اتخذ رئيس سيراليون، جوليوس مادا بيو، عام 2019، خطوة جريئة بإعلان حالة الطوارئ في البلاد بعد انتشار جرائم الاغتصاب والعنف الجنسي.

الآن وبعد مرور خمس سنوات، تحاول بي بي سي الخدمة الأفريقية، من خلال هذا المقال معرفة إن كانت الناجيات من تلك الجرائم قد حصلن على العدالة المرجوة.

تحذير: يحتوي هذه المقال على تفاصيل قد يجدها بعض القراء مزعجة.

في مدينة ماكيني السيراليونية، على بعد ثلاث ساعات بالسيارة شرق العاصمة فريتاون، تجلس أم شابة خارج منزلها مع ابنتها البالغة من العمر ثلاث سنوات.

تصف أنيتا، وهو اسم مستعار، ذلك اليوم الذي وجدت فيه الدماء تقطر من حفاضة طفلتها الصغيرة، وكان ذلك في شهر يونيو/ حزيران 2023.

وتقول "كنت أعمل لدى امرأة، وقد كلفتني بمهمة صباح يوم، وكان يوم سبت، للذهاب إلى السوق". تركت طفلتها مع ربة عملها والتي يسكن معها ابنها البالغ من العمر 22 عامًا.

وتضيف أنيتا، 22 عامًا، "لقد أخذ طفلتي ليشتري لها الحلويات والبسكويت. وكان ذلك مجرد كذبة".
وعندما عادت، أدركت أن ابنتها مفقودة. وبعد البحث عنها لبعض الوقت، تمكنت من العثور عليها لكن الطفلة كانت تنزف. أخذتها مباشرة إلى المستشفى وبعد إجراء الإسعافات اللازمة، تأكد أنها تعرضت للاغتصاب.
وقالت "بدأت الممرضات بفحص الطفلة، وقلن: يا إلهي، ما الذي فعله هذا الرجل بهذه الطفله؟" حتى أن الطبيب الذي كان يعالج الطفلة بكى".

التحرش الجنسي: تحذير من تصاعد التحرش الجنسي بالأطفال على الإنترنت

هل باتت وسائل التواصل الإجتماعي ملاذا للنساء من العنف؟

ذهبت أنيتا إلى الشرطة لكن الشاب الجاني هرب ولم تتمكن الشرطة من العثور عليه منذ حوالي عام.

تقول أنيتا: "لقد وضع الرئيس قانونًا يقضي باعتقال كل من يغتصب الأطفال وإرساله إلى السجن"، لكنها غاضبة لأن أي إجراء لم يُتخذ تجاه الجاني حتى الآن.

وتقصد القانون شديد الصرامة بشأن الجرائم الجنسية، الذي وُضع قبل خمس سنوات، بعدما أعلن الرئيس مادا بيو حالة الطوارئ بسبب الاغتصاب.

ظاهرة العنف الجنسي في سيراليون
BBC
القوانين موجودة لكن السلطات تفتقر إلى الموارد اللازمة للتعامل مع هذه القضية

وجاء فرض حالة الطوارئ في أعقاب احتجاجات ديسمبر/ كانون الأول 2018 في العاصمة فريتاون عندما سار مئات الأشخاص الذين كانوا يرتدون قمصانًا بيضاء مكتوب عليها عبارة "كفوا أيديكم عن بناتنا".

وصدمت أنباء اغتصاب طفلة أخرى الشعب السيراليوني، إذ أُصيبت فتاة تبلغ من العمر خمس سنوات بشلل نصفي من الخصر إلى أسفل القدم. وأفيد في ذلك الوقت أن حالات العنف الجنسي تضاعفت تقريبًا في غضون عام واحد، وكان ثلثها يتعلق بالأطفال ما جعل الكيل يطفح بالسيراليونيين.

وسمحت حالة الطوارئ التي استمرت أربعة أشهر اعتبارًا من فبراير/ شباط 2019 للرئيس بتحويل موارد الدولة إلى معالجة العنف الجنسي.

وفرض قانون الجرائم الجنسية الذي وضعت عليه بعض التعديلات عقوبات أكثر صرامة على الاعتداء الجنسي.

وزيدت فترة العقوبة المتعلقة بأحكام الاغتصاب إلى ما لا يقل عن 15 عامًا، أو مدى الحياة إذا كان الأمر يتعلق بطفل. وأُنشئت محكمة نموذجية للجرائم الجنسية لتسريع المحاكمات في فريتاون في العام التالي.

ويبدو أنه أُحرز بعض التقدم عقب ذلك، إذ انخفضت حالات العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي المبلغ عنه بنسبة 17 في المئة تقريبًا، مما يزيد قليلا عن 12 ألف حالة في عام 2018، إلى ما يزيد قليلاً عن 10 آلاف حالة في عام 2023، وفق إحصاءات الشرطة.

الاعتداء الجنسي على الأطفال: عدم الإبلاغ عن جرائم الاعتداء يعد خرقاً للقانون الإنجليزي

إن خلق وعي متزايد وهيكلة جديدة شيء جيد، لكن التأكد من حصول الناس، مثل ابنة أنيتا، على العدالة، هو الشيء المطلوب.

وتعمل مبادرة رينبو، وهي مؤسسة خيرية وطنية، مع الناجين والناجيات من العنف الجنسي. وتقول إنه في عام 2022، وصل 5 بالمئة فقط من القضايا الـ 2705 التي تتولاها ووتعامل معها إلى المحكمة العليا.

ويعود ذلك لأسباب عدة، أحدها الموارد المتاحة لأولئك الذين من المفترض أن ينفذوا القانون.

وفي مركز الشرطة، الذي أبلغت فيه أنيتا عن تعرض ابنتها للاغتصاب، في مدينة ماكيني، يقول مسؤول الشرطة، أبو بكر كانو، الذي يقود وحدة دعم الأسرة، إنهم يتلقون بلاغات عن حوالي أربع حالات اعتداء جنسي على الأطفال كل أسبوع.

مسؤول الشرطة في مدينة ماكيني، أبو بكر كانو
BBC
مسؤول الشرطة في مدينة ماكيني، أبو بكر كانو "إن القيام بالشيء الصحيح في الوقت المناسب يمثل تحديًا"

والتحدي الكبير الذي يواجهه فريقه هو نقص وسائل النقل للذهاب واعتقال المشتبه بهم.

وينسق أبوبكر جميع أقسام الشرطة السبعة في المنطقة ولا يملك أي منها سيارة واحدة.

ويقول: "في بعض الأحيان يكون المشتبه به موجوداً، ولكن بسبب نقص المركبات، لا يمكنك الوصول إليه وإلقاء القبض عليه".

ويضيف: "إن القيام بالشيء الصحيح في الوقت المناسب يمثل تحدياً".

ومثل الكثيرين في سيراليون، فقد أعجب أبوبكر بالإجراءات الحكومية التي أعقبت حالة الطوارئ.

وقال: "لدينا ما يكفي من القوانين والسياسات الجيدة، لكن الهيكلة والموظفين يمثلون التحدي الذي يواجهنا لمعالجة قضايا العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي في سيراليون بشكل شامل."

وحتى لو ألقي القبض على الجاني المزعوم، فإن عرضه على القاضي يمثل تحدياً أكبر.

فمن أجل النظر بالقضية المرفوعة ضد المشتبه به في جريمة الاغتصاب، هناك شخص واحد فقط في البلاد يمكنه التوقيع على الوثائق - وهو المدعي العام. وكان الغرض من ذلك كله تسريع العملية وإحالة القضايا مباشرة إلى المحاكم، لكن هذا الوضع خلق مشكلة أخرى لتراكم القضايا.

يقول المستشار جوزيف أي كي سيساي، وهو محام تعينه الحكومة: "في الوقت الحالي، ليس من الممكن تكليف أي موظف قانوني آخر أو أي محام آخر بالتوقيع على لائحة اتهام بارتكاب جرائم جنسية".

ويضيف: "ينص تعديل عام 2019 على أن المدعي العام وحده هو الذي يمكنه التوقيع على لائحة الاتهام. لذلك فإنّ ذلك يشكل تحدياً عندما يتعلّق الأمر بتقديم لوائح الاتهام إلى المحاكم".

وزير الإعلام في سيراليون، تشيرنور باه
BBC
وزير الإعلام في سيراليون، تشيرنور باه "القوانين الجديدة أدت إلى شعور عام بأننا لسنا في الأيام الماضية المظلمة لعام 2019".

ويعترف وزير الإعلام في سيراليون، تشيرنور باه، بأن هذه الطريقة ليست مثالية، لكنه يقول إنها "عملية سنواصل تحسينها".
وفي معرض رده على السؤال الذي يعتقد الكثيرون أنه لم يغير سوى القليل عندما يتعلق الأمر بتحقيق العدالة للناجيات من الاغتصاب، أقر بأنه "في بعض المجتمعات يشعر الناس بهذا الشعور".
لكنه يرفض فكرة عدم إحراز أي تقدم.
ويقول "أعتقد أن الإصلاحات النظامية التي وضعناها موجودة. والقوانين الجديدة موجودة. وأعتقد أن هذه الخطوات أدت إلى شعور عام بأننا لسنا في الأيام الماضية المظلمة لعام 2019".

بالنسبة لأنيتا، في ماكيني، فقد مر عام تقريباً منذ تعرض طفلتها للاغتصاب.
ولم تتلقَ أي معلومات جديدة من الشرطة، لذا لجأت إلى نشر صورة المشتبه به المزعوم على فيسبوك. وتقول: "أريد أن يساعدني الناس في البحث عن الصبي. أنا معذبة ولست سعيدة. لا أريد ما حدث لطفلتي، أن يحدث لأي طفل آخر".