القاهرة: تحظى زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة بهدفين استراتيجيين، أولهما تقوية التحالف السياسي، العسكري والأمني بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، وثانيهما تحقيق علاقة اقتصادية أكثر متانة وجذب استثمارات أميركية للسعودية في قطاعات التكنولوجيا، والاتصالات، والطاقة النظيفة والتصنيع.

ولدفع جدول الأعمال هذا قدما إلى الأمام، التقى ولي العهد السعودي بالرئيس الأميركي دونالد ترمب في مكتبه الرسمي بالبيت الأبيض لتبادل أطراف الحديث على وجبة الغذاء. 

كما تحدث بن سلمان مع عدد من مسؤولي الكونغرس والتقى وزير الدفاع الأميركي، جيم ماتيس، في البنتاغون بصفته وزيرا للدفاع أيضا في المملكة العربية السعودية.

خيارات

وقالت مصادر أميركية موثوقة إن الزيارة أسفرت عن التوصل لاتفاق أميركي سعودي لانهاء الحرب في اليمن في أقرب وقت ممكن، مضيفة أن تلك الخطوة تعد نجاحا هاما بالنسبة لابن سلمان وستبرهن على التزامه ببث الاستقرار في اليمن والعمل على اعادة بنائها.

وعلق بن سلمان على الحرب في اليمن بقوله: "لست هناك خيارات جيدة وخيارات سيئة، بل إنها تتفاوت بين خيارات سيئة وخيارات أسوأ".

صفقات كبيرة

كما نجح بن سلمان على الصعيدين العسكري والأمني في إقناع الحكومة الأميركية ببيع 6700 صاروخ مضاد للدبابات للسعودية بقيمة قدرها مليار دولار ونجح في إقناع مجلس الشيوخ الأميركي بعدم فرض حظر على المبيعات العسكرية الأميركية إلى المملكة.

ولي العهد يلتقي وزير الدفاع الأمريكي(الصورة نقلا عن واس)

حفل عشاء

وفي غضون ذلك، استضاف السفير السعودي الجديد لدى الولايات المتحدة، الأمير خالد بن سلمان، حفل عشاء على شرف الأمير محمد بن سلمان. وجاء هذا الحفل ليسلط الضوء على أهمية السعودية بالنسبة للاستقرار الأميركي على صعيد الطاقة العالمية، الأمن والاقتصاد. 

وحضر الحفل لفيف من الشخصيات الهامة من المؤسسة السياسية الأميركية مثل ماكماستر، مستشار الأمن القومي، جيم بيكر، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق خلال حرب الخليج الأولى، ستيف هادلي، مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش، ديك تشيني، نائب الرئيس الأسبق، وجيب بوش، الحاكم السابق لولاية فلوريدا، الذي حضر الحفل لتسلم جائزة نيابة عن والده لاسهامه في اخراج القوات العراقية من الكويت ابان فترة حكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين. 

كما كان من أبرز الحضور في الحفل بول ريان، رئيس مجلس النواب الأميركي، إلى جانب مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الذين استأذنوا من جلسات النقاش المنعقدة بخصوص الميزانية الأميركية ليتمكنوا من حضور الحفل. 

ومن النادر للغاية بالنسبة لرئيس مجلس النواب أن يحضر حفلات عشاء دبلوماسية أثناء مناقشة مجلس النواب لأمور اقتصادية ومالية مثل الميزانية. وقد أظهر حضور ريان مدى الأهمية التي تحظي بها المملكة العربية السعودية بالنسبة للولايات المتحدة. 

وكان من بين الحضور صحافيون أميركيون وسعوديون وكذلك تركي الدخيل، المدير العام لقناة العربية، الذي كان محل اهتمام الصحافيين، الأكاديميين والمسؤولين الذين كانوا متواجدين في الحفل أيضا. 

وكذلك حضر مندوبون عن بعض المراكز البحثية الكبرى وأفراد من نخبة مجتمع الأعمال في الولايات المتحدة مثل جيمي ديمون، رئيس جي بي مورغان تشيس، وستيف شوارتزمان، رئيس مجموعة BlackStone الاستثمارية التي تدير أكثر من 250 مليار دولار، فضلا عن حضور كثير من أعضاء إدارة الرئيس باراك أوباما السابقين.

ومن أبرز مشاهد الحفل تلك الكلمة التي ألقاها السفير السعودي خالد بن سلمان وكذلك الكلمة التي ألقاها الأمير بندر بن سلمان، الذي شغل منصب السفير السعودي لدى واشنطن لمدة 20 عاما، وركز الأمير بندر في كلمته على العلاقات الأميركية السعودية التي وصلت أوجها إبان فترة حكم الملك فهد، وأكد على ضرورة ارتكاز العلاقة الأميركية السعودية على المبادئ التالية: الثقة المتبادلة، التفاهم المتبادل والتعاون.

من حفل العشاء الذي أقيم في السفارة

كبار صناع السياسة

ومِن بين مَن حضروا الحفل أيضا كثير من كبار صناع السياسة الأميركية السابقين ممن كانت لهم تعاملات واسعة مع السعودية. وتحدث الأمير بندر في كلمته عن واقعة استدعائه للبيت الأبيض يوم 2 أغسطس عام 1990 من جانب الجنرال سكوكروفت الذي كان يشغل وقتها منصب مستشار الأمن القومي وكيف نصحه بضرورة أن تظهر الولايات المتحدة تعهدا حقيقيا للمساهمة في إخراج صدام حسين من الكويت. كما تذكر النقاشات التي أجراها الرئيس الأسبق بوش، نائبه ومسؤولون كبار من المؤسسة الأمنية الأميركية مع الملك فهد مسألة تمركز القوات الأميركية في السعودية.

رمز من رموز الصداقة

وقد أظهر السفير السعودي الجديد، الأمير خالد بن سلمان، أنه ملتزم ببناء، تعزيز وتعميق العلاقات مع الولايات المتحدة. فمنذ وصوله إلى واشنطن وهو يوطد علاقاته بمسؤولين كبار في واشنطن وجميع أنحاء البلاد، ويرى كثيرون أنه سيحقق نفس تأثير الأمير بندر.

فضلا عن أن مسألة قدوم الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن وبرفقته الأمير بندر قد أظهرت لكبار المسؤولين في واشنطن أن ولي العهد أحضر معه شخص يعرف كيف تدار الأمور في واشنطن بالاضافة لكونه رمز من رموز الصداقة التي تربط بين الرياض وواشنطن. 

ثقة المستثمرين

أما المحور الثاني من زيارة الأمير محمد بن سلمان للولايات المتحدة فهو الفوز بثقة المستثمرين الأميركيين في بلاده جنبا إلى جنب مع المساعدة التكنولوجية والتعليمية في إطار ما يبذله من جهود لإصلاح كثير من الأوضاع في المملكة. وبعد واشنطن، من المقرر أن يتوجه بن سلمان إلى بوسطن، نيويورك، سياتل، وادي السيلكون، لوس أنجلوس وهيوستن. وذلك بالاتساق مع تعامل مجتمع الأعمال في أميركا مع تحمس الأمير محمد بن سلمان لاصلاح الاقتصاد السعودي على أنه اشارة ممتازة نحو تعزيز استقرار وازدهار المملكة، في خطوة قد تجعل الشرق الأوسط أكثر ازدهارا كما أوروبا. كما يشعر المحللون الاقتصاديون بأن الأمير محمد بن سلمان قد اختار وزراء أكفاء ذوي خبرة لقيادة وتنفيذ رؤيته الاقتصادية الخاصة بعام 2030.

وفي الأخير، يمكن القول باختصار إن تلك الزيارة ستعيد العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية إلى آفاق جديدة وستعيد أوجه الثقة والتعاون التي حققها الأمير بندر وقت أن كان سفيرا. كما ستعمل رؤية 2030 الاقتصادية على زيادة الانتاجية وفرص العمل في المملكة من خلال الجمع بين التكنولوجيا، العلوم والابتكار. فضلا عن أن الناس واثقون من امتلاك الأمير محمد بن سلمان للخيال والحدس الذين يمكنانه من تنفيذ الرؤية.