تنادى سياسيون وأكاديميون وناشطون أردنيون للمشاركة في مداخلات وآراء على محاضرة عن بُعد للمؤرخ الدكتور علي محافظة بعنوان "القضية الفلسطينية في خطابات المغفور له الملك الحسين بن طلال 1953-1999".

وأكد الدكتور محافظة في الندوة التي رعاها منتدى الفكر العربي في عمّان أن خطابات العاهل الأردني الراحل تشكل سجلا حافلا بالأحداث التي عاشها الأردن وتبرز دوره الفعّال في المجتمع الدولي.

وتناول المحاضر أبعاد ومضامين تلك الخطابات كما تمثلت في المواقف الرسمية للأردن إزاء الأحداث والتطورات المتعلقة بالقضية الفلسطينية على الساحتين الإقليمية والدولية، عبر حوالي 46 عاماً من تاريخ هذه القضية.

مشاركون

وشارك في المداخلات عدد من أعضاء المنتدى والوزراء السابقين والأكاديميين والإعلاميين، الذين دعوا إلى إيلاء مواقف الأردن وقيادته وتضحياته من أجل فلسطين والحقوق الفلسطينية المزيد من عناية المؤرخين والكُتَّاب وتقديمها إلى الأجيال الجديدة كجزء من الدروس الحضارية والتربية الوطنية.

وأكدوا أن قسماً كبيراً من التراث السياسي للراحل الملك الحسين يعد تأريخاً حقيقياً للقضية الفلسطينية والدفاع عن حقوق شعبه في أرضه ودولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وأهمية وحدة الصف العربي في مواجهة التحديات التي تواجه الحل السلمي العادل والشامل.

وأوضح المُحاضر د. علي محافظة أن خطابات الملك الحسين بن طلال منذ توليه سلطاته الدستورية في الثاني من أيار (مايو) عام 1953، حتى وفاته رحمه الله، في السابع من شباط (فبراير) 1999، تعد سجلاً حافلاً بالأحداث التي عاشتها المملكة الأردنية الهاشمية خلال حكمه، وعرضاً للمواقف الرسمية منها، وتتضمن تحليلاً واعياً لها وسرداً دقيقاً للظروف التي واكبتها، وبياناً لتجربته في العمل السياسي، ومعالجة للعلاقات بين الدول العربيّة، وما اعتراها من قوة وضعف، وتشنج وانفتاح، وتضامن وتفكيك.

وحدة العرب

وقال د. محافظة: لقد اتسمت هذه الخطابات بالتوكيد على ضرورة وحدة العرب أمام قضاياهم المصيرية، باعتبار الوحدة العربية طريق النصر والعزة والحياة الأفضل. كما احتوت هذه الخطابات على دفاع الحسين عن قضايا العرب بعامة وقضية فلسطين بخاصة في المحافل الإقليمية والدولية وعلى الصعيدين الوطني والقومي، ويبرز من خلالها الدور الفعّال للأردن في المجتمع الدولي.

الدكتور علي محافظة والدكتور محمد أبو حمور

وأشار د. محافظة إلى أن قضية فلسطين كانت لدى الملك الحسين شغله الشاغل، والمسألة التي هيمنت على تفكيره طوال حكمه. وكثيراً ما أصيب بالإحباط، ولكنه ما يلبث أن ينهض من جديد يحدوه الأمل ويسعى إلى مستقبل أفضل، وإقامة سلام عادل وشامل يعيد للشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة، ويمكن اللاجئين من العودة إلى ديارهم وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

كلمة أبو حمور

وأدار المحاضرة وشارك في مناقشتها الوزير الأسبق والأمين العام لمنتدى الفكر العربي د. محمد أبوحمور، الذي أشار في كلمته التقديمية إلى أن الأردن بحكم علاقته التاريخية والجغرافية والمصيرية بفلسطين هو الأكثر تأثراً بكل التطورات المتعلقة بالقضية الفلسطينية وحالتي السلم والحرب كما أثبتت الوقائع والأحداث، وأن خطابات المغفور له الملك الحسين توضح الرؤية الواضحة والمستشرفة لجلالته التي أثبت التاريخ صحتها في أن أحد أهم مرتكزات الحل وترسيخ الحقوق الفلسطينية يعتمد على وحدة الصف العربي.

وأضاف د. أبوحمور أن حكمة جلالته في مختلف أطوار ومراحل القضية الفلسطينية وإدارة الصراع، والعملية السلمية وفق مبادىء وأسس عدم التفريط بالحقوق العربية والفلسطينية، كانت عاملاً مهماً في إبقاء القضية الفلسطينية قضية ضمير عالمي.

مداخلة طاهر المصري

وقال رئيس الوزراء الأسبق وعضو المنتدى السيد طاهر المصري في مداخلته : إن الراحل الملك الحسين كان مؤمناً بالهدف الوطني والقومي الذي ورثه عن جده الملك المؤسس عبد الله بن الحسين في ما يتعلق بفلسطين وقضيتها والقدس، كما كان مؤمناً بمبادىء النهضة والثورة العربية الكبرى، ويتصرف من هذا المنطلق تجاه هذه القضية المركزية بوصفه عربياً هاشمياً ووريثاً لهذه الثورة.

وأضاف المصري أن جلالته لم يكن يقبل الضعف والتخاذل وتحمّل كثيراً من الضغوط وأعطى موضوع القدس كل جهده، ويوم سقطت القدس كان يوماً عصيباً عليه. وظل جلالته يحاول ما وسعه الجهد مع الجانب الأميركي ثم الإسرائيلي ليستعيد القدس بأي ثمن، وكان يرى أن الاتفاق بين الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية يشكل ركيزة وأساساً للتوافق العربي وحل القضية.

وأكد المصري أن جلالته كان يتمتع بكاريزما مذهلة في العالم الذي احترم شجاعته وحكمته، وعند وفاته رحمه الله جاء ليشارك في جنازته ما يزيد على مئة من رؤساء الدول والقادة وكبار الشخصيات في العالم، وهي مشاركة غير مسبوقة حتى الآن دلَّت على مدى المكانة التي كانت للراحل الكبير في الأوساط الدولية.

تنوير الأجيال الشابة

وأكد مستشار رئيس جامعة فيلادلفيا للعلاقات الدولية ومدير مركز الدراسات المستقبلية فيها والوزير الأسبق عضو المنتدى د. إبراهيم بدران أهمية تنوير الأجيال الشابة بالمعرفة التاريخية حول جهود الأردن والراحل الملك الحسين في الدفاع عن فلسطين وقضيتها على مختلف المستويات، مُقترحاً أن تُعَد هذه المحاضرة كمستخلص للدراسة التي قام بها د. علي محافظة يوزع على طلاب المدارس والجامعات، نظراً لما تشتمل عليه المحاضرة من شرح للمواقف الأردنية كما مثلتها خطابات المرحوم الملك الحسين ودور جلالته الهام في السعي لاستعادة الحقوق الفلسطينية والعربية.

مداخلة الشلبي

واعتبر أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الهاشمية وعضو المنتدى د. جمال الشلبي أن دراسة د. محافظة لخطابات الملك الحسين تضع مواقف الأردن التاريخية في مكانها الصحيح وتسهم في إعادة الاعتبار لها، ولا سيما في ضوء ما يمكن أن يتمخض عن صفقة القرن وحالة التفكك الناتجة عن إفرازات الربيع العربي والمحاولات الإسرائيلية لقضم المزيد من الأراضي الفلسطينية والاستيلاء عليها. كما أن المحاضرة تلخص هذه المواقف المتقدمة تاريخياً وعروبياً وإنسانياً، وتضعها في سياقها الذي يشكل بوابة للمستقبل تمثل الرؤية والتحدي، فضلاً عن التمسك بالثوابت.

الفريق الخصاونة

وأشار رئيس اللجنة الوطنية للقانون الدولي والإنساني الفريق المتقاعد مأمون الخصاونة إلى أن المرحلة التي تناولها د. محافظة من أهم المراحل ليس في تاريخ القضية الفلسطينية وحسب، بل وفي التاريخ العربي الحديث وتاريخ المنطقة والأحداث على الساحة الدولية؛ مشيراً إلى أن جلالة الملك الحسين كان مهموماً بهذه القضية على مدى حياته، وكانت عنايته بالقدس ومقدساتها تمثل شرعية دينية وتاريخية للهاشميين في رعاية هذه المقدسات، كما أن الضفة الغربية كانت جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية بموجب وحدة الضفتين . وأشار أيضاً إلى أن الأردن أصابه ظلم شديد بسبب التفكك والتردد العربيين، لكنه لم يحد عن موقفه في الدفاع عن قضية فلسطين باعتبارها قضية عربية إسلامية.

فدوى نصيرات

وتناولت أستاذة التاريخ العربي الحديث في جامعة فيلادلفيا د. فدوى نصيرات أثر الخلافات العربية على مسار القضية الفلسطينية، وكذلك سوء الفهم الذي واجهته بعض المواقف الأردنية خلال فترات معينة، مما أدى إلى ضياع فرص استعادة الحقوق. وأوضحت أن اختلاف التفاسير بعد قرار الرباط أدى إلى تأخر التوافق في الجهود العربية.

وفي الختام، أشار الناشط السيد محمد خريسات إلى ما بدا أحياناً من افتقاد المفاهيم المشتركة بين الأردن وبعض الإخوة العرب، مما أدى إلى تعرضه للظلم قيادة وشعباً، في الوقت الذي كانت الفرص تضيع، ونعود في كل مرة إلى التأسي على ما فقدناه، داعياً إلى الاستفادة من دروس التاريخ لتعزيز وحدة الصف العربي.