفوع".

وختم قائلًا: "لا بد من أن تدق هجرة حفلات الزواج إلى الخارج ناقوس الخطر عند قاعات الأفراح بالمملكة، وأمامها خياران: خفض التكلفة مع الحفاظ على نوعية الخدمة الحالية، أو البقاء على الأسعار كما هي بشرط توفير إمكانات وخيارات أكثر للزبائن، وإعادة تأهيل الأماكن وإضفاء طابع جماليّ حديث على القاعات، وعليها أن تدرك أن قطاع الحفلات من القطاعات النامية والمتطورة بشكل سنويّ، ومن الضروري مواكبة ذلك التطور كيلا تضطر الأسر السعودية إلى نقل احتفالاتها إلى دول مجاورة".

السفر تكلفة مضاعفة

من جانب آخر، كان رأي حاتم القرشي، رئيس مجلس إدارة شركة ريفان لتنظيم الحفلات، مختلفًا. قال: "طالما وصفت ليلة الزفاف بليلة العمر لأسباب عديدة، اهمها أن العريس والعروس يبدأ كل منهما حياةً جديدة، لذا تحتل هذه الليلة مكانة هامة ضمن قاموس الذكريات، فيبذل كل منهما وأهله مجهودًا كبيرًا في الاستعدادات: مستلزمات الزفاف، تحديد المكان الملائم، اختيار بطاقات الدعوة، إلى آخره من التحضيرات المتعارف عليها.

من هنا نتحدث عن تجهيزات ليلة الزواج، والتي تختلف بحسب امكانيات الشاب، وبالتالي كل حفل يختلف في تكلفته عن الآخر، ولو تحدثنا عن اتجاه الشباب إلى دول الخليج أو الدول المجاورة بسبب ارتفاع التكلفة فاعتقد أن هذا غير صحيح جملة وتفصيلًا، لأن تكلفة الزواج في دول الخليج عادة ما تكون أكثر ارتفاعًا من السعودية".

وأشار في حديثه لـ "إيلاف" إلى أن التكلفة متفاوتة في السعودية إلا انها تبقى أقل من دول الخليج: "من خبرتي في هذا المجال، تختلف تكلفة حفل الزفاف في السعودية من عائلة إلى أخرى، ومن مدينة إلى مدينة، حيث أن تكلفة الزفاف في إحدى قاعات الفنادق ذات الخمس نجوم بالتأكيد ستكون مرتفعة جدًا عنها في فندق أقل من حيث الفخامة والرفاهية، ومختلفة في حال استئجار قاعة أفراح أو استراحة كما شاع أخيرًا، خصوصًا في حفل الرجال، وفي مقدور العريس أن لا تتجاوز تكاليف ليلة زفافه 50 ألف ريال، بينما تصل تكلفة ليلة شاب آخر إلى 500 ألف".

أهم المتطلبات

وبحسب القرشي، متطلبات الزواج الناجح في السعودية هي: مكان الحفل، والشركة المنظمة التي تعمل على التعهد بترتيب وتنظيم الكوشة وزينة الطاولات والضيافة المقدمة والجو الموسيقي، خصوصًا في حال كان الزواج في احدى الصالات ولم تكن في قاعة فندقية. قال: "بعض العائلات يتعاقد مع منظمي الأفراح لترتيب عمل الكوشة وزينة الطاولات فحسب، وبعض آخر يطلب التكفل بكل مراحل الزفاف، بما فيها الضيافة، يتم كل شيء بالاتفاق مع العريس والعروس خصوصًا من ناحية نوعية الضيافة، وفخامتها".

ينصح القرشي المقبلين على الزواج أن يقام الزفاف في الصالات الخارجية مستبعدًا الفنادق وغلاء أسعارها لأن منظم الحفلات يستطيع من خلال خبرته وتصوراته أن يغيّر شكل الصالة ويجعلها كما تتمنى كل عروس وعريس.

وعن إقامة الزواج خارج السعودية، قال: "لا اعتقد أن التكلفة أقل بتاتًا، خصوصًا أن تكاليف السفر بحد ذاتها مشكلة من حيث التنقل وتكلفة التذاكر والمعيشة وخلافه".

متوسط تكلفة الزواج

بحسب القرشي، متوسط قاعة فندقية أربع نجوم وخمس نجوم يختلف باختلاف درجة بوفيه المقدم للعشاء، إلا أنها تتراوح بين 30 و 70 ألف ريال؛ متوسط القاعة غير التابعة لفندق 25 إلى 35 ألف ريال؛ تصل تكلفة كوشة الأفراح إلى 10 آلاف ريال؛ يصل متوسط سعر الضيافة إلى 25 ألف ريال؛ متوسط أجر منظم الموسيقى (دي جاي) 5 آلاف ريال؛ متوسط أجر المطربة (عادة متبعة في السعودية ودول الخليج ونادرًا الاستعانة بالدي جي) 10 آلاف ريال؛ متوسط زينة الطاولة الواحدة 150 ريالاً.

ومن المتعارف عليه أن يتحمل العريس كل تكلفة الزواج في السعودية، إلا أن العائلات باتت تتفق على المشاركة، بحيث يتحمل كل طرف نصف التكلفة، أو أن تكون القاعة على العريس فيما تكون الضيافة والمطربة على العروس، وهكذا.

جهود رسمية

بدأت جهات رسمية سعودية تحركات جادة لحل أزمة تأخر الشباب في الزواج، خصوصًا أن نسبة العنوسة وصلت إلى معدلات قياسية قدرت بمليوني امرأة. فتوجهت الحكومة إلى تحديد مهور السعوديات بما لا يتجاوز 50 ألف ريال لمن لم يسبق لها الزواج (13 ألف دولار)، فيما قدر المهر لمن سبق لها الإرتباط بـ 30 ألف ريال فقط (9.7 آلاف دولار).

سجلت السعودية الرقم القياسي في تكاليف الأعراس التي تعدت 15 مليار ريال سنويًا، بحسب ما صرحت به رئيسة اللجنة المنظمة للمعرض السعودي الدولي للأعراس إيمان عادل عبد الشكور، حيث يتكلف العرس الواحد ما لا يقل عن 100 ألف ريال في أفضل الأحوال، على الرغم من أنه في معظم الحالات، تقدم هذه القيمة لقاعات الاحتفالات والزفاف فقط، لتلحقها تكلفة صبابي القهوة، والفرقة الموسيقية التي لا يقل أجرها عن 11 ألف ريال للمبتدئين، بينما تصل أجور بعض "الطقاقات" المشهورات إلى نحو 100 ألف ريال وأكثر، وهي أرقام قريبة مما يتقاضاه نجوم الغناء العربي. كما تعتبر الذبائح في الأعراس السعودية باهظة الثمن، حيث تصل قيمة الذبيحة إلى ما لا يقل عن 1000 ريال، أما تكاليف زينة العروس فلا تقل عن 5 آلاف ريال ولا يقل سعر فستانها عن 20 ألف ريال.


&