نصر المجالي: تعود جذور البرلمانية في بريطانيا إلى قرون موغلة في القدم، وهي عبر القرون رسخت تقاليد وأعرافاً لا يمكن تجاوزها بسهولة بقرار وزاري أو ملكي، وكان أول استخدام لكلمة (برلمان) في العام 1236 لوصف الاجتماع الاستشاري للملك، وهو لفظ مشتق من الكلمة الفرنسية "برلير" وتعني المجلس.

وعلى هامش الانتخابات البرلمانية التي تجري اليوم الخميس، تلقي (إيلاف) الضوء على مراحل وشكل ومعايير النظام الانتخابي في المملكة المتحدة، وهو نظام يجري في دورة واحدة ويتم التصويت على مرشح واحد. 

ويفوز المرشح الذي يحصل على أكبر عدد من الأصوات حتى إذا لم تتعدَّ نسبة الأصوات خمسين بالمائة. وبإمكان أي حزب الفوز في الانتخابات حتى ولو حصل على أقل من 50 بالمائة من الأصوات في جميع مناطق البلاد. 

دائرة انتخابية

ويمثل كل برلماني دائرة انتخابية واحدة في قصر (ويستمنستر)، بينما يقدر عدد البرلمانيين الذين سيتم التصويت عليهم الخميس 650 نائبًا مقابل 664 نائبًا في السابق. ومجلس العموم هو المكان الوحيد في بريطانيا العظمى الذي يحظر على الملك دخوله.

ويرمز للعضو بالحروف MPS أي اختصار لكلمة عضو البرلمان، ويتم انتخاب أعضاء البرلمان إما عن طريق انتخابات عامة تجرى في جميع الدوائر الانتخابية، أو عن طريق انتخابات تكميلية تحدث جراء حدوث حالة وفاة لأحد أعضاء المجلس.

 

تطور 

لقد تطور مجلس العموم البريطاني في مرحلة ما كانت بريطانيا تسمى بإنكلترا خلال القرن 14، وقد استمر هذا المجلس حتى صار مجلس العموم لبريطانيا العظمى بحدوث اتحاد سياسي مع اسكتلندا، وأيضًا في القرن 19 حدث اتحاد سياسي مع أيرلندا، وأخذ اسمه الحالي بعد استقلال أيرلندا عام 1922.

وكان مجلس العموم البريطاني أقل قوة من مجلس اللوردات في الأصل، ولكن ازدادت سلطاته التشريعية لتتجاوز إلى حد كبير مجلس اللوردات، فقد خفضت سلطة مجلس اللوردات وفقًا لقانون البرلمان عام 1911، وينتمى رئيس الوزراء الى مجلس العموم منذ عام 1902.

ومنذ عام 1963، من خلال اتفاقية، اصبح شرطًا أن يكون رئيس الوزراء عضوًا في مجلس العموم، بعد أن كان يأتي سابقا من مجلس اللوردات.

أسمى سلطة

ويعتبر مجلس العموم أسمى سلطة في المملكة المتحدة اليوم، وقد قطع شوطاً مضنيًا منذ أيام القرن الثالث عشر، وقد برز خلال تلك الأعوام نفر عظيم من الرجال من بينهم جون اليوت الذي مات دفاعاً عن قضية البرلمان، وروبرت والبول الزعيم الحزبي الكبير وأول رئيس للوزارة، ووليام بت الأكبر، الخطيب الشهير، وبينجامين دزرائيلي السياسي الداهية، ووليام غلادستون بتقواه المتقدة حماساً، ثم في عصر قريب السير ونستون تشرشل.

يذكر أن مدة الدورة في المجلس هي 5 سنوات، وفى السابق كان يملك رئيس الوزراء اختيار الوقت الذي يتم فيه حل البرلمان، حتى وإن تعدت مدة الدورة 5 سنوات بإذن من الملك، ولكن مع صدور قانون البرلمانات الثابت، صارت مدة الخمس سنوات ثابتة، وتجرى إنتخابات عامة مبكرة إذا وافق المجلس بثلثيه.

استقالة رئيس الحكومة

ويتعين على رئيس الوزراء أن يستقيل إن لم يفز في الانتخابات، ثم يذهب منصب رئاسة الوزراء إلى شخص يمكن أن ينال ثقة المجلس.

ورئيس الوزراء مسؤول أمام مجلس العموم، ويجب عليه الحفاظ على دعم مجلس العموم له، وإذا كان منصب رئيس الوزراء شاغرًا، يعين الشخص الذي يحظى بدعم كبير من النواب داخل المجلس، وفي العادة، يكون رئيس الوزراء، زعيم حزب الأغلبية في مجلس العموم، أما زعيم ثاني أكبر حزب في البرلمان فيكون زعيم المعارضة في البرلمان.

يمكن للمجلس أن يبين عدم تأييده للحكومة عن طريق تمرير قرار بسحب الثقة، أو رفض قرار منح الثقة للحكومة، وعندما تسحب الثقة من الحكومة، فعلى رئيس الوزراء الاستقالة.

جذور البرلمان

وتعود جذور البرلمان البريطاني إلى فترة ما بين القرنين الثامن والحادي عشر الميلاديين، وإلى أسلوبين استخدمهما ملوك الأنغلو سكسون للحكم في تلك الحقبة هما "ذي ويتان" و"موتس" وتعنيان باللغة الإنجليزية القديمة مجلسًا للأعيان أو اجتماعاً لممثلي المناطق يضم مستشاري الملك البارزين والنبلاء ورجال الدين، يدعو إليه الملك لمناقشة مسائل تهم البلاد.

 بيد أن استخدام كلمة "برلمان" رسميا لتسمية المجلس الكبير -الذي يضم المستشارين والنبلاء وبارونات ورجال الدين- جاء لأول مرة في عام 1236 لوصف الاجتماع الاستشاري للملك، وهو لفظ مشتق من الكلمة الفرنسية "برلير" وتعني المجلس.

 وشكل عام 1258 نقلة في مفهوم البرلمان بعدما اصطدم حينها الملك هنري الثالث مع النبلاء، وأقر البرلمان المنعقد في حينها في أكسفورد اتفاقية تتضمن مقترحات بانعقاد البرلمان لاجتماعات منتظمة ثلاث مرات في العام وإدخال 12 ممثلا للمقاطعات من غير النبلاء.

 المفهوم النيابي

وطور الملك إدوارد الأول الذي تولى الحكم في عام 1272 البرلمان إلى مؤسسة وأصبح انعقاده بشكل منتظم في العشرين عامًا الأولى من عهده بمعدل مرتين في السنة.

 وفي عام 1295، دعا الملك إدوارد البرلمان إلى الانعقاد بحضور ممثلَيْن عن كل مقاطعة وبلدة لأول مرة، ولذلك وصف حينها البرلمان بأنه مثالي.

 ومنذ 1329 وحتى عام 1341، كان ممثلو الشعب والنبلاء والملك يجلسون سوية في قاعة واحدة بما يسمى مجلس العموم، لكنّ ممثلي الشعب في مجلس العموم انفصلوا بعد ذلك عن النبلاء الذين أصبح لهم مجلس آخر بالبرلمان يسمى مجلس اللوردات.

 الملكية الدستورية

وشكل عام 1649 منعطفاً في تاريخ بريطانيا الحديث فبعد سنوات من اندلاع الحرب الأهلية عام 1642، قام عضو مجلس العموم أوليفر كرومويل بمساندة الجيش والبرلمان في الثورة على الملك تشارلز الأول وإعدامه بعد رفضه التنازل على العرش.

 وقد أعلن بعدها مجلس العموم إلغاء الملكية في البلاد، وحل مجلس اللوردات، وأعلن بريطانيا جمهورية برئاسة كرومويل، لكن الحال لم تستمر كذلك، إذ توفي كرومويل في سبتمبر عام 1658 ليخلفه نجله ريتشارد الذي خلع من الحكم عام 1659 وسط فوضى بالبلاد.

 وانتهت هذه الفترة بعدما طلب الشعب من العائلة الملكية العودة إلى الحكم مرة أخرى، حيث أعيد تنصيب تشارلز الثاني ملكًا في مايو 1660 لتعود بذلك الملكية إلى بريطانيا، لكن بأسلوب جديد سمي بالملكية الدستورية التي سحبت سلطات الحكم من الملك ومنحتها للبرلمان المنتخب.

 وحتى عام 1832، كانت لمجلسي العموم المنتخب واللوردات المعين وبعضه بالوراثة سلطات متساوية تقريبًا، لكن قانون الإصلاح في ذلك العام قلص كثيرًا من سلطات مجلس اللوردات.

 كما قلصت قوانين برلمانية في عامي 1911 و1949 فعالية مجلس اللوردات. وبدأ البرلمان بالفعل عام 1999 بتقليص عدد أعضاء مجلس اللوردات من فئة النبلاء بالوراثة.