«إيلاف» من مصر: أكد محمد حمزة، أستاذ الحضارة الإسلامية والعميد السابق لكلية الآثار في جامعة القاهرة، أن قرار ترمب نقل السفارة الأميركية للقدس له أبعاد دينية هامة، فقد اتخذه لتنفيذ نبوءة دينية لاهوتية تدعي ضرورة بناء هيكل سليمان الثالث من أجل نزول السيد المسيح لقيام الساعة.

وكشف محمد حمزة في حواره مع "إيلاف" أن المسجد الأقصى مهدد بالسقوط في أي وقت نتيجة قيام إسرائيل بالحفر أسفله بشكل عشوائي، حيث تسعى حكومة تل أبيب إلى طمس الهوية الإسلامية على مدينة القدس، وهذا لن يتحقق من وجهة نظرها إلا بسقوط المسجد تمامًا، وقال أستاذ الحضارة الإسلامية: "إن جميع الوثائق التاريخية تؤكد عروبة مدينة القدس، حيث لم يتم الكشف بعد عن وجود آثار يهودية بالمدينة حتى الآن”.

في ما يلي نص الحوار :

ما مدى صحة الادعاءات الإسرائيلية بأن القدس ترجع في الأصل لبني إسرائيل؟

علماء ومؤرخون يهود أثبتوا عن طريق الحفريات الأثرية أن مدينة القدس أصلها عربي، فالتخطيط للمدينة تم قبل 3000 عام قبل الميلاد، وترجع لإحدى الهجرات الكنعانية من جنوب الجزيرة العربية إلى بلاد الشام، فمن إحدى القبائل الكنعانية التي هاجرت قبيلة تدعى "يوبس أو اليبوسيين" استقرت في القدس وبدأت في التخطيط لها، ويقال إن ملك القبيلة _ ويدعى مليك صادق _ هو أول من استقبل نبي الله إبراهيم عليه السلام، وعرفت مدينة القدس بأسماء عربية عدة منها "يوبس"، وعرفت في بعض المصادر باسم كنعان، ووردت في النصوص المصرية القديمة" يورو شلم _ وهو اسم كنعاني يعنى مدينة السلام أو مدينة السلامة _ لأن هذه المدينة وهي القدس كانت ومازالت معبرًا للطرق، وعام 1200 قبل الميلاد، وهو تاريخ دخول اليهود القدس بعد طرد الكنعانيين منها وجدوا صعوبة في نطق"يورو شلم" فأطلقوا عليها "أور سالم "وهو الاسم الموجد الآن "أورشليم”، مما يعني أن الاسم الحالي عربي يرجع لزمن اليبوسيين أي قبل ما يظهر في الوجود ما يسمى ببني إسرائيل، حتى أسماء المواقع كلها في فلسطين الذين يدعون أنها عبرية أصلها كنعاني يعني عربية، فقد ورد في أسفار العهد القديم كلمة القدس 6 مرت باسم "يورو شلم"، كما ورد تحت مسمى "أور سالم" 656 مرة في النقوش الآشورية، وذكرت القدس عند هيرودوت في كتابه أبو التاريخ من الفترة 424 إلى 425 قبل الميلاد باسم " قديست أو قدستا " وهي أول إشارة بأنها مدينة لها قداسة عظيمة.

ومتى ذكرت صراحة اسم القدس بشكل رسمي؟

يعود مسمى مدينة القدس بشكل رسمي لعام 217 هجريًا، عندما تم طبع أول عملة معدنية مكتوب عليها اسم القدس، وكان ذلك في عهد الخليفة المأمون العباسي، وحل هذا الاسم بدلًا من اسم "إيلياء" الذي استخدم لسنوات طويلة حتى بعد الفتح الإسلامي للقدس في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، حيث يرجع اسم "إيلياء" لعهد الإمبراطورية الرومانية، عندما قام الإمبراطور ترجان عام 132 ميلاديًا بإخماد الثورة الثانية لليهود، وقام على إثرها بإطلاق اسم " إيليا كابيتولينا "على القدس، واستمر هذا الاسم في التعامل حتى الفتح الإسلامي ومن بعده حتى عام 217هجريًا.

هل بالفعل لم يصلِ عمر بن الخطاب في القدس، كما تردد بعض الروايات اليهودية ؟

عندما فتح أمير المؤمنين عمر بن الخطاب مدينة القدس _ أو إيلياء في ذلك الوقت _ واستلم مفتاحها من بطريرك المدينة، فحان وقت الصلاة وطالب البطريرك من عمر الصلاة في كنيسة القيامة على اعتبارها بيتاً من بيوت الله فرفض أمير المؤمنين، وكان ذلك ذكاءً سياسيًا منه خوفًا من هدم الكنائس وتحويلها لمسجد بعد ذلك، فاختار مكانًا أمام كنيسة القيامة وبنى مسجدًا أطلق عليه اسم "عمر بن الخطاب"، وتم إنشاؤه من الخشب، وكان يسع حوالي ثلاثة آلاف فرد، وقد اكتشف هذا المسجد ووصفه كاملًا الرحال الفرنسي "أركوف"، عندما زار القدس عام 50 هجريًا في خلافة معاوية بن أبي سفيان، والتاريخ يذكر أيضًا أن عمر بن الخطاب قام بتنظيف قبة الصخرة من القمامة وكذلك كنيسة القيامة؛ لأن اليهود حولوها لمزبلة؛ لذلك أطلق على الكنيسة القيامة من كثرة القمامة التي كانت حولها.

رجع اليهود بعد ذلك إلى القدس مستغلين سماحة الإسلام وولاة الأمر، وأول رجل يهودي زار القدس ووصف آثارها يدعى ابن يمين التطيلي في زمن صلاح الدين الأيوبي عام 567 هجريًا الرحالة الهروى المتوفى عام 611 هجريًا، زار القدس وكتب عن كل الآثار المسيحية، وزار أيضًا ابن جومير 580 هجريًا 

هناك تشكيك كبير من قبل البعض ظهر مؤخرًا في وجود المسجد الأقصى بفلسطين، وأن الموجود حاليًا ليس المذكور في القرآن؟

المسجد الأقصى ثاني مسجد بني بعد المسجد الحرام بمكة، وقيل المسافة بينهم 40 عامًا، وهناك العديد من الأدلة على أنه هو المسجد المذكور في القرآن، فقد كشفت الحفريات والمخطوطات أن العمال الذين قاموا بإنشاء المسجد الأقصى كانوا مصريين، فهناك 500 بردية منتشرة في الكثير من دول العالم ترجع تاريخها لعهد الخليفة الوليد بن عبد الملك، عبارة عن رسالة من أمير القدس لحاكم مصر ، يطالبه فيها بإرسال عمال للمساهمة في بناء المسجد الأقصى ، وذكر بها صراحة كلمة المسجد الأقصى بالقدس، وقد كشفت البعثات الأثرية التي تحفر في مدينة القدس عن وجود بيوت بجوار المسجد، ومنها قصر فخر ثبت أنها كانت مخصصة لإقامة العمال المصريين الذين ساهموا في بناء المسجد، والقصر كان مخصصًا لإقامة الوالي ، ويرجعون جميعًا للعصور الأموية؛ لكونها تشبه في العمارة القصور الأموية الفخمة في ذلك الوقت. 

هناك من يتهم صلاح الدين الأيوبي بالسماح لليهود بالعودة مجددًا لدخول القدس فما صحة ذلك؟ 

ذكرنا من قبل أن الخليفة عمر بن الخطاب تعهد عند الفتح الإسلامي للقدس عام 17 هجريًا بعدم دخول اليهود المدينة والتعايش مع المسيحيين، واستمر ذلك لسنوات كبيرة، فقد ذكرت وثائق الجنيزة أن اليهود بدأوا في دخول القدس في منتصف القرن الثاني الهجري، الثامن الميلادي، وأسسوا بالقدس الحي اليهودي ودير صهيون، ونقول لمن يهاجمون ويشككون في تاريخ صلاح الدين: أن الغرب وتحديدًا دول أوروبا يقدرون بشدة هذا البطل العربي، فنساء أوروبا يطلقون اسم صلاح الدين على أبنائهن تحت مسمى "صلادين"، وهناك علماء أروبيون أطلقوا على أنفسهم هذا الاسم.

هل كتابة التاريخ الإسلامي اعتمد بشكل كبير على كتب الإسرائيليات؟

بالفعل الكتاب والمؤرخون الإسلاميون هم من ورطونا في تزوير التاريخ لصالح إسرائيل في كتابة التاريخ الإسلامي، فقد لجأ المؤرخون الإسلاميون إلى أهل التفسير لدعمهم في بعض الأحيان؛ ولكون أهل الكتاب كانوا حديثي العهد بالإسلام فقد اعتمدوا على روايات الإسرائيليات عند تفسير القرآن، وهناك من الرحالة والمؤرخين المسلمين الذين أطلقوا على بعض الأماكن بالقدس أسماء مرتبطة بالديانات الثلاث، ومنها اليهودية رغم عدم وجود صلة لها من أجل إلصاق صفة القداسة على المدينة، مما أعطى الفرص للمستشرقين اليهود بنسب الأسماء والأماكن العربية لليهود، رغم عدم وجود صلة بينهم، وبعد تأكد العالم من كذب اليهود في الكثير من الادعاءات بشأن القدس، فالعالم الإسلامي الآن مطالب بتنقية كتب التاريخ الإسلامي وكشف الحقائق كاملة أمام الادعاءات اليهودية اليومية الكاذبة.

ما الهدف الخفي وراء سعي إسرائيل من البحث عن الهيكل المزعوم؟

ثبت من واقع الحفريات التي قامت بها البعثات الأثرية وشارك فيها علماء يهود عدم وجود أي آثار يهودية في القدس الشرقية نهائيًا بل وجدوا ما يقرب من 250 أثرا إسلاميا، وثبت أنه لا توجد أي آثار لهيكل سليمان المزعوم الذي تتحدث عنه إسرائيل، وأن الآثار التي وجدت تحت المسجد الأقصى ترجع للعصر الأموي، والهيكل المزعوم هدم مرتين الأول في عهد الكنعانيين عام 587 قبل الميلاد، والثانية في عهد الملك هيرودس عام 70ميلاديًا، حيث قام بنسفه تمامًا ، ولم يبقَ له وجود منذ هذا التاريخ، ومنذ ذلك واليهود يبحثون عن أثر هذا الهيكل ولن يجدوه، فهم يريدون هدم المسجد الأقصى عن طريق الحفر أسفله بحجة البحث عن الهيكل، مما سيترتب عليه القضاء على جميع الآثار الإسلامية بالقدس، في الوقت نفسه يتم إلصاق الأسماء اليهودية على العديد من الآثار والأماكن بالقدس بما يصب ذلك في ادعائهم بأن القدس أصلها يهودي.

هل بالفعل المسجد الأقصى مهدد بالانهيار على المدى القريب؟

بالفعل، المسجد مهدد بالسقوط في أي وقت، فتم إنشاؤه من الحجارة، ووفقًا لنظرية الحوائط الحاملة، بمعنى عندما تتم خلخلة بأسفلها عن طريق الحفر تسقط على الفور فجأة، وهذا هو المتوقع حدوثه، ومنذ عام 1967 وعمليات الحفر مستمرة، وقامت إسرائيل حاليًا بعمل 7 أنفاق بطول وعرض صحن المسجد كاملًا، فالمسجد الأقصى مر بعدة مصائب أيام الحروب الصليبية، فقد تم تحويله إلى إسطبلات كانوا يربطون فيها الخيل، وقام الصليبيون بتضييق المسجد، فبعد أن كان 15 رواقا أصبح 7 أروقة فقط.

ذكرت أن قرار ترمب نقل السفارة الأميركية للقدس وراءه أبعاد دينية، كيف ذلك ؟

قرار نقل السفارة له أبعاد دينية أهم وأكبر من الأبعاد السياسية، فالقرار جاء تنفيذًا لنبوءة دينية لاهوتية تقول :" إنه من الضروري بناء هيكل سليمان للمرة الثالثة، طالما أنه غير موجود، ولم يستدل عليه، ومكان الهيكل الجديد هو الحائط المبكى"، وكما تقول النبوءة فإن السيد المسيح لن ينزل في نهاية العالم إلا بعد بناء هذا الهيكل ، وعملية البناء هذا لن تتم إلا في حالة وحيدة وهي سيطرة إسرائيل كاملًا على القدس ؛ لهذا هم يريدون هدم المسجد الأقصى؛ ليقام مكانه الهيكل الثالث، وفرض الصبغة اليهودية على المدينة بعد طمس الهوية الإسلامية عنها.