مصطفى عبد الرازق

لا يمكن للمرء إلا أن يعبر عن بالغ تقديره لذلك الموقف الشجاع الذي اتخذته جريدة laquo;إيلافraquo; الإلكترونية الأسبوع الماضي حينما أعلنت على صدر موقعها 14 نوفمبر الجاري وبلغة لا تقبل التأويل اعتذارها للشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة الإسلامية التونسية على مقال يمس به نشرته في قسم laquo;آراءraquo; ديسمبر الماضي تحت عنوان laquo;الخفاش التونسي مطرودا من المملكة العربية السعوديةraquo;.

هذا مثال يكاد أن يكون نادرا في الإعلام العربي حتى لو وصل الأمر إلى القضاء والتعويضات، فالكبرياء والإصرار على الخطأ سمة أساسية لعديد من وسائل إعلامنا تلفزيون أم إذاعة أم صحافة. نقول ذلك رغم ما قد يحاوله البعض من الإيحاء بأن ما أقدمت عليه laquo;إيلافraquo; يأتي تجنبا للموقف الذي وجدت فيه فضائية عربية نفسها فيه على خلفية قضية مشابهة مع الغنوشي كذلك، ونشرت laquo;إيلافraquo; تفاصيله 14 نوفمبر كذلك ولكن العام الماضي.

غير أنه بعيدا عن الاعتذار فإن موضوعه يثير العديد من القضايا بشأن النهج الذي أصبحت تلتزمه الكثير من وسائل إعلامنا العربية المعاصرة، وتمثل إيلاف تجربة محورية في القلب منه.

لقد نجحت إيلاف وسط laquo;زحمةraquo; من مثيلاتها الإلكترونية أن تشق لها طريقا جعلها قبلة الكثير من القراء العرب، رغم أنها بدت وكأنها تغرد خارج السرب، وقد يكون هذا السبب في الإقبال عليها. وهى في طريقها ذاك عملت على أن يكون لها مذاقها الخاص القائم على اللعب على مثلث التابوهات العربي laquo;الجنس والدين والسياسةraquo;، ولتحقيق ذلك تقدم توليفة قد تقبلها أو لا تقبلها، لكن لا بد أن تتابعها.

في محاولتها لبلورة هذا التوجه خرجت laquo;إيلافraquo; عن النص العربي كثيرا .. فهى وعلى عكس الكثير من نظيراتها، ورقية أم افتراضية، أصبحت ساحة لتقديم جرعة عالية عن الجنس، سواء على مستوى الموضوعات أم الصور، وبشكل مثل صدمة للقارئ العربي، الأمر الذي يعكسه مثلا فلسفتها في اختيار صور بالغة العري لفنانات عرب وأجانب على واجهة موقعها.

على المستوى الديني جعلت laquo;إيلافraquo; نفسها ساحة لكل ما هو غريب وشاذ ، على النحو الذي يدرجها البعض معه في عداد الإعلام العلماني الأصولي، ولعله من هنا جاء الخطأ المشار إليه والذي اقتضى الاعتذار من laquo;إيلافraquo; فهو يعكس الروح المشار إليها. والعودة إلى المقال الأصلي، بما يحويه من غل وحقد على الغنوشي، وغيره من رموز وقيم دينية، تثير الدهشة والتساؤل، إلى الحد الذي وصفته laquo;إيلافraquo; ذاتها بأنه يشتمل على عدد من الإدعاءات بالغة الخطورة وغير الصائبة، ما يكشف عن تحامل على الغنوشي الذي يمثل ـ اختلفنا أو اتفقنا معه ـ رمزا لتيار الاعتدال الاسلامي.

ورغم ما صادفته laquo;إيلافraquo; من نجاح على صعيد تجاوز ما تراه انتهاك التابوهات العربية وبشكل رئيسي الجنس والدين، إلا أنها يبدو أنها لم تصادف النجاح نفسه على المستوى السياسي، ويبدو أن ذلك قد يكون طبيعيا في ضوء أن laquo;تابوraquo; الجنس وlaquo;تابوraquo; الدين ليس لهما قوة مؤسسية تدافع عنهما، ما يؤكد أن تابو السياسة يتمتع بسطوة بالغة في عالمنا العربي بشكل يحول معه دون انتهاك أحد لحرماته مهما كان، ما يعني أن التخلي عن laquo;التابوraquo; أيا كان نوعه، أمر يتجاوز كل عربي حتى من يحاول المجازفة بتحقيق ذلك.. على نحو يصح معه إشهار مقولة: من كان منكم بلا laquo;تابوraquo; فليتقدم!

هذا مجرد رأي، قد يكون تأخر سبع سنوات في الاستجابة لدعوة ناشر laquo;إيلافraquo; إلى الحكم على تجربتها laquo;بصراحة وبكل ما يجب أن يقال وبتحكيم العقل قبل العاطفةraquo;، ، غير أنه يأتي في وقت نحن في أمس الحاجة فيه إلى المصداقية والتحلي بالمسؤولية الإعلامية .. وتلك هي المهمة التي نتمنى أن تقوم عليها laquo;إيلافraquo; وأخواتها، وقد قدمت باعتذارها مثالا ينبغي أن يحتذى.