«إيلاف» من الجزائر: أقال الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة مهام الوزير الأول عبد المجيد تبون بعد 80 يومًا من تعيينه، وكلف مدير ديوان الرئاسة احمد أويحيى ليكون خلفاً له، في سابقة لم تعرفها الجزائر من قبل، ما فتح عدة تأويلات حول خلفيات هذا القرار، خاصة وأن الوزير الأول المنهية مهامه كان قد باشر معركة ضد تدخل المال في السياسة.

ولم يستطع عبد المجيد تبون الذي كان إلى وقت قريب يوصف بالرجل المقرب من الرئيس بوتفليقة، والوحيد من الوزراء الذي منحه وسام الاستحقاق الوطني، البقاء في منصبه سوى 80 يومًا.

 وكانت بعض وسائل الإعلام الجزائرية تحدثت مؤخرًا عن تعليمة غير رسمية منسوبة للرئيس بوتفليقية حملت توبيخًا لتبون حول تعامله مع رجال الأعمال، ودعته إلى التوقف عمّا أسمته " التحرش" بهم.

أصل الخلاف

رغم أن بيان رئاسة الجمهورية لم يشر إلى أسباب إقالة عبد المجيد تبون الذي زكى البرلمان برنامج مخطط حكومته المستمدة من برنامج الرئيس بوتفليقة، إلا أن القراءات السياسية في الجزائر أجمعت على أن الكارتل المالي الذي يقوده رئيس منتدى المؤسسات علي حداد كان وراء هذه الإقالة، بالنظر إلى علاقته المقربة بالسعيد بوتفليقة شقيق الرئيس، بحسب ما تذكر الصحف الجزائرية.

 وكان حداد قد وجه انتقادات لاذعة لقرارات عبد المجيد تبون الذي دعا إلى إبعاد المال عن السياسة، وباشر اجراءات تحد من هامش التحرك الذي صار يحظى به علي حداد في السنوات الأخيرة داخل السلطة، والذي فاق السلطة التي تمنح للوزراء.

وسارع تبون منذ تعيينه وزيرًا أول إلى محاولة تنظيم النشاط الاقتصادي بانتقاده لنشاط وكلاء السيارات المستفيدين من مشاريع إنشاء مصانع تركيب السيارات، واعتبر الصناعة الميكانيكية الحالية في الجزائر صناعة غير حقيقية.

واتخذ الوزير الأول المقال أيضاً قرارات تتعلق بتنظيم الاستيراد ومنح رخص محددة للمستوردين، كما أعلن عن مراجعة سياسة الدعم التي تساوي في الاستفادة بين الغني والمحتاج، ودعا إلى حوار وطني مع أحزاب المعارضة.

 لكن هذه السياسة لم ترضِ تكتل رجال الأعمال، وفي مقدمتهم علي حداد الذي كان قد أبدى انزعاجه مما أسماه من حملة تشهير تستهدف مجمعه الاقتصادي المختص في الأشغال العمومية، لذلك كان أول المبتهجين بإقالة تبون، وسارع إلى تهنئة الوزير الأول الجديد.

وقال حداد "بمناسبة تعيين أحمد أويحيى وزيرًا أول من طرف رئيس الجمهورية ، أتقدم إلى معالي الوزير الأول بأحر التهاني، وباسمي الشخصي ونيابة عن كافة أعضاء منتدى رؤساء المؤسسات، نجدد التزامنا الثابت والمبدئي، للعمل جنبًا إلى جنب مع معالي الوزير الأول وكافة مؤسسات الجمهورية في كنف الحوار والتشاور".

وأضاف "سيبقى خدمة الوطن هدفنا الأسمى، وسنعمل سوياً من أجل بناء اقتصاد مستدام وتنافسي يضمن للجزائر قوّتها ولمواطنينا العيش في رفاهية."

تخوف

شكل قرار إعادة أحمد أويحيى إلى قيادة الجهاز التنفيذي والطريقة التي تم التخلص بها من عبد المجيد تبون، مبعث قلق لدى الشارع الجزائري والمعارضة، بالنظر إلى التوجهات الليبرالية المتشددة التي عرف بها اويحيى، الذي وصف نفسه يومًا بـ" رجل المهمات القذرة" و"خدام النظام"، ليكون بذلك أكثر المسؤولين توليًا لمنصب الوزارة الأولى .

ويتذكر الجزائريون خطط أويحيى الاقتصادية التي باعت المؤسسات العمومية للأجانب والخواص بالدينار الرمزي وتسببت في تسريح آلاف العمال، وكذا خطابه الرافض لأي زيادة في أجور عمال القطاع الحكومي.

وقال النائب البرلماني سليمان شنين المنتمي للاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء (تكتل أحزاب إسلامية) في تصريح صحفي لـ"إيلاف"، إن" قرار إقالة عبد المجيد تبون يؤشر على وجود أزمة حكم وافتقاد السلطة الحالية لأهم مكسب حققته الجزائر خلال العشرين سنة الماضية، ممثلة في الاستقرار المؤسساتي والسياسي مما ينذر بتشويه حقيقي لمصداقية الدولة شعبيًا وخارجيًا، بعد التشويه الذي صاحب الاستحقاقات الماضية وأزمة التمثيل السياسي، التي عبر عنها من مقاطعة وورقة بيضاء".

وأضاف "كما أن تعيين أحمد أويحيى الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي على رأس الوزارة الأولى يفرض أيضًا أن تكون الحكومة التي سيترأسها سياسية بامتياز، وإن لم تحقق هذه الصفة فإن مآلها الفشل كسابقاتها".

وكتب احمد عظيمي الناطق الرسمي باسم حزب طلائع الحريات المعارض الذي امتنع عن المشاركة في الانتخابات التشريعية الماضية على صفحته في "فايسبوك" "قلنا لكم من البداية، إنها مجرد مسرحية، لا احد من صلب السلطة يستطيع محاربة الفساد الذي هو علة وجود هذه السلطة نفسها"

مات الملك... عاش الملك

سارعت أحزاب المولاة إلى تثمين ومباركة تعيين أحمد أويحيى وزيرًا أول، وتخلت بين عشية وضحاها عن دعمها الكامل لتبون الذي صوتت لصالح مخطط حكومته في شهر يونيو الماضي في البرلمان.

واعلن حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم دعمه لأويحيى، وللحكومة التي سيشكلها رغم تضييعه لهذا المنصب، الذي هو الأولى به بناء على ما ينص به الدستور الجزائري، باعتباره صاحب الاغلبية البرلمانية التي يفضل ان يكون الوزير الاول منها.

وتساءل أحمد عظيمي " هل تشاور الرئيس مع حزب الأغلبية قبل تعيين أويحيى؟"، غير أن بيان رئاسة الجمهورية أشار إلى ان تسمية أويحيى وزيرًا أول جاء فعلاً بعد استشارة الأغلبية التي تمثلها جبهة التحرير الوطني.

بدورها، الحركة الشعبية الجزائرية التي اقيل وزيرها الوحيد في حكومة عبد المجيد تبون بعد يومين من تعيينها، عبرت عن دعمها المطلق للتغيير الذي أجراه بوتفليقة على رأس الجهاز التنفيذي.

 وقال رئيسها عمارة بن يونس في تصريح مكتوب لـ"إيلاف"، إن " قرار رئيس الجمهورية أنهى جدلاً قائمًا وأنهى ضرب مصداقية مؤسسات الدولة الجزائرية".

 وأضاف أن "أويحيى معروف بالتزاماته الوطنية والجمهورية وخبرته الكافية لرفع التحديات التي تنتظر البلد، لا سيما في ظل الوضع الراهن الصعب".

سخرية

احتل هاشتاغ #أويحيى و#تبون صدارة تعليقات الجزائريين على مواقع التواصل الاجتماعي المنتقدة للطريقة التي تسير بها الحكومة في الجزائر، وعدم الاستقرار في المناصب، واتفقت اغلبها على التخوف من الوضع الذي سيعيشه الجزائريون في عهد أويحيى والتعاطف والسخرية من الطريقة التي انهيت بها مهام عبد المجيد تبون.

وكتبت إحدى المعلقات" #مهازل_الحكومة_الجزائرية المزعج في الأمر كله أننا كالأغبياء لا نحرك ساكنا... وتتوالى الصدمات من حكومة #السعيد الطفل المدلل".

 وأضافت: " تغييرات عشوائية ارتجالية غير محسوبة لمنصب وزير للحكومة، يبدو بأن السعيد لا يعجبه شيء كطفل مدلل #تبون ثم #أويحي".

وكتبت أخرى "الأوليغارشية لا تعين المالية لهذا يستحيل أن يكون #تبون ملاكا لكن قدوم #أويحيى يعني أن الاستقطاب وصل حده".

 وغرد ثالث قائلاً "#شكرا_تبون ضيقة الصدر والصدمة التي أشهر بها لا يعلمها إلا الله لوهلة ظننت أن البلاد سوف تخرج من الوحل، وأن الشباب سيرى النار".