الخرطوم: بعد عام على سقوط عشرات القتلى في هجوم على المتظاهرين السودانيين أمام مقر قيادة الجيش في الخرطوم، يتمسك أهالي الضحايا بأمل كشف مرتكبي العملية، ويطالبون بتحقيق دولي يؤدي الى محاسبة المسؤولين عن قتل أحبائهم.

كشه عبد السلام كشه هو والد عبد السلام الذي كان في الخامسة والعشرين من عمره عندما قتل في عملية نفذها رجال يرتدون زيا عسكريا في الثالث من يونيو العام الماضي. يقول لوكالة فرانس برس "نطالب بلجنة تحقيق دولية لضمان حقّ الشهداء".

كان آلاف المعتصمين يتجمعون أمام مقر قيادة الجيش منذ أسابيع طويلة مطالبين بحكومة مدنية وبحكم ديموقراطي بعد إطاحة الجيش بالرئيس عمر البشير في أبريل 2019. وفي ذلك اليوم، فتح مسلحون النار على المعتصمين وفضوا الاعتصام بالقوة، ما خلّف 128 قتيلا بين المتظاهرين، وفق تحالف الحرية والتغيير الذي قاد الاحتجاجات. بينما تتحدث الأرقام الرسمية عن مقتل 87 شخصا.

شكلت الحكومة الانتقالية التي تولت السلطة في البلاد في صيف 2019 بعد مفاوضات شاقة مع المحتجين لجنة تحقيق مستقلة في أحداث الثالث من يونيو 2019، لكن اللجنة لم تعلن نتائج عملها بعد.

عند مدخل منزل عائلة كشه الذي يبعد حوالى خمسمئة متر عن مقر قيادة الجيش ووزارة الدفاع، علّقت صورة لعبد السلام. ويقول الوالد الذي له ابنان آخران وابنة "نحن نرفض هذه اللجنة".

يتذكر مثل هذا اليوم من العام الماضي قائلا "أسرعت الى مكان الاعتصام بعد أن تلقيت اتصالات هاتفية عدة قالت لي إن ابني قد مات". وعثر على ابنه في وقت لاحق وقد أصيب برصاصات عدة في أنحاء جسده.

تقول آمنه بحيري، والدة عبد السلام، "لن نعفي عمّن أهدر دم الشهداء ولن نتنازل عن حقهم". وكانت منظمة العفو الدولية طالبت الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي بإجراء تحقيق دولي في أحداث الثالث من يونيو.

خرج العشرات الأربعاء في تظاهرة في شوارع الخرطوم على الرغم من منع التجمعات في إطار إجراءات الوقاية من فيروس كورونا المستجد، وحملوا صور الضحايا الذين سقطوا في عملية فض الاعتصام، وبينهم عبد السلام. وهتفوا "دم الشهيد ما راح لا بسينو نحن وشاح".

في سبتمبر 2019، شكل رئيس الوزراء عبد الله حمدوك لجنة مستقلة برئاسة المحامي الحقوقي المخضرم نبيل أديب. وكان من المفترض أن تقدم اللجنة تقريرها خلال ثلاثة أشهر، ولكنها طلبت في ديسمبر الماضي تمديد المهلة ثلاثة اشهر أخرى.

ويقول أديب لفرانس برس "لم تكن الأشهر الثلاثة كافية"، مضيفا "هذه جريمة فيها عدد كبير من المتهمين فضلا عن الملابسات السياسية" التي أحاطت بها. وأعرب عن أسفه لأن ثلاثة أشهر أخرى "ضاعت بسبب كورونا".

تكرّر آمنة وهي تنظر الى صور لابنها عرضتها داخل المنزل، فيما صوتها يختنق بالدموع "أنا غير معترفة بهذه اللجنة"، مضيفة ان هذه اللجنة "لن تأتي بحق الشهداء".

شخصيات نافذة
قال حمدوك في كلمة بثها التلفزيون الرسمي بمناسبة الذكرى "إنني أؤكد لكم جميعا أن تحقيق العدالة الشاملة والقصاص لارواح شهدائنا الأبطال (...) خطوة لا مناص ولا تراجع عنها".

يقول نبيل أديب "هذه جريمة بشعة حركت ضمير الشعب"، متابعا "الاتهام فيها قد يطال شخصيات نافذة"، من دون أن يذكر مزيدا من التفاصيل. ويشير الى إن اللجنة استمعت الى شهادات عدة، مؤكدا أنه تمّ إعطاء ضمانات للشهود بأنه لن يتم الكشف عن أسمائهم. يقول "استمعت اللجنة كذلك الى اتهامات بحصول حوادث اغتصاب في مكان فضّ الاعتصام".

قالت منظمة "فيزيشنز فور هيومان رايتس" (أطباء من أجل حقوق الانسان)، وهي منظمة غير حكومية تتخذ من الولايات المتحدة مقرا، في تقرير لها صدر في مارس، "الانتهاكات التي ارتكبت في الثالث من يونيو 2019 يمكن أن تكون جرائم دولية وتشمل جرائم ضد الإنسانية، ولا يجب أن تكون هناك حصانة" لمرتكبيها.

وقال التقرير إن الانتهاكات شملت "عمليات قتل وتعذيب واغتصاب وعنف جنسي واختفاءات وأعمالا أخرى غير إنسانية". واتهمت تقارير وعائلات ضحايا قوات الردّ السريع السودانية بتنفيذ العملية.

قال تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" في نوفمبر الماضي إن "أعداد القوات التي قادت عملية الهجوم على الاعتصام (...) يدلّ على أن الفضّ تمّ بتخطيط عمليّاتي رسمي".

في ذلك الوقت، كان مجلس عسكري تسلّم السلطة بعد سقوط البشير. وقد نفى بشكل قاطع تورط اي جهة أمنية أو عسكرية رسمية.
لكن والدة عبد السلام كشة تقول بإصرار "أنا اتهم كل المؤسسات العسكرية، لأنها هي من فضت الاعتصام".

لا يستبعد أديب إمكان إجراء محاكمات عسكرية لبعض المتهمين. ويقول "الاتهام أمام المحاكم الجنائية لا يمنع أن يتقدم المدعي العسكري بطلب لتقديم عسكريين الى محاكمات عسكرية". ويضيف "يجب أن تمنح اللجنة كل المساعدات، بما ذلك الزمن، حتى تنجح في تقديم اتهامات متماسكة".