خاص بإيلاف - باريس: بعد 15 عاماً من التخطيط والمفاوضات والبناء، سيتم قريباً افتتاح مركز حكومي دولي للبحوث العلميّة الاستشرافيّة في الأردن وذلك بتاريخ 16 مايو.

من شأن الافتتاح الرسمي لمركز سيسامي (لاستخدام أشعة السنكروترون في مجال العلوم التجريبيّة وتطبيقاتها في الشرق الأوسط) أن يدفع بعجلة البحث العلمي بشكل ملحوظ في المنطقة. 

وتعدّ هذه الخطوة عملاقة نحو مستقبل الدبلوماسيّة في مجال العلوم، وتحقيق العديد من الآمال والأحلام التي تمت مشاركتها في شهر يونيو عام 1999 عندما التقى عدد من الشخصيات الرائدة في مقر اليونسكو لإطلاق أول مختبر أبحاث عالمي للشرق الأوسط.

على مدى العقدين الماضيين، جمع مركز سيسامي عدداً من الدول المتجاورة والمختلفة سياسيّاً وثقافيّاً وهي قبرص ومصر وإيران وإسرائيل والأردن وباكستان وفلسطين وتركيا بالإضافة إلى عدد من الدول المراقبة، ليعملوا جميعاً بيد واحدة بعيداً عن اختلافاتهم من أجل تقدّم العلوم. 

ويعود الفضل بنجاح مركز سيسامي إلى الحماس الذي يبديه موظفوه وأعضاؤه، بالإضافة إلى الدعم الذي يقدمه الديوان الملكي في الأردن، وحكومات كل من الأردن وإسرائيل وتركيا بالتمويل الإضافي اللازم، والدعم من ألمانيا التي قدّمت معهد أبحاث بيسي واحد في برلين، والوكالة الدولية للطاقة الذريّة، والاتحاد الأوروبي والمنظمة الأوروبية للبحوث النووية بالإضافة إلى إيطاليا وغيرها.

لا يعدّ مركز سيسامي تجسيداً مشجّعاً للرغبة في التعاون رغم الانقسامات وحسب، بل يجسّد كذلك مشروعاً علميّاً متطوّراً يهدف تنفيذه وتشغيله إلى بناء وتطوير القدرات التقنيّة والعلمية في المنطقة، وقد بدأ المركز بالفعل المساعدة في إيقاف هجرة العقول.

فبعد توجيه دعوة للعلماء لتقديم مقترحات مشاريع باستخدام السنكروترون، تم تقديم 55 مقترحاً خلال أسابيع قليلة ما يؤكد وجود جيل جديد من الباحثين المستعدين لانتهاز الفرص التي يقدمها المركز.

ولمن يهمه معرفة المزيد عن هذا المركز، يعد مركز سيسامي مركزاً ضوئياً من الجيل الثالث. وجدير بالذكر أنّ مصادر الضوء عبارة عن مصابيح عملاقة يصاحبها مجاهر قويّة. حيث تستخدم لدراسة خصائص المواد من الخلايا البشريّة حتى الذرات. وقد أصبحت هذه المصادر أدوات هامّة للبحث في مواضيع متنوّعة في الطب وعلم الأحياء، من خلال علوم المواد والفيزياء والكيمياء حتى الرعاية الصحيّة والبيئة وعلم الآثار.

غالباَ ما يقارن مركز سيسامي بالمنظمة الدولية للبحوث النوويّة، وهي منظمة مماثلة أنشئت سابقاً في أوروبا بفضل قرار صادر عن اليونسكو عام 1954. حيث أنشئت المنظمة الأوروبية للبحوث الدولية بعد الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الثانية للنهوض من جديد بالمستوى التنافسي لفيزياء الجسيمات في أوروبا، وتوحيد الدول الأوروبية حول منظمة أوروبية مشتركة. 

وتظهر تجربة سيزامي مع الدعم السياسي لليونسكو، والصبر والعمل الجاد – قدرة مجموعة من شباب المنطقة قليلي الخبرة على بناء مركز أبحاث عالمي. كما يعدّ هذا المركز المسارع الأول عالميّاً من حيث تشغيله فقط بالطاقة الشمسيّة، الزمن يتغيّر بالفعل.

ومن المهم مشاركة قصة مركز سيزامي مع العالم أجمع. ففي وقت يملؤه الاضطراب والانقسام، يأتي هذا المركز ليذكرنا بقوّة العلوم والمعرفة في توحيد الشعوب، الأمر الذي يعدّ أكثر أهميّة من أي وقت مضى.

ومع ازدياد عدد الأشخاص الذين يشككون بأهميّة التعدديّة، يوضّح سيزامي إلى أي مدى تعدّ حماية البراعم الخضراء لمثل هذه المشاريع حاسمة في ظل مظلّة دوليّة لمكافحة الاضطرابات والشكوك. عندما وضع مخطّط سيزامي، كان هناك إدراك بأنّ مثل هذا المركز لن يرى النور إلّا بمساعدة اليونسكو. حيث رعت اليونسكو هذا المشروع ولعبت دوراً محوريّاً لتحويله إلى واقع.

أما اليوم، تطوّر سيزامي ليصبح منظّمة مستقلّة. ولكنّه بحاجة إلى المزيد من الدعم والتمويل. كما أنّنا بحاجة أيضاً إلى البدء في التفكير بالمراكز العلميّة القادمة، بمنظّمات البحوث النووية والسيزامي المستقبليّة. ولهذا السبب، لا بدّ أن تتحدّ الدول الأعضاء في اليونسكو وتحذو حذو سيزامي.

* إيرينا بوكوفا، المديرة العامة لليونسكو

* البروفيسور السير كريستوفر ليولين سميث، رئيس المركز الدولي لاستخدام أشعة السنكروترون في مجال العلوم التجريبية وتطبيقاتها في الشرق الأوسط (سيزامي)