إيلاف من جنيف: تتحدد اللامساواة على أساس الجنس بصفة خاصة في الحروب والنزاعات التي تنال بشدة من حق المرأة في التنمية المستدامة. وعلى الرغم من أن المرأة توفر خدمة غير مدفوعة الأجر في أزمنة السلام مثل البحث عن الماء، وتحضير الطعام، وحفظ الطاقة، فإن اللامساواة تزداد حدة خلال النزاعات بسبب تدمير البنية التحتية لحفظ السلام في أحيان كثيرة. 

مساواة وتنمية وسلام

إلى جانب تفاقم العنف الذي تتعرض له المرأة خلال الحرب، تخلق آثار النزاع والعسكرة على المدى البعيد ثقافة عنف تضع المرأة في موقف ضعيف بصفة خاصة بعد الحرب، لأن مؤسسات الحكم والقانون تكون ضعيفة، ويكون التشظي الاجتماعي واسعًا. وخلص المؤتمر العالمي الرابع للمرأة والعمل من أجل المساواة والتنمية والسلام الذي عقدته الأمم المتحدة في بكين بالصين في عام 1995 إلى أن الحفاظ على السلام والأمن يتسم بأهمية حاسمة لحماية الحقوق الانسانية للنساء والفتيات والأطفال، إلى جانب القضاء على جميع أشكال العنف ضدهم، واستخدامهم سلاحًا في الحرب. 

كثيرًا ما ينبع الاهتمام بإشراك النساء والفتيات في عمليات السلام من خبراتهن في النزاعات المسلحة، سواء كضحايا بالدرجة الرئيسية أو كمشاركات في حمل السلاح. وهن يدركن إمكانات التغيير والاصلاح في فترات صنع السلام. وكما اشار برنامج عمل بكين، فإن "طفلة اليوم هي امرأة الغد، ومهارات الطفلة وافكارها وطاقتها ضرورية بشكل حيوي لتحقيق أهداف المساواة والتنمية والسلام بصورة كاملة". 

 

لقراءة النص باللغة الانكليزية
Women as peace-builders

 

تملك النساء فرصة فريدة للانتظام في حركات السلام من أجل التركيز على خبرات اجتماعية مشتركة. ويواجهن حواجز مشتركة تقوم على النسبية الثقافية، فيعمدن إلى إقامة شبكات تضامنية قادرة على عبور حدود غير مرئية. وتقول وثيقة استراتيجيات نيروبي التطلعية من أجل المساواة والتنمية والسلام لعام 1985 أن المرأة يجب أن تُدمج إدماجًا كاملًا بعملية التنمية من اجل تعزيز السلام والأمن في العالم. وهكذا، يساهم تحقيق المساواة في حقوق المرأة على كل المستويات، وفي سائر نواحي الحياة، في إقامة سلام عادل ودائم. 

منظور جندري

كان ميثاق الأمم المتحدة أول وثيقة عالمية تعترف بحقوق المرأة المتساوية مع حقوق الرجل وأعطت دفعة لتوفير الإطار القانوني لهذه الحقوق في المعاهدات الدولية لحقوق الانسان والقوانين الوطنية. ويستتبع على ذلك ضرورة إقامة شراكة جديدة أساسها المساواة بين المرأة والرجل شرطًا لتحقيق تنمية مستدامة محورها البشر وإحلال السلام في العالم. 

ما زالت أكبر عقبة في طريق السلام العالمي تتمثل باللامساواة المستمرة في المواقف الذهنية والسلوكيات التي تكرس فكرة القوة التي تحرم الآخرين من التمتع بحقوقهم الانسانية الأساسية والكرامة الانسانية. وبناء على ذلك، فإن المساواة بين المرأة والرجل مسألة تتعلق بحقوق الانسان وشرط للعدالة الاجتماعية وهي أيضًا من المستلزمات الضرورية والأساسية للمساواة والتنمية والسلام. وتشدد اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في توطئتها على "أن رفاهية العالم وقضية السلم تتطلب مشاركة المرأة على قدم المساواة مع الرجل مشاركة قصوى في جميع الميادين". 

أثارت حركات السلام النسائية قضايا كبرى في شأن الحرب في أنحاء العالم، ولا سيما في وقت تتزايد فيه الحروب والنزاعات. ولا شك في أن حركات السلام هذه كانت قادرة على تحقيق إنجازات كبيرة وتاريخية في التأثير على الرأي العام. وعلى سبيل المثال، أعلنت قرارات مجلس الأمن 1325 (في عام 2000) و1820 (في عام 2008) و1888 و1889 في شأن المرأة والسلام والأمن أن إدخال منظور جندري في مفاوضات السلام هو ثمرة واضحة لهذه الحركات.

الجندر استراتيجية عالمية

يغطي قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1325 طيفًا واسعًا من أشكال العنف ضد النساء والفتيات في النزاعات، ويلاحظ بصفة خاصة "تعبير المجلس عن القلق من أن المدنيين وخاصة النساء والأطفال يشكلون الأغلبية العظمى للمتضررين بالنزاعات المسلحة، بما في ذلك بوصفهم لاجئين ومهجرين في الداخل، واستهدافهم بصورة متزايدة من جانب المقاتلين والعناصر المسلحة، ويدرك التأثير الذي يمارسه ذلك لاحقًا على السلام الدائم والمصالحة، ويؤكد مجددًا اهمية دور المرأة في منع النزاعات وحلها وفي بناء السلام، ويشدد على أهمية مشاركتها المتساوية ومساهمتها الكاملة في جميع الجهود الرامية إلى الحفاظ على السلام والأمن وتدعيمهما، وضرورة زيادة دورها في صنع القرارات المتعلقة بمنع النزاعات وحلها، ويؤكد مجددًا الحاجة إلى التنفيذ الكامل للقانون الانساني الدولي وحقوق الانسان الذي يحمي حقوق النساء والفتيات خلال النزاعات وبعدها". 

اعترف قرار المجلس هذا بجعل الجندر تيارًا رئيسيًا كاستراتيجية عالمية كبرى من أجل تشجيع المساواة بين الجنسين من خلال الاشارة إلى "أن على جميع المشاركين في التخطيط لنزع السلاح وتسريح المسلحين وإعادة دمجهم بالمجتمع أن يراعوا الحاجة المختلفة للمقاتلات والمقاتلين السابقين". 

ركنا السلام

خلصت المحصلة النهائية للمؤتمر الدولي حول العلاقة بين نزع السلاح والتنمية في عام 1987 إلى أن السلام والأمن الحقيقيين والدائمين في هذه العالم ذي الاعتماد المتبادل يتطلبان تحقيق تقدم سريع في نزع السلاح والتنمية على السواء، لأنهما الأشد إلحاحًا بين التحديات التي تواجه العالم اليوم، وهما الركنان اللذان يجب أن يُبنى عليهما السلام والأمن في العالم. ونتيجة لتزايد الاعتماد المتبادل والترابط بين الأمم والقضايا العالمية، فإن التعددية في العمل توفر الإطار الدولي الذي يجب أن تتشكل فيه العلاقة بين نزع السلاح والتنمية والأمن. 

كما أشار مكتب شؤون نزع السلاح في عام 2008، فانه على الرغم من أن العلاقة بين الجندر ونزع السلاح ليست علاقة ظاهرة على الفور، لكن جعل الجندر تيارًا رئيسيًا يمثل مقاربة مختلفة في التعاطي مع قضايا الأمن ونزع السلاح وحظر الانتشار ومراقبة التسلح، المعقدة تقليديًا والحساسة سياسيًا.

وجاء في اعلان وبرنامج عمل بكين أن مشاركة المرأة الكاملة في صنع القرار ومنع النزاعات وحلها وفي أي مبادرة سلام أخرى ضرورية لتحقيق سلام دائم (الفقرة 22). 

لإقامة سلام دائم، يجب أن يكون حق التمتع بأعلى مستويات الصحة البدنية والعقلية والروحية حقًا مركزيًا لبناء واستدامة قدرات يحتاجها الفقراء للافلات من آفة الفقر. وكما أكد مستر بول هانت، المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة في شأن الحق في أعلى مستويات الصحة الممكنة، في عام 2003، فإن اعتلال الصحة يدمر مصادر الرزق ويخفض انتاجية العامل ويقلل منجزات التعليم ويحدد الفرص ويقلل التنمية البشرية. ومن الحقوق الأساسية التي يجب أن تُحترم، لا في أزمنة السلام فحسب، بل في ازمنة الحرب أيضًا، حق الحد الأدنى من مستوى المعيشة، بما في ذلك إمكانية الحصول بصورة منتظمة ودائمة وغير محدودة، مباشرةً أو بوسائل المشتريات المالية، على تموينات غذائية وافية وكافية، نوعًا وكمًا. 

وعي العالم

يولي قانون حقوق الانسان الدولي الشرائح الضعيفة المهمشة والفئات الأقلية التي تعيش في فقر مدقع اهتمامه على الأخص. فالزيادة بمتوالية هندسية في البغاء والاتجار بالنساء والأطفال انعكاس ملموس لتفشي الفقر.

كما يرتبط الأمن بتشريعات دولية ووطنية تحرُّم العنف وتعاقبه، ولا سيما ضد النساء والفتيات، وتحارب الاتجار بالنساء والأطفال واستغلالهم جنسيًا. ويجب أن يكون الأشد فقرًا، ولاسيما النساء والأطفال وكبار السن والمعاقون، الأهداف الرئيسية لاستراتيجيات مكافحة الفقر. وللنجاح في هذه الاستراتيجيات يجب احترام حق الطفل في الغذاء لمكافحة الجوع وضمان السلام. وكما تبين دراسات تجريبية كثيرة، فإن تمتع المرأة الكامل بجميع حقوق الانسان ومشاركتها الكاملة شرط لازم لتحقيق السلام بصورة كاملة، وله تأثير بالغ في تمتع المجتمع عمومًا بهذه الحقوق. 

خلص مؤتمر السلام العالمي الذي عُقد في لاهاي في عام 1899 إلى أن السلام يجد جذوره في "وعي العالم". والذين يعيشون في فقر مدقع، ولا سيما نساء الريف الفقيرات، يفهمون أفضل منا ما تكلفه الحروب ومن المستفيد منها في نهاية المطاف. ولذلك، يكونون في موقع يتيح لهم المطالبة بإعادة ترتيب أولويات العالم وإعادة توزيع موارده.

*ترجمة عبد الاله مجيد