إيلاف، دبي: سألت "إيلاف" قارئها سؤالها الأسبوعي: هل تثق بتعهدات الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشأن السلام في الشرق الأوسط؟ أجاب 878 من أصل 1743 مشاركًا في الاستفتاء بـ"نعم"، اي نحو 51 في المئة، فيما أجاب 865 مشاركًا بـ"لا"، أي نحو 49 في المئة. تثير هذه النتيجة المتقاربة تساؤلات عن الجدوى الحقيقية لأي تعهد بحل صراع يدق باب عقده السابع.

فحين التقى ترمب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في واشنطن، أعرب له عن اعتقاده بوجود فرصة جيدة جدًا للتوصل إلى اتفاق سلام في الشرق الأوسط، قائلًا في مؤتمرهما الصحافي المشترك: "سنحقق هذا الأمر"، فأعاده عباس إلى مبادرة بيروت العربية التي تدعو إلى حل الدولتين على حدود ما قبل حرب 1967.

&

ترمب خلال اللقاء مع عباس

&

أي حل؟

إلا أن ترمب لا يخفي تردده في شأن حل الدولتين، وهو من قال في الماضي: "أبحث حل الدولتين وحل الدولة الواحدة، وأميل إلى ما يريده الطرفان"، من دون أن يخفي تأييده الكامل لإسرائيل، وتكلمه الكلام الإسرائيلي عن أن إرساء السلام لا يتحقق إلا بوقف التحريض على العنف، وتأييده مثلًا الضغوط على السلطة الفلسطينية لوقف المدفوعات لأسر الفلسطينيين السجناء والذين قتلوا في الحروب مع إسرائيل، لأنها تشجع الإرهاب. وهذا ما لا يشجع على الظن بأن النية الأميركية معقودة على إرساء أي سلام، إلا الذي تريده إسرائيل.

في 10 مايو الجاري، قالت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية إن ترمب يؤدي دور راعي السلام في الشرق الأوسط، مضيفةً: "يجب أن يحصل على فرصة لتحقيق سلام لم يحققه أسلافه من الرؤساء الأميركيين".

&

الرئيس الأميركي دونالد ترمب

&

وقال رابي إيريك، أحد كتاب الجريدة، إن الوقت حان لقول كلمة جيدة عن ترمب "الذي قرر المضي قدمًا نحو إبرام اتفاق بين الفلسطينيين والإسرائيليين على الرغم من تعارض ذلك مع رؤية الخبراء في شؤون الشرق الأوسط، وأنا لست من أنصار ترمب، وربما أختلف معه في كل شيء، لكنه أظهر جرأة تمنحه بعض الصدقية للدفع بالإسرائيليين والفلسطينيين نحو بناء ثقة متبادلة، على الرغم من أنهما أبعد ما يكونان الواحد عن الآخر، فما زالت حماس تتبنى موقفًا رافضًا في ظل ضعف موقف عباس، ومن الجهة الأخرى يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فضائح شخصية مع ضعف عزم حكومته المتشددة على التفاوض".

ضرورات المرحلة

لكن الشرق الأوسط بالنسبة إلى إدارة ترمب ليس الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي وحده، بل هو مجموع التشعبات التي نشأت عن هذا الصراع المزمن. فما يحصل الآن في مصر وسورية والأردن ولبنان والعراق من صعود للموجة الإسلامية الراديكالية، والثورات الشعبية على الأنظمة العربية، له جذور عميقة في هذا الصراع الذي استخدمه حكام البلدان العربية، وخصوصًا دول الطوق، لكبت الحريات، وتحويل كل الجهد الاقتصادي للمجهود الحربي "المفترض"، لتحقيق الانتصار أو التوازن الاستراتيجي أو غير ذلك من مسميات "ضرورات المرحلة".

هذا يفرض على ترمب خيارات عدة، في مقدمها تعاونه مع روسيا التي صارت الفاعل الأكبر على الساحة السورية، وهي الساحة الأساسية في الصراعات "القديمة" مع إسرائيل والمستجدة مع الإسلاميين. وهذا يمكن أن يؤدي إلى هزيمة داعش والقاعدة في ما يسمى "أرض الجهاد"، وبالتالي إنهاء فصل كبير من الحرب الأهلية السورية مع فرض تغييرات جذرية في النظام السوري إن بقي، أو في أي نظام جديد يحلّ محله، ليكون السلام مع إسرائيل في رأس أجندته، على الرغم من صعوبة ذلك مرحليًا بسبب العامل الإيراني الذي ما زال يتمتع ببعض النفوذ.&

خيارات أخرى

ثمة خيار آخر، وهو الخطة "ب" في حال لم يحصل التعاون مع الروس، فيدخل الشرق الأوسط مجددًا في فضاء تنافس القوى العظمى، ويعود الأمر إلى أيام الحرب الباردة، مع تبدل أسماء الوكلاء المحليين وعناوينهم وشعاراتهم، وربما هذا هو سبب مسارعة ترمب إلى ترميم علاقاته مع حلفاء أميركا التقليديين مثل مصر والسعودية وتركيا، وطبعًا إسرائيل. وبذلك، تؤجل القضية الفلسطينية مجددًا إلى أجل غير مسمى، وتُركن بجانب الأزمات المحلية الأخرى، مثل أزمات سورية ومصر ولبنان واليمن وليبيا.

لكن، من المراقبين من يضع في الحسبان سيناريو مختلفا، هو تخلي ترمب عن الشرق الأوسط كله لمن يشاء من الدول العظمى لتمارس فيه نفوذها، خصوصًا أنه يتمتع بنزعة انعزالية خير ما يمثلها وعده ببناء جدار الفصل مع المكسيك.

فهل يخطو ترمب على خطى سلفه باراك أوباما وينسحب من الشرق الأوسط؟ &إنها لحظة حرجة للجميع، إذ ستكون المنطقة في مهب الصراعات بين القوى الإقليمية وروسيا والجماعات الإرهابية التي ستشعر أنها انتصرت على الأقل على أحد أعدائها، وليس أمامها إلا استنزاف الآخر، روسيا، كما فعلت في أفغانستان.

&

خلال اللقاء مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو

&

أمن وأمان

في ظل هذه الخيارات المتاحة، من الطبيعي أن ينقسم المراقبون، كما العامة، بين واثق بتعهدات ترمب وبين من يرفض الوثوق بها، ما دام المعيار الأساس والرئيس هو القدرة على تقديم الأمن والأمان للإسرائيليين.&

من هذا المنطلق أيضًا، يعرف المراقبون إن تغييرات جذرية في الشرق الأوسط لن تحدث في المدى المنظور. فالمطلوب إسرائيليًا، قبل التفكير في إيجاد حل للصراع في الشرق الأوسط، إعادة تثبيت الاستقرار في دول "الطوق"، وخصوصًا في سورية، بعدما ضمن النظام السوري أمن حدودها أربعة عقود كاملة، فيما ساهم تردي الوضع هناك إلى وصول حزب الله، عدوها اللدود وشريك بشار الأسد في الحرب الأهلية، إلى حدود الجولان.

وما استمرار الشد الإقليمي والدولي في سورية، وفي مصر وليبيا واليمن، إلا تداعيات للصراع العربي الإسرائيلي، على هامش كل المبادرات والحلول المطروحة من الجانبين، وعلى هامش القرارات الأممية في هذا الإطار.&