أسس اللقاء بين ولي ولي العهد السعودي والرئيس الأميركي مدماكًا جديدًا في العلاقات التاريخية بين البلدين، وتركت انطباعًا بالغ الأثر عن دور محمد بن سلمان وشخصيته وطريقة تفكيره.&

إيلاف من واشنطن: كانت زيارة الأمير محمد بن سلمان لواشنطن زيارة تاريخية بكل المقاييس، حيث استقبله الرئيس ترامب وأقوى رجال البيت الأبيض: نائب الرئيس مايك بنس وصهر الرئيس ومستشاره الكبير جاريد كوشنر والجنرال هربرت ماكماستر مستشار الأمن القومي ورئيس موظفي البيت الأبيض راينس بريباس وكبير مخططي الرئيس الاستراتيجيين ستيف بانون الذي قام بدور كبير في انتخاب ترامب. ونظر هؤلاء الى الأمير محمد بن سلمان على انه دينامي حيوي، والأهم من ذلك، سعيه الدؤوب لتحديث بلاده.

نتيجة لهذه الزيارة، من المتوقع ان تستـأنف الولايات المتحدة بيع منظومات لتوجيه الأعتدة بدقة عالية، التي علق اوباما بيعها في ديسمبر. كما يمكن ان تؤدي الى تعديل قانون "جاستا" الذي يجيز للاميركيين ملاحقة حكومات أجنبية قضائيًا بشأن اعمال ارهابية، والقانون يهم السعودية بصفة خاصة، كونه يعرضها لدعاوى قانونية من عائلات ضحايا هجمات 11 ديسمبر.

بعد ان تولى ترامب الرئاسة، جرى تنبيهه إلى أهمية المملكة الاستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة من حيث قوتها الاقتصادية والنفطية وقواعدها العسكرية الضخمة، وحقيقة ان اكثر من مليوني اميركي يتوجهون الى العمل كل يوم بسبب الواردات السعودية. &

دور فريد

يدرك ترامب وادارته الآن ان الاقتصاد العالمي يعتمد على بقاء اسعار النفط معقولة، وعلى دور السعودية الفريد في الحفاظ على استقرارها. فحدوث زيادة كبيرة في اسعار النفط سيؤثر سلبًا على الصين واليابان وكوريا الجنوبية واوروبا، وان هذا بدوره سيؤثر على الاقتصاد الاميركي وفرص العمل، لأن هذه البلدان تجسّد الشراكة التجارية الأساسية للولايات المتحدة، وأكبر المستثمرين فيها ايضاً. &

يدرك ترامب أيضًا أن دور السعودية في مكافحة الارهاب هو دور حيوي لأمن الخليج واوروبا والولايات المتحدة. وتنظر أميركا الى المملكة الآن على انها قوة استقرار في المنطقة، وأن أي رغبة لدى ترامب لحل القضايا الشائكة في سوريا والعراق ولبنان واليمن والقضية الفلسطينية، يجب ان تمر بعلاقة قوية مع السعوديين. &

محللون في الإدارة الأميركية أكدوا أن قادة السعودية هم الذين يحترمهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس أكثر من سواهم ويستمع اليهم، وذلك نظرًا لما قدمته السعودية من عون للسلطة الوطنية الفلسطينية. كما ان من المهم ان نلاحظ ان اثنين من اركان الادارة الأساسيين، وهما وزير الدفاع جيمس ماتيس ووزير الخارجية ريكس تيلرسون، يدعوان بقوة الى اقامة علاقة متينة بين المملكة والولايات المتحدة.

بالنسبة لترامب، فإن المهم في الاجتماع هو تصميم الأمير محمد بن نايف على العمل مع الولايات المتحدة في محاربة تنظيم داعش وتنظيم القاعدة في اليمن. والأهم عند ترامب هو رغبة السعودية بالاستثمار في الاقتصاد الاميركي، وهي رغبة تتسم بأهمية بالغة بالنسبة لترامب، لا سيما وأنه يخوض حملة لتوفير مزيد من فرص العمل، ونجاح ترامب او فشله يعتمد أولًا على الازدهار وتوفير هذه الفرص، بالاضافة الى تعزيز أمن اميركاـ وهو يحتاج الى تعاون مع السعودية لتحقيق ذلك، وإذا انتهى به المآل محققًا هذه الأهداف، فلا شك في ان شعبيته ستبقى قوية، وبالتالي فإن فرص إعادة انتخابه في عام 2020 ستتعزز.

شخصية مؤثرة

المملكة العربية السعودية، بمفردات نفوذها واهميتها للاقتصاد الاميركي وأمن الولايات المتحدة، هي من بين أهم الشركاء الاقتصاديين والعسكريين، الى جانب دول مثل اليابان والمانيا وفرنسا وكندا واستراليا. واجمالا فان زيارة الأمير محمد أزالت الانطباع السلبي الذي تركه ترامب وكبار مستشاريه، لا سيما ستيف بانون ومجموعات عديدة أخرى خلال حملته الرئاسية، واعادت العلاقة الطيبة بين البلدين. ويبدو ان اللقاء ترك أثرًا ايجابيًا على ستيف بانون، الذي كان يضمر عداءً كبيرًا للمسلمين.&

أبدى الأمير محمد بن سلمان فهمًا عميقًا لقضايا المنطقة من سوريا الى العراق الى اليمن الى ايران وفلسطين، كما انه نقل لمحاوريه معرفة عميقة بالقضايا الاقتصادية التي تواجه المملكة وضرورة توفير فرص العمل. &

كانت لشخصية الأمير ومعرفته أبلغ الأثر في تفكير الذين التقاهم من كبار صانعي القرار بشأن القضايا الكبرى للسياسة الداخلية والخارجية. وستكون الزيارة في النهاية زيارة تاريخية ومشهودة كاللقاء بين الملك عبد العزيز والرئيس فرانكلين دي. روزفلت على متن المدمرة كوينسي في عام 1945، &الذي اسفر عن تعزيز العلاقة الاميركية - السعودية.

أعاد اللقاء إذن اللحمة إلى العلاقة الاميركية – السعودية، وسيكون التقدم الى الأمام أقوى وأنجع من السابق، وسيكون هناك مزيد من المشاورات بشأن التحديات في المنطقة. وهذا ضروري ومطلوب جدًا، لا سيما في الوقت الراهن وفي المدى المنظور.
&