حتى وقت قريب لم يكن أغلب البرازيليين ليتعرفوا على ميشيل تامر إذا عرضت عليهم صورة نائب الرئيس. ولكن أستاذ القانون البالغ من العمر 75 عاما، الذي أدى اليمين الدستورية رئيسا للبرازيل، لعب دورا رئيسيا في إجراءات عزل الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف. وبمقتضى الدستور البرازيلي كان تامر قد تولى منصب القائم بأعمال الرئاسة بعد تصويت مجلس الشيوخ على بدء محاكمة روسيف ووقفها عن العمل. ويعد تامر سياسيا حصيفا يتخذ دائما موقفا وسطا من كل شيء مهم، ولم يدخل حتى وقت قريب دائرة الضوء. ولكنه خرج مؤخرا من الظل كسياسي بارع معتزما إنهاء رئاسة روسيف وبداية عصر جديد في البرازيل. وكانت أكبر إنجازاته كسياسي نجاحه في دفع أكبر الأحزاب في البلاد وهو حزب الحركة الديمقراطية PMDB في تشكيل ائتلافات مع كل الرؤساء في العقدين الماضيين. وهو حاليا رئيس الحزب. وكان يترأس مجلس النواب في الكونغرس البرازيلي خلال سنوات حكومة فرناندو هنريك كاردوسو (1995-2002) عندما أطلقت البرازيل برنامج خصخصة وانفتاح اقتصادي. وخلال حكم لويز إناسيو لولا دا سيلفا (2002-2010 والذي عرف باسم لولا) لعبت روسيف دورا رئيسيا في المساعدة في دفع أجندة حزب العمال المتعلقة بالاستثمارات التي تقودها الدولة. ولكنه مثل حزبه الذي لم يتولى السلطة وحده منذ أكثر من عقدين، كان تامر دائما صانعا للملوك إلا أنه لم يكن أبدا الملك. فكل من الحزب والرجل تجنبا اتخاذ مواقف أيديولوجية واضحة، مما ترك لهما مساحة مريحة للتفاوض حول مشاركتهما في ائتلافات أيا كان لونها السياسي. وفيما ازدادت الأزمة السياسية في البلاد سوءا وتحمل حزب العمال التابع لروسيف مسؤولية أغلب الفضائح في البلاد، وجد حزب الحركة الديمقراطية الفرصة ليستولي أخيرا على السلطة في البلاد. وظل تامر بعيدا عن الأضواء أغلب العام الماضي مع تدهور موقف روسيف. ولكن في ديسمبر/كانون أول الماضي بدأت الأمور في التغير. ففي ذلك الوقت، بدأ إدواردو كونها رئيس مجلس النواب ، وهو أيضا من حزب الحركة الديمقراطية، إجراءات عقابية ضد الرئيسة روسيف للزعم بتلاعبها في مخصصات مالية عامة، وهي المزاعم التي نفتها. وبعد ذلك بأيام قليلة تسربت للصحافة رسالة شديدة اللهجة من تامر لروسيف يشكو فيها من تجاهله في اتخاذ القرارات المهمة في الائتلاف. وفي مارس/آذار، انسحب حزب الحركة الديمقراطية رسميا من الائتلاف. وفي إبريل / نيسان الماضي، خرجت أخيرا المعركة بين تامر وروسيف على منصب الرئاسة إلى العلن. فقد أرسل تامر عبر تطبيق واتس آب لعدد قليل من النواب مسودة خطاب أعده في حالة فقد روسيف المنصب في التصويت الذي أجراه مجلس النواب في 17 إبريل / نيسان الماضي. وفيه حدد حاجة البرازيل إلى "حكومة تنقذ البلاد". وقال تامر إن الرسالة بعثت بالخطأ، ولكن روسيف اتهمته بأنه بعثها عمدا. وفيما بعد اتهمت روسيف تامر وكونها بأنهما "رئيس ونائب رئيس الانقلاب" ضدها. ونفى الرجلان تآمرهما للاستيلاء على أكبر منصب في البلاد. وفي الأيام التي سبقت تصويت 17 إبريل / نيسان، التقى تامر وروسيف بعشرات النواب وأجريا مفاوضات شاقة حول مناصب ووعود مقابل التصويت. فما الذي يتوقعه البرازيليون الآن؟. وفي أكتوبر/تشرين أول 2015، أطلق حزب الحركة الديمقراطية بيانا دعاه "جسر للمستقبل" حدد فيه السياسات التي سيدافع عنها في الائتلاف. وأغلب هذه السياسات لها شعبية لدى قطاعات الأعمال والمستثمرين وتذهب أبعد نحو إعادة التوازن لميزانية البرازيل أكثر مما فعلته روسيف حتى الآن، مثل تحديد سن للتقاعد المبكر، وتغيير نطاق البرامج الاجتماعية، وفتح قطاع النفط ، وجعل قوانين العمل أكثر مرونة، وتقليص الانفقاق الإجباري على الصحة والتعليم. ومع ذلك، من المرجح أن تواجه هذه السياسات الكثير من المقاومة. وتقول الاقتصادية لورا كارفالهو من جامعة يو إس بي :" هل هذه هي نوعية البرامج التي يجب على حكومة انتخبها الناس إقرارها وسط هذه الأزمة الكبيرة، إنهم سيحاولون دفع البرنامج الذي سيواجه مقاومة كبيرة من الحركات الاجتماعية ونقابات العمال". أشار تامر إلى أنه سيتواصل مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي المعارض لتأمين أغلبية في الكونغرس، ولكن ذلك أمر يصعب ابتلاعه حيث رفض غالبية البرازيليون الحزب في انتخابات عام 2014. وهناك أيضا تساؤلات كثيرة حول كيفية تعامل تامر مع تحقيقات الفساد التي تنال عددا من قيادات حزبه البارزين مثل رئيس مجلس الشيوخ رينان كالهيروس ورئيس مجلس النواب السابق كونها. وكان قد تم وقف كونها عن العمل في وقت سابق من الشهر الجاري وسط مزاعم عن محاولته إعاقة تحقيق بالفساد ضده. وحتى الآن نأت روسيف بنفسها عن التدخل في تحقيقات الشرطة الفيدرالية والقضاء في مزاعم فساد بشركة نفط بيتروبراس حتى عندما أصابت الفضيحة حزبها بخسائر جسيمة. فهل يفعل تامر الشيء ذاته؟ إنه لا يخضع لتحقيقات مباشرة، ولكن يزعم أن حليفه القوي كونها، الذي قاد الإجراءات العقابية التي صبت في مصلحة تامر في النهاية، يحتفظ بملايين الدولارات في حسابات ببنك سويسري. وهناك غضب عام ضد كونها لذلك يتعرض تامر لضغوط كي ينأى بنفسه عنه ويترك التحقيق مستقلا. وفي مناسبات عديدة خلال الأزمة الحالية شددت روسيف على أن 54.5 مليون ناخب برازيلي منحوها أصواتهم عام 2014 ، وبالتالي فإنها تتمتع بشرعية حكم البلاد. وكنائب للرئيس تلقى تامر نفس الأصوات بشكل غير مباشر. وهو الآن يقود البلاد كلها، حتى أولئك الذين كانوا حتى أسابيع قليلة لا يعرفون من هو.معركة مفتوحة
حسابات في بنوك سويسرا
- آخر تحديث :
التعليقات