قال رئيس الحكومة الموالية للانقلابيين في اليمن إن المبعوث الأممي طرح تسليم الحديدة لمجلس عسكري محايد، وهذا مرفوض، متوعدًا بقتال شرس في المدينة، وبتداعيات مباشرة على أمن مضيق باب المندب، مؤكدًا أن الحل يكمن في تحاور مباشر بين الخصوم الذين يتصارعون في جبهات القتال العسكرية والأمنية والسياسية والإعلامية.

إيلاف من صنعاء: في مقابلة خاصة مع «إيلاف»، كشف عبد العزيز صالح بن حبتور، رئيس ما يسمى حكومة الانقاذ الوطني اليمنية الموالية لتحالف جماعة الحوثي والرئيس السابق علي عبدالله صالح، عن طرح المبعوث الأممي إلى اليمن اسماعيل ولد الشيخ تسليم مدينة الحديدة الساحلية لمجلس عسكري محايد. 

اوضح بن حبتور أنه رفض مناقشة موضوع الحديدة إلا في سياق وطني شامل، موكداً أن الحديدة «بعيدة المنال على دول حلف العدوان»، متوعداً بقتال طلائع الجيش واللجان الشعبية «قتالًا باسلًا».

وعمّا تردد عن مبادرات سلام تقدم بها صالح، قال بن حبتور «إن الرئيس السابق يرى الحل في تحاور مباشر بين الخصوم، الذين يتصارعون في جبهات القتال العسكرية والأمنية والسياسية والإعلامية، أي ممثلي الجمهورية اليمنية في صنعاء والمملكة العربية السعودية، وأي مبادرة سياسية لا تراعي هذا الجانب مصيرها الفشل».

في الحوار، هاجم بن حبتور دعوات انفصال جنوب اليمن، موكدًا موقفه «الثابت والمعلن ضد من يقف خلف هذا المشروع الاستعماري الذي خططت له بريطانيا منذ عام 1953 لتأسيس اتحاد الجنوب العربي في عدد من المشيخات والسلطنات في كانتونات هزيلة وضعيفة».

أوضح بن حبتور لـ«إيلاف» ملابسات انقلابه على الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي قائلًا إنه كان ضد استخدام السلاح لتحقيق مآرب سياسية لأنصار الله (الحوثيين) أو غيرهم، «لكن بعد أن شُن عدوان همجي على شعبنا اليمني في صبيحة 26 مارس 2015، لم يكن أمامي إلا الوقوف إلى جانب الوطن والاصطفاف مع كل القوى الوطنية المناهضة للعدوان الخارجي».

في ما يأتي متن حوار «إيلاف» مع عبد العزيز صالح بن حبتور:

عامان على الحرب اليمنية ولا أفق للسلام. هناك من يُحمّل تحالف صالح والحوثي مسؤولية انسداد طريق الحل السلمي. ما رأيك؟

في البدء أهنئكم وأهنئ كل قُرّاء «إيلاف» ومتابعيها بحلول رمضان المبارك. كل عام وانتم بخير. وشكرًا جزيلًا لـ«إيلاف» على إجراء هذا الحوار في الظروف التي نعيشها في زمن الحرب المفروضة على اليمن وشعبه الكريم. و«هذا الحوار هو الأول منذ تسلمنا مهمة قيادة حكومة الإنقاذ الوطني، والثاني مُنذ اندلاع العدوان على اليمن ... وأنا سعيد جدًا بهذا الحوار معكم».

أما في شأن الحل السياسي في اليمن، فـ«أنا متفائل، ومؤمن بأن الحرب على وشك الانتهاء بسبب انسداد الأفق عند دول الحلف العدواني ضد بلادنا، وأن اليمن بعد عامين وشهرين لا يزال صامدًا يقاوم بكل استبسال، مدافعًا عن أرضه وعِرضه وكرامته».

اما تحميلكم المسؤولية المباشرة بأن تحالف المؤتمر الشعبي العام وحركة أنصار الله هما المسؤولان عن إستمرار الحرب، فـ«الوقائع والحقائق تبرهن عكس ذلك، والمتابع العادي لمجريات الحرب يرى أن قوى التحالف العربي هي من شنّ العدوان المستمر حتى اليوم، وعليه إن أرادت هذه القوى السلام فعليها إيقاف آلتها الحربية العدوانية ضد اليمن، ورفع الحصار البري والجوي والبحري، وحينها سيفتح أفق للحوار المباشر وغير المباشر بيننا».

لن نسلّم

إلتقيتم المبعوث الأممي اسماعيل ولد الشيخ حين زار صنعاء الأسبوع الماضي. ما أهمية هذا اللقاء الأول بينكما؟ وماذا دار فيه؟

أهمية اللقاء تكمن في أننا رحبنا بالأخ اسماعيل ولد الشيخ ومرافقيه في القصر الجمهوري بصنعاء ضيفًا معززًا مكرمًا، وناقشناه في عدد من الأفكار المهمة على طريق الحل السلمي للأزمة في اليمن: فتح مطار صنعاء الدولي، الذي حُرم منه المسافرون من المرضى وطلاب الجامعات ورجال المال والأعمال والمغتربين وأساتذة الجامعات، وغيرهم، وعودة المسافرين العالقين في الخارج، وموضوع إيقاف رواتب الموظفين ثمانية أشهر، بعد نقل وظائف البنك المركزي اليمني من العاصمة صنعاء إلى محافظة عدن، إضافة إلى حيادية الجانب الاقتصادي. 

وطرح المبعوث الأممي قضية الحديدة، وقال إن مشروعهم هو تسليمها لمجلس عسكري محايد. «قلنا له إن مناقشة هذا الموضوع الجزئي مرفوضة، لأننا لن نناقش موضوع الحديدة إلا في السياق الوطني إجمالًا، أي لن نفرط بالحديدة أو لن نسلم شبرًا واحدًا من الأرض اليمنية لم تستطع آلة الدمار العدواني أخذه مننا بقوة السلاح طيلة عامين وأكثر، وقلت له: تأتي أنت بوصفك ممثلًا دوليًا وتريدنا تسليمه للأعداء، هذا أمر يرفضه كل الشعب اليمني». كما أخذنا موضوع الجانب الاقتصادي على محمل الجد، والآن نعكف من خلال الخبراء على إنجاز مسودة الاتفاق المقبل في شأن تحييد الجانب الاقتصادي.

قيل إن ثمة مبادرة من علي عبدالله صالح لوقف الحرب. هل من تفاصيل؟

«تحدث الزعيم علي عبدالله صالح، رئيس الجمهورية الأسبق، في أكثر من مناسبة ولقاء عبر القنوات الفضائية في مناسبات مختلفة فقال إن الحل الحقيقي للقضية التي نعيشها هي جلوس الخصوم الحقيقيين، الذين يتصارعون في جبهات القتال العسكرية والأمنية والسياسية والإعلامية مباشرةً، وهم ممثلو الجمهورية اليمنية في صنعاء والمملكة العربية السعودية. أي مبادرة سياسية لا تُراعي هذا الجانب سيكون مصيرها الفشل، وأي مبادرة منه ستنطلق من هذه الحيثية».

ما تصوركم لحل الأزمة ووقف الحرب؟

قلت في أحاديث مُعلنة سابقة إن «الحل يكمن في اعتراف حلف العدوان بأنه لن يستطيع هزيمة اليمن ولو احضر كل أسلحة العالم، ولهذا فإن الاعتراف بالحق فضيلة. اليمن لم تقم بالاعتداء عليه، دول التحالف هم من بدأوا وشنوا علينا حربًا ضروساً في صبيحة 26 مارس 2015، وما زالوا يهاجموننا ويعتدون على المدن والمحافظات اليمنية، جوًا وبرًا وبحرًا. نحن في حال دفاع مشروع عن حدودنا، ومن الطبيعي أن يوقفوا العدوان، وأن يجلس الطرفان على طاولة للحوار اليمني – السعودي لطرح كل المخاوف وحفظ قواعد مصالح الجار لأخيه الجار الشقيق، وفقًا للمعايير الدولية، وبحث العلاقات الاستراتيجية بين شركاء الحدود وفقًا للمبادئ الإنسانية وحسن الجوار، على أن يكون هناك حوار آخر يمني - يمني موازٍ للبحث في تفصيلات بناء الدولة اليمنية المركزية أو الاتحادية على أسسٍ من الشراكة الوطنية غير القابلة للإرتداد والنقض بضمانات دستورية مُلزمة، وبحضور إقليمي ودولي شاهدًا على اتفاق اليمنيين وقواهم السياسية لمستقبل دولتهم اليمنية».

لا خلاف

ما صحة ما يقال عن خلافات بين الحوثي وصالح؟ وما مدى استمرار ذلك التحالف؟

«لا خلافات بين شريكي مقاومة العدوان بالمعنى السياسي والاستراتيجي، لكن عند التطبيق في ميادين العمل تبرز تباينات واجتهادات. ثم سرعان ما يُحسم الخلاف في المجلس السياسي الأعلى ورئاسة مجلس الوزراء، وسيستمر حلف المقاومة للعدوان بين الشريكين لدواعٍ وطنية واخلاقية واستراتيجية».

اعتبرت أوساط عربية ودولية تشكيل حكومتكم استفزازًا وتحديًا للقرارات الدولية المتعلقة بالأزمة اليمنية الحالية. ما ردكم؟

جاء تشكيل حكومة الإنقاذ الوطني لدواعٍ وطنية بحتة، بهدف دعم جبهات القتال والحفاظ على مؤسسات الدولة من التأكل والانهيار كي تقوم بمهماتها وفقًا للدستور اليمني النافذ. «أظن أن ذلك لا يستفز أحدًا، إلاّ إذا كان الهدف هو أن العرب ومن أسميتهم بقوى الهيمنة العالمية يريدون التغطية على جرائم العدوان فهذا أمر آخر. للتذكير، التحالف الخليجي العربي هو من أعلن الحرب على اليمن، ودوله تجعله أغنى تحالف ضد اليمن الفقير المسالم، الذي أثبت أن شعبه مقاوم صلب لا ينحني إلاّ لواحد أحد».

الخروج المسلح على الدولة جريمة 

ماذا حققت حكومتكم منذ تشكيلها؟

حققت حكومتنا العديد من المهمات: أولها، استمرار دعم جبهات القتال؛ وثانيًا، تأمين الجبهة الداخلية والسعي الحثيث إلى توفير جزء من رواتب الموظفين بطرق عدة؛ ثالثًا: الحفاظ على المؤسسات الحكومية، وتسهيل أمور حياة المواطنين، وتأمين العلاقة السلسة مع المنظمات الدولية الانسانية، وغير ذلك.

قدمتم رسالة للمجلس السياسي الأعلى حول العراقيل التي تبديها بعض الجماعات، والتدخلات في شؤون حكومتكم. قيل إنكم استقلتم من رئاسة الحكومة. ما صحة ذلك؟

نتبادل الرسائل والملفات ونتلقى التوجيهات من المجلس السياسي الأعلى كل يوم تقريبًا، لكنني لا أتذكر أنني قدمت رسالة حول ما اشرتم إليه، ولا أتذكر أنني قدمت استقالتي، وقرأت كغيري هذا التسريب الإعلامي عبر وسائل الاعلام، وتم نفيه من مكتبنا في حينه.

قبل اندلاع الحرب، كنتم من مؤيدي الشرعية والرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، ووقفتم ضد تمدد الحوثيين، غير أنكم غيّرتم موقفكم لاحقًا. لماذا؟

سؤال مهم في بُعديه السياسي والتاريخي. كنت ولا أزال وسأبقى ضد استخدام السلاح لحسم أي موقف سياسي بين الأطراف الحزبية في داخل الوطن، ودنت علنًا استخدام السلاح من شركاء العمل السياسي في الوطن. قلناها مرارًا، إن الخروج على الدولة ومؤسساتها باستخدام السلاح جريمة يجب أن يخضع مرتكبها لنص القانون، وكانت تصريحاتي الإعلامية وموقفي السياسي مُنذ بداية عام 2011 في ما سمي حينها بالربيع العربي، الذي تبين أنه ربيع من صنع الدوائر الاستخبارية الدولية وأدواتهم، كالإخوان المسلمين في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، ويسجل التاريخ أن بدء الخراب والدمار لأمتنا العربية كانت بعنوان (الربيع)، وأنها كانت الاداة الضاربة المُدمّرة لوطننا العربي الكبير هم (حزب الإخوان المسلمين)، وهذا للتاريخ فحسب. نعم، كنت ضد استخدام السلاح لتحقيق مآرب سياسية لأنصار الله أو غيرهم، «لكن بعدما شُن العدوان الهمجي على شعبنا اليمني في صبيحة 26 مارس 2015، لم يكن لدي أي خيار آخر سوى الوقوف إلى جانب الوطن، وأن أصطف مع كل القوى الوطنية المناهضة للعدوان الخارجي»٠ 


ليسوا على قلب رجل واحد

أعلن الجنوبيون عن اشهار المجلس السياسي الانتقالي في خطوة على طريق الانفصال. كيف تنظرون إلى تلك الخطوة وتداعياتها؟

أولًا، الجنوبيون لم يشهروا لا مجلسًا ولا غيره خاصًا بالجنوبيين، مصطلح «الجنوبيون» مُضلل، لا صلة له بالواقع من الناحية العملية. لكن قُل لي بوضوح إن هناك جماعة من الجنوبيين أعلنوا عن إشهار مجلس لهم، فأوافقك الرأي. حريًا بنا القول إن الجنوبيين لديهم أكثر من سبعين فرقة ومكون سياسي وجماهيري وغيره، وهم ليسوا على قلب رجل واحد بسبب ماضيهم المُتشظي، وليسوا موحدي الهدف والرؤية إطلاقًا. لكن هؤلاء الذين ائتلفوا في مكون هم جماعة من السبعين، وحركتهم نوازع مناطقية بحتة وجشع للعودة إلى السلطة بأي وسيلة، وحركتهم تُموّل من الخارج.

هذه هي الحكاية باختصار. أما موقفي الشخصي والرسمي من انفصال جنوب الوطن عن شماله فمُعلن وثابت: «أنا ضده وضد من يقف خلف هذا المشروع الاستعماري الذي خططت له بريطانيا الاستعمارية مُنذ عام 1953، حين فكر مُخططوها ومهندسوها تأسيس ما سُمي إتحاد الجنوب العربي من عدد من المشيخات والسلطنات في كانتونات هزيلة ضعيفة. وكما فشلت بريطانيا أمس، ستفشل الدعوات التمزيقية للوطن اليوم وغدًا على ايدي أبناء الشعب اليمني الأحرار... وإن غدًا لناظره قريب».

حققت قوات الرئيس هادي تقدمًا عسكريًا في الأشهر القليلة الماضية خصوصًا في المخا وميدي، وباتت تستهدف الحديدة. ألا يشكل ذلك التقدم ضغطًا على وضع حكومتكم وحلفائكم؟

الحرب كَر وفر. «نشاهد في الفضائيات حجم التدمير الهائل للأسلحة الحديثة التي جلبتها دولة الإمارات المتحدة لما يُسمى بالجيش الوطني. هؤلاء يتكبدون يوميًا خسائر كبيرة في العتاد والارواح، كما تظهر التقارير من الميدان، وللأسف تتم التضحية بالشباب الفقراء من أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية في محرقة الساحل الغربي، أما ميدي فهي مجزرة أُخرى للمرتزقة من الجنجويد السودانيين الذين باع رئيسهم عمر البشير أرواحهم رخيصة مقابل مال مُدنّس، وفي حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل».

«الحديدة بعيدة المنال على دول حلف العدوان، ونعدهم بأن يقاتل طلائع الجيش واللجان الشعبية والمتطوعون من أبناء القبائل اليمنية قتالًا لم يشاهدوه في أي جبهة من جبهات الاشتباك، أمثال نهم التي راوحوا فيها أكثر من عامين، وصرواح منذ عامين وشهرين، وفي باقي جبهات تعز والشريجة وبيحان القصاب ومكيراس والضالع والبقع وجيزان ونجران وعسير. واذا تجرّأوا على تنفيذ مخططهم لمهاجمة الحديدة، فلن يسلم مضيق باب المندب الدولي من التداعيات الأمنية والعسكرية».