«إيلاف» من القاهرة: تعرضت الحكومة المصرية لانتقادات شديدة، على خلفية إصدار قانون جديد ينظم عمل الجمعيات والمنظمات غير الحكومية، واعتبرت المنظمات المدنية أن القانون يضيق على عملها، ويحد من تحركات النشطاء، ووصفته بأنه "غير دستوري، ويتعارض مع المواثيق الدولية"، و"يصادر العمل الأهلي".

واتهمت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، وهي واحدة من أقدم المنظمات الحقوقية في مصر، القانون بأنه "يصادر العمل الأهلي".

وقالت المنظمة في تقرير لها عن القانون الذي صدق عليه الرئيس عبد الفتاح السيسي، ونشرته الجريدة الرسمية، غير دستوري، وأوضحت أن المادة الثالثة من القانون تنص على: "يشترط لإنشاء الجمعية أن يكون لها نظام أساسي مكتوب يتفق مع نموذج النظام الأساسي الذي تحدده اللائحة التنفيذية، وموقع عليه من جميع المؤسسين، وأن تتخذ لمركز إداريتها في جمهورية مصر العربية مقراً مستقلاً عن باقي الجمعيات أو الأشخاص الآخرين، وأن يكون ملائماً لممارسة نشاطها، وفي جميع الأحوال يجب أن يتضمن النظام الأساسي لكل جمعية النص على التزامها باحترام الدستور والقوانين وعدم الإخلال بالأمن القومي والنظام العام والآداب العامة ".

وأوضحت المنظمة في التقرير الذي تلقت "إيلاف" نسخة منه، أن المادة الثالثة من القانون "غير دستورية"؛ مشيرة إلى أن الأعضاء لهم مطلق الحرية في وضع النظام الأساسي الذي يريدونه بشرط أن يكون متفقا مع القانون.

ولفتت إلى أن المادة الثالثة أيضًا تقيد عمل النشطاء، وقالت إنها تنص على أن يكون للجمعية مقرا مستقرا، مشيرة إلى أنه أمر يدعو للتساؤل حول تفسير المقر المستقر وعدم وضع ضوابط تحكم هذا الأمر لأنه يترك الأمر للائحة التنفيذية التي يمكن أن تغل يد المؤسسين تحت حجة المقر المستقل. واعتبرت تلك المادة تمثل قيدًا على القائمين على الجمعية في حالة نقل مقر الجمعية من مكان لآخر.

وأضافت المنظمة في تقرير لها، أن المادة الرابعة تنص على أنه "يشترط في عضو الجمعية المؤسس أو عضو مجلس الإدارة أو مجلس الأمناء بحسب الأحوال أن يكون متمتعا بحقوقه المدنية والسياسية، ولم يصدر ضده حكم نهائي بعقوبة جنائية أو مقيدة للحرية في جنحة مخلة بالشرف والأمانة ما لم يكن قد رد إليه اعتباره” وهو الأمر الذي يجعل تشكيل الجمعية مرهون بالسجل الجنائي للعاملين بها".

تسجيل الجمعية

واعتبرت المنظمة أن اشتراط القانون رسومًا قدرها عشرة آلاف جنيه لتسجيل الجمعية، "رقم مبالغ فيه على الراغبين في العمل الأهلي والتطوعي وخدمة المجتمع ما يجعل تأسيس الجمعيات أمرا مكلفا للعديد من الفئات الاجتماعية".

كما انتقدت المنظمة في تقريرها المادة التاسعة من القانون، التي تنص على: "يسلم طالب تأسيس الجمعية إيصالا يدل على استلام إخطاره يبين فيه ساعة وتاريخ استلام الإخطار وشخص مستلمه، ولا يجوز الامتناع عن قبول أوراق الإخطار إلا إذا كانت غير مستوفاة للبيانات والمعلومات والمستندات المطلوبة"، معتبرة أنها "تفتح الباب أمام الجهة الإدارية لعدم استلام الأوراق بحجة أنها غير مستوفاة".

وأشارت المنظمة إلى أن هذا القانون يتعارض مع نصوص الدستور المصري الذي كفل الحق في التنظيم ومنها المادة 75 والتي نصت على أن "للمواطنين حق تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية على أساس ديمقراطي، وتكون لها الشخصية الاعتبارية بمجرد الإخطار. وتمارس نشاطها بحرية، ولا يجوز للجهات الإدارية التدخل في شؤونها، أو حلها أو حل مجالس إداراتها أو مجالس أمنائها إلا بحكم قضائي. ويحظر إنشاء أو استمرار جمعيات أو مؤسسات أهلية يكون نظامها أو نشاطها سرياً أو ذا طابع عسكري أو شبه عسكري، وذلك كله على النحو الذي ينظمه القانون"، كما يتعارض مع حقوق وحريات المواطنين والتي نص عليها الدستور في متن المادة 92 والتي تنص على أن "الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلاً ولا انتقاصًا. ولا يجوز لأي قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها".

وأوضحت أن هذا القانون يتعارض مع التزامات مصر الدولية ومنها المجلس الدولي لحقوق الإنسان ما يعني تعارضه مع نص المادة 93 من الدستور والتي تلزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تصدق عليها مصر، وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقاً للأوضاع المقررة.

المطالبة بإعادة تعديل القانون

وطالبت المنظمة الحكومة ومجلس النواب بإعادة تعديل هذا القانون، ووصفته بأنه "سيف مصلت على رقاب الجمعيات الأهلية والمجتمع المدني"، وسيؤدي إلى العصف بالحق في التنظيم ذلك الحق المكفول بموجب الدستور المصري والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان.

وقال حافظ أبو سعدة رئيس المنظمة، إن هذا القانون يتعارض جملة وتفصيلا مع الحق في التنظيم ذلك الحق المكفول بموجب الدستور والمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان، مشيرًا إلى أن القانون يتعارض مع التزامات الحكومة المصرية التي أخذتها على عاتقها أمام المجلس الدولي لحقوق الإنسان عام 2014 بإصلاح أوضاع المجتمع المدني في مصر.

وأضاف أبو سعدة لـ"إيلاف" أن القانون بشكله الحالي سيؤدي إلى انتهاك الحق في التنظيم فبدلا من أن تقدم الحكومة المصرية على وضع تشريع يعمل على تحسين العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني في مصر لاسيما بعد الهجمة الشرسة التي تتعرض لها منظمات المجتمع المدني في الفترة الأخيرة يأتي هذا القانون ليعصف بهذا الحق بشكل كامل.

وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أقر الإثنين الماضي، القانون الذي ينظم عمل المنظمات غير الحكومية في البلد. ويفرض القانون قيودا على عمل المنظمات غير الحكومية في مجال التنمية والنشاط الاجتماعي، ويفرض عقوبات بالسجن تصل إلى خمس سنوات في حال مخالفة القانون. ويحظر القانون على المنظمات غير الحكومية إجراء دراسات أو نشر نتائجها دون موافقة الدولة. كما ينص بند في القانون على إخضاع التمويل الأجنبي للمنظمات المحلية لإشراف السلطات. وأمهل القانون المنظمات سنة للالتزام به أو مواجهة خطر حلها من قبل المحكمة.