باريس: بدت الضربة المنسوبة لإسرائيل على إيران محدودة بشكل متعمّد، لكنها بعثت رسالة تحذير واضحة لقادة الجمهورية الإسلامية بشأن قدرة الدولة العبرية على استهداف مواقع حساسة.

خاض العدوان اللدودان حرب ظل على مدى عقود في الشرق الأوسط، نفّذت إسرائيل في إطارها عمليات سريّة داخل إيران بينما دعمت الأخيرة مجموعات مسلّحة مناهضة للدولة العبرية بينها حماس في غزة وحزب الله اللبناني.

لكن بينما يبدو أن مستوى التوتر الذي تصاعد في الأسابيع الأخيرة هدأ في الوقت الراهن، إلا أن حرب الظل دخلت مرحلة جديدة تحمل خطر التحوّل إلى نزاع مفتوح بين البلدين أكثر من أي وقت مضى، بحسب محللين.

جاء التصعيد الحالي على خلفية هجوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الذي نفّذته حماس في إسرائيل وأعقبته العملية العسكرية الإسرائيلية المتواصلة في قطاع غزة.

واتهمت طهران إسرائيل بتنفيذ مسؤولية ضربة جوية دمّرت مقر القنصلية الإيرانية في دمشق في الأول من نيسان (أبريل) وأسفرت عن مقتل سبعة من مسؤولي الحرس الثوري الإيراني.

ردّت إيران بتنفيذ أول هجوم مباشر في تاريخها على إسرائيل، واستخدمت فيه مئات المسيّرات والصواريخ، علما بأن إسرائيل وحلفاءها أسقطوا معظمها.

وفي ظل المخاوف من رد إسرائيلي كبير على ذلك الهجوم قد يؤدي بدوره إلى رد إيراني آخر، لجأت إسرائيل إلى خيار محدود استجابة للضغوط الأميركية.

"تذكير إيران"
وأفادت صحيفة "نيويورك تايمز" نقلا عن مصادر إسرائيلية وإيرانية بأن الهدف كان نظام الرادار التابع لمنظومة صواريخ "إس-300" الدفاعية التي حصلت عليها إيران من روسيا، والواقعة في قاعدة جوية في محافظة أصفهان حيث منشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم.

ورغم أن مصدر الضربة ليس واضحا بالكامل إلا أنها تمّت بصاروخ واحد على الأقل أُطلق من طائرة حربية لم تخرق الأجواء الإيرانية، ومسيّرات هجومية صغيرة تعرف بـ"كوادكوبتر" (أي مروحية رباعية) يحتمل بأنها قد تكون أُطلقت من داخل إيران وهدفت لإرباك الدفاعات الجوية، وفق ما ذكرت تقارير.

وتماشيا مع سياستها المعتادة، لم تؤكد إسرائيل أو تنفي تنفيذ الضربة على إيران أو هجوم الأول من نيسان (أبريل) في سوريا.

وقال المحاضر لدى جامعة كليمسون في الولايات المتحدة آرش عزيزي إن "هدف العملية كان بالتحديد تذكير إيران بما يمكن لإسرائيل القيام به".

أضاف أن "اختيار القاعدة العسكرية القريبة من أصفهان يحمل أهمية بالغة نظرا إلى أنها المصدر الرئيسي للدعم الدفاعي الجوي عن جميع المنشآت النووية في المحافظة".

واتهمت إيران إسرائيل منذ أعوام بتنفيذ عمليات تخريبية داخل الجمهورية الإسلامية عن طريق جهاز الاستخبارات (الموساد).

ولعل العملية الأشهر، وفق تقارير إعلامية أميركية، هي اغتيال العالم النووي البارز محسن فخري زاده عام 2020 باستخدام رشاش قام عملاء جهاز الاستخبارات الإسرائيلي بتجميعه داخل إيران، قبل أن يتم إطلاق النار منه عن بعد عقب مغادرتهم.

وبحسب بعض المنصات الإعلامية، بما في ذلك قناة "إيران إنترناشونال" التلفزيونية المعارضة للسلطات في طهران، فإن عملاء إسرائيليين احتجزوا عناصر من الحرس الثوري وحققوا معهم داخل الأراضي الإيرانية للحصول على معلومات استخباراتية.

كما تسري شكوك، بعد وقوع انفجارات غامضة في محيط مواقع حساسة، بأن إسرائيل نفّذت بالفعل هجمات بمسيّرات داخل إيران، وهو أمر لم يتم تأكيده قط.

"عتبة تم تجاوزها"
سعى المسؤولون الإيرانيون للسخرية من الضربة الإيرانية حتى أن وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان قال لشبكة "إن بي سي نيوز" الأميركية إن الأسلحة المستخدمة لتنفيذها كانت "بمستوى ألعاب" الأطفال.

في الأثناء، أشاد المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي بـ"النجاح" الذي حققته القوات المسلحة في الهجوم على إسرائيل.

لكن الخبير المتخصص بالشأن الإيراني لدى "معهد القدس للاستراتيجيات والأمن" ألكسندر غرينبرغ قال إن خيار إسرائيل للهدف كان بحد ذاته مؤشرا على تواجد الموساد داخل إيران.

وقال "رسالة إسرائيل هي أنه +بإمكاننا ضرب أي مكان في إيران+ نظرا إلى أن أصفهان تقع في وسط إيران، أي بعيدة نسبيا، وتعرف إسرائيل بالضبط أين يمكنها أن تضرب".

وأشار إلى أن عدم تأكيد إيران بأن القاعدة الجوية استُهدفت هو أمر منطقي، قائلا "لحظة اعترافك بالحجم الحقيقي للأضرار، تقر بقوّة العدو".

وأكدت هالي دغرس من مجلس الأطلسي للأبحاث أنه إذا كانت إسرائيل استخدمت فعلا مروحيات رباعية صغيرة في الهجوم، "فإن هذه المسيّرات الصغيرة أطلقت على الأرجح من داخل إيران".

وأضافت أن ذلك سيسلّط الضوء على "مثال آخر على تواجد الموساد ميدانيا وكيف أن إيران مسرحه".

وفيما يبدو أن مرحلة التصعيد الحالية انتهت، يمكن لإسرائيل أن تشن المزيد من الضربات الانتقامية ضد إيران. ويمكن لمنسوب التوتر أن يرتفع مجددا إذا أطلقت إسرائيل هجومها البري الذي تلوّح به منذ مدة طويلة على مدينة رفح في أقصى جنوب قطاع غزة.

وقال عزيزي "بطريقة ما، عدنا إلى قواعد اللعبة المطبّقة منذ ما قبل الأول من نيسان (أبريل): عالم المنطقة الرمادية والعمليات غير المنسوبة لأي جهة والتخريب".

وأضاف "يناسب هذا الوضع إيران وإسرائيل على حد سواء. لكن العتبة التي تم تجاوزها في الأول من نيسان (أبريل) ما زالت مهمة وتزيد المخاطر".