إيلاف من بيروت: تستعد جمعية "كفى عنف واستغلال" اللبنانية للقيام بحملة اعلامية رفضًا لظاهرة الزواج المبكر الذي يفرض على العديد من الفتيات القاصرات في لبنان ولا سيما في المناطق الريفية، وللمطالبة بتحديد سن الثامنة عشرة كسن ادنى للزواج، وذلك بعدما سجلت في الآونة الاخيرة في اكثر من منطقة لبنانية حالات تزويج لفتيات لا يتجاوزن احيانًا عمر العشر سنوات.

وكان نائب حزب القوات اللبنانية ايلي كيروز قد تقدم في مارس الماضي باقتراح قانون الى المجلس النيابي يطالب بتعديل سن الزواج في لبنان الى الثامنة عشرة, وقد تحول الاقتراح في حينه الى مادة سجال اتخذت طابع السجال السياسي, حيث رد الامين العام لحزب الله حسن نصر الله عليه بالدعوة الى ترويج ثقافة الزواج المبكر, معتبرًا ان من يواجه هذا الامر "يخرب مجتمعنا ويخدم ابليس والشياطين".

مفارقات

وقبل ثلاث سنوات, اي في العام 2014، تقدمت الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، بالتعاون مع النائب غسان مخيبر، بمشروع قانون "ينظم الزواج المبكر"، بيد أن الهيئة وكونها إطارًا تابعًا لرئاسة مجلس الوزراء ودورها إستشاري فحسب", فقد جاء نص مشروع قانونها وفق الصيغة الآتية: "يساهم بتنظيم زواج القاصرات وليس منعه، إذ لا يمكن قانونًا منع زواج القاصرات، لأن قوانين الطوائف، أي الأحوال الشخصية، تدخل ضمن الإنتظام العام، وبالتالي تسمو على القوانين الأخرى, وهو ما كرسته المادة 9 من الدستور التي تضمن للآهلين على اختلاف مللهم احترام نظام الأحوال الشخصية والمصالح الدينية". 

واستنادًا إلى القوانين اللبنانية، فإن سن الرشد هو 18 سنة, كما ان لبنان وقّع على اتفاقية حقوق الطفل التي تحدد سن الطفولة بـ18 عاما, وعليه فإن السؤال البديهي الذي يطرح هو كيف لشخص لا يزال طفلاً أن يقدم على الزواج وتأسيس عائلة في وقت يحتاج هو نفسه إلى رعاية كي يصل إلى مرحلة النضج الفكري؟

ومن المفارقات ايضًا ان القوانين اللبنانية عينها تقرّ بعدم أهلية كل فتاة دون الـ18 عامًا لالتزام العقود (قانون موجبات وعقود) او للترشح والانتخاب (قانون الانتخاب) او حتى قيادة السيارة (قانون السير) الامر الذي يبرز التناقض الكبير لدى المشترع اللبناني، اذ كيف يعِد الفتاة دون الثامنة عشرة قاصرًا عن القيام بمثل هذه الامور واهلاً لانشاء أسرة؟ هذا مع العلم ان كل الدراسات اثبتت ان الزواج المبكر يشكل خطرًا على النساء، وقد يؤدي في كثير من الأحيان إلى الوفاة خلال الولادة. 

الغاء المادة 522

تقول زويا روحانا، مديرة جمعية "كفى عنف عنف واستغلال" لـ"ايلاف": كل شيء عالق في البلد بانتظار اقرار قانون الانتخاب, الا انها تشير الى ان هناك عدة مشاريع مطروحة لتحديد سن ادنى للزواج, فوزير الدولة لشؤون المرأة جان اوغاسابيان بالاضافة لعدد من الوزراء هم بصدد تحضير مشاريع قوانين, فضلا عن اقتراح القانون الذي تقدم به النائب ايلي كيروز الى المجلس النيابي, وتشدد روحانا على وجوب العمل من جديد لالغاء المادة 522 من قانون العقوبات اللبناني التي تعفي مغتصب القاصر من العقاب في حال عقد قرانه على ضحيته, والتي عدلت بشكل مبتور في المجلس النيابي, بحيث اعيد تضمينها بطريقة مبطنة في مادتين اخريين احداهما تكرس الزواج المبكر.

وتعطي السيدة روحانا اهمية للتحركات على مستوى المجتمع المدني وللاحتجاجات في الشارع لتغيير وقائع الامور والمفاهيم السائدة بعكس ما يعتقد كثيرون, وتقول ان التجربة والحملات التي خضناها لاقرار قانون حماية النساء من العنف الأسري ادت الى النتيجة التي كنا نتوخاها, واصبح لدينا قانون في هذا الاطار بالرغم من بعض الاشكالات الموجودة. 

تحرير السلطة المدنية

من جهته، قال وزير الداخلية السابق مروان شربل في حديث خاص لـ"ايلاف" إن لا خلاص في موضوع الزواج المبكر الا بتحرر السلطة المدنية الممثلة بمجلس النواب من رجال الدين. يضيف: "سنبقى نرى هذه الظواهر طالما ان النظام اللبناني هو نظام طائفي, فالطوائف مسيطرة اليوم على النظام المدني, كما ان هنالك اختلافات جوهرية في النظرة التشريعية للاديان, لذلك نرى فروقات كبيرة حول الزواج او الطلاق او الارث لدى هذه الطائفة او تلك". 

يتابع: "ارى اننا امام سنوات ضوئية كي نغير من هذه القضايا في مجتمعنا اذا ما بقي نظامنا على حاله ولم نعمل على فصل الدين عن الدولة وتوحيد قانون الاحوال الشخصية, فلبنان وجد قبل الاديان وانا لبناني قبل ان اكون مسيحيًا او مسلمًا, ولكن للاسف, المشرعون عندنا ينتمون الى الدين والى البيئة الخاصة بهم قبل انتمائهم الى الوطن, وحتى عندما خرجنا من الحرب اللبنانية واتينا الى اتفاق الطائف, كرسنا الطائفية في هذا الاتفاق, فنحن لم نستطع الى الآن ان نقوم بما قام به الغرب كفرنسا مثلا التي بقي الصراع فيها ما يقارب المئة عام حتى استطاعت فصل الدين عن الدولة". 

تعويل على النسبية

ويوضح شربل انه عندما كان وزيرا للداخلية واشرف على ثلاثة عشر زواجًا مدنيًا من مختلف الطوائف, قامت القيامة آنذاك من رجال الدين على اختلافهم, مذكرًا ايضًا بما حصل مع رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري في عهد الرئيس الياس الهراوي، وكيف شنت الحملات ضده عندما طرح قانون الزواج المدني ليضطر بعدها الى حفظه في "الجارور".

ويأمل شربل ان يحدث تغيير ما مع اقرار قانون الانتخاب الجديد في لبنان القائم على النظام النسبي ويقول انه عندما يصل الى المجلس النيابي ما بين العشرين او الخمسة وعشرين نائبا فازوا بحسب القانون النسبي ولا ينتمون الى اي حزب من الاحزاب الطائفية الموجودة, عندها نفكر مع الوقت ومع توالي الدورات الانتخابية مستقبلًا ان يصبح لدينا عدد كبير من النواب غير الطائفيين وان نتمكن مع هؤلاء من القيام بتعديلات على قوانين الاحوال الشخصية, ولكن هذا الامر هو بداية صغيرة وضوء خافت في نفق طويل ومعتم, فنظامنا هو نظام طائفي بامتياز منذ الاستقلال وحتى الآن. 

وختم بالقول إن البداية لانهاء ظاهرة زواج القاصرات هي بالزواج المدني الاختياري, سائلاً لماذا شبابنا مجبرون على الذهاب الى تركيا وقبرص لعقد قرانهم ولا يستطيعون فعل ذلك داخل لبنان؟