ايلاف من لندن: اعتبرت منظمة حقوقية دولية الخميس قانونا لجرائم المعلوماتية يستعد البرلمان العراقي للتصويت عليه خنقا لحرية التعبير ويمنح الحكومة مزيدا من الأدوات لقمعها موضحة ان بعض مواده الفضفاضة قد تقود الى الاعدام.
وقالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الاميركية الدولية إن المشرعين العراقيين يستعدون حاليا للتصويت على مشروع قانون بشأن جرائم تقنية المعلومات يمكن استخدامه لخنق حرية التعبير. واشارت في تقرير لها تابعته "أيلاف" الى ان حرية التعبير تتعرض بذلك الى هجوم حقيقي في العراق.

احكام غامضة
واوضحت انه في 23 من الشهر الحالي انهى المشرعون مناقشة مشروع القانون تمهيدا للتصويت برغم من انه يتضمن أحكاما غامضة تسمح للسلطات العراقية بأن تعاقب بشدة التعبير الذي ترى أنه يشكل تهديدا للمصالح الحكومية أو الاجتماعية أو الدينية.
وقالت بلقيس والي باحثة أولى في قسم الأزمات والنزاعات في هيومن رايتس ووتش "يمنح هذا القانون السلطات العراقية أداة أخرى لقمع المعارضة في الوسيلة الرئيسية التي يعتمد عليها الصحفيون والنشطاء وعامة الناس للحصول على المعلومات وللنقاش المفتوح".
وحذرت من انه "إذا أقر البرلمان القانون فانه سيقوض المجال الضيق أصلا لحرية التعبير ويخنق النقاش والحوار العام على الإنترنت".

واضافت المنظمة انه في عام 2011 اقترح مجلس الوزراء العراقي "مشروع قانون جرائم المعلوماتية" على البرلمان وانها قد حذرت حينها من أنه سيُستخدم على الأرجح لتقييد حرية التعبير، في انتهاك للقانون الدولي وسيشكل تهديدا خطيرا للصحفيين والمبلّغين والنشطاء السلميين.
واوضحت ان مشروع القانون لم يمرر وقتها القانون حينها لكن البرلمان عاد مؤخرا لمناقشة المشروع نفسه والذي يشار إليه غالبا باسم مشروع قانون الجرائم الإلكترونية، والذي أعادت مجموعة من المشرعين عرضه على البرلمان عام 2019.

عقوبات مغلظة
ونوهت هيومن رايتس ووتش الى ان مشروع القانون ينص في مادته الثانية على أنه يهدف إلى "توفير الحماية القانونية للاستخدام المشروع للحاسوب وشبكة المعلومات ومعاقبة مرتكبي الأفعال التي تشكل اعتداء على حقوق مستخدميها.. وكذلك على عقوبات لاستخدام أجهزة الحاسوب فيما يتعلق بأنشطة مختلفة محظورة، مثل التلاعب بالمال والاستيلاء عليه (المادة 7)، وغسل الأموال (المادة 10)، وتعطيل الشبكة (المادة 14)، والتنصت والمراقبة بدون وجه حق (المواد 15 ب و16)، وانتهاكات الملكية الفكرية (المادة 21).
وشددت على ان هذا المشروع تنقصه الدقّة، حيث أنّ العديد من مواده تجرّم استخدام أجهزة الحاسوب فيما يتعلق بمجموعة واسعة من الأنشطة المحددة بشكل فضفاض، وكثير منها غير منظم، دون أي معايير محددة لما يمكن أن يشكل جريمة. كما اشارت الى ان هذه المواد تبدو متعارضة مع القانون الدولي والدستور العراقي وستحدّ بشكل خطير من الحق في حرية التعبير وتكوين الجمعيات.

مواد غامضة وفضفاضة
واضافت ان المادة 3 من القانون تنص على عقوبة تصل إلى السجن المؤبد وغرامة تتراوح بين 21 ألف و42 ألف دولار أميركي تقريبا لأي شخص يستخدم أجهزة الحاسوب والإنترنت قصدا لـ "المساس باستقلال البلاد ووحدتها وسلامتها أو مصالحها الاقتصادية أو السياسية أو العسكرية أو الأمنية العليا" أو "الاشتراك أو التفاوض أو الترويج أو التعاقد أو التعامل مع جهة معادية بأي شكل من الأشكال بقصد زعزعة الأمن والنظام العام أو تعريض البلاد للخطر".

كما تنص المادة 6 على نفس العقوبة بالسجن وغرامة لاستخدام جهاز حاسوب أو شبكة معلومات لـ "إثارة النعرات المذهبية أو الطائفية أو تكدير الأمن والنظام العام، أو الإساءة إلى سمعة البلاد"، أو "نشر أو إذاعة وقائع كاذبة أو مضللة بقصد إضعاف الثقة بالنظام المالي الالكتروني أو الأوراق التجارية والمالية الالكترونية وما في حكمها أو الإضرار بالاقتصاد الوطني والثقة المالية للدولة".

واوضحت المنظمة ان المادة 21 عقوبة تعاقب بالسجن لمدة عام على الأقل لكل من "اعتدى على أيّ من المبادئ أو القيم الدينية أو الأخلاقية أو الأسرية أو الاجتماعية أو حرمة الحياة الخاصة عن طريق شبكة المعلومات أو أجهزة الحاسوب بأي شكل من الأشكال". فيما تنص المادة 22 على عقوبة بالسجن وغرامة لكل من "أنشأ أو أدار أو ساعد على إنشاء موقع على شبكة المعلومات للترويج والتحريض على الفسق والفجور أو أية برامج أو معلومات أو صور أو أفلام مخلّة بالحياء أو الآداب العامة أو دعا أو روّج لها".
وقالت المنظمة انه نظرا إلى غموض هذه المواد ونطاقها الفضفاض، وكذلك شدّة العقوبات المفروضة "فانه يمكن أن تستخدمها السلطات لمعاقبة التعبير المشروع الذي تزعم أنه يشكل تهديدا للمصالح الحكومية أو الدينية أو الاجتماعية. كما قد يستخدمه المسؤولون لردع الانتقاد المشروع أو المعارضة السلمية للمسؤولين أو السياسيات الحكومية أوالدينية".

القانون يقود الى الاعدام
ونوهت الى انه إضافة إلى ذلك، يجرّم القانون المقترح "الترويج للأعمال الإرهابية" دون تعريف هذه الأعمال أو ما المقصود بـ "الترويج" فالإرهاب غير مُعرَّف بشكل واضح في القانون العراقي في وقت سبق ان حكم قضاة عراقيون على أشخاص بالإعدام والسجن المؤبد فقط لأنهم عملوا في مستشفى كان تحت سيطرة تنظيم داعش أو لأنهم نقلوا الماء إلى مقاتلي داعش في الخطوط الأمامية رغما عنهم.
واضافت المنظمة ان جهود تمرير مشروع القانون تأتي في وقت تتعرض فيه حرية التعبير بالفعل للهجوم في العراق .. وقالت انها اصدرت في حزيران يونيو الماضي تقريرا
عن تزايد عدد الملاحقات القضائية للصحفيين بموجب قوانين التشهير والتحريض في البلاد، بما فيه في اقليم كردستان.
قالت والي "أتيحت الفرصة لهذا البرلمان من أجل استخدام ولايته لتحسين حقوق العراقيين، لكن بدلا من ذلك يبدو أنه مستعد لممارسة سلطته لمنح الحكومة مزيدا من الأدوات لقمع حرية التعبير".
وكان البرلمان العرقي قد استجاب الاثنين الماضي الى الضغوط الواسعة لجهات اعلامية وقانونية رفضت مشروع قانون الجرائم الالكترونية الذي انهى البرلمان قراءته الثالثة الاخيرة قبل التصويت عليه وقرر اجراء تعديلات واسعة عليه لتراعي التوزان بين صيانة الحريات وبين حفظ الامن الاجتماعي العام.

وانهى مجلس النواب ‏قراءة ومناقشة قانون جرائم المعلوماتية المقدم من لجان الامن والدفاع والتعليم العالي والقانونية والثقافة والسياحة وحقوق الانسان والخدمات والاعمار والاتصالات والاعلام موصيا بالاستعانة بخبراء الجرائم الجنائية ومجلس القضاء الاعلى للاستشارة بمسألة العقوبات المنصوصة في القانون.

واكدت مداخلات النواب خلال مناقشة مشروع القانون على المطالبة بمراعاة التوزان بين صيانة الحريات وبين حفظ الامن الاجتماعي العام وضرورة التناسب بين الجريمة والعقوبة المحددة لها.