واشنطن - سلامة نعمات

بعد ساعات من مقابلته التلفزيونية مع قناة laquo;العربيةraquo; الفضائية، وهي الأولى له بعد تنصيبه، أرسل الرئيس الأميركي باراك أوباما مبعوثه الخاص جورج ميتشل في أول مهمة laquo;استكشافيةraquo; إلى الشرق الأوسط، في مؤشر إضافي إلى أن الرئيس الجديد لن ينتظر حتى أواخر عهده، أو رئاسته الثانية، قبل أن يضع ثقله وراء تسوية سلمية تاريخية في الشرق الأوسط، كان فشل من سبقه إلى البيت الأبيض في تحقيقها.

واستبق أوباما جولة ميتشل في كل من الأردن وإسرائيل والأراضي الفلسطينية وتركيا ومصر والسعودية بمقابلته التي وصفت بأنها تمهد لمقاربة مختلفة للسياسة الأميركية في المنطقة تستند إلى laquo;المصالح المشتركة والاحترام المتبادلraquo;، على حد تعبيره. ويتضح من استهلال جولة ميتشل في المنطقة بزيارة القاهرة إلى أن أزمة قطاع غزة الإسرائيلية تتصدر اهتمامات جولته الحالية، وتستهدف إظهار وجه مختلف للإدارة الجديدة مقارنة بالإدارة السابقة التي اكتفت بالانحياز إلى الموقف الإسرائيلي. فبدلا من أن يبدأ ميتشل جولته بزيارة إسرائيل للاطلاع على موقفها قبل محاورة الأطراف العربية، فعل العكس، وهو ما يعتبر مصدرا للقلق لدى صانع القرار الإسرائيلي، الذي اعتاد من واشنطن استمزاجها رأي تل أبيب قبل إعلان أية مبادرة لتسوية النزاع.

وقال أوباما في لقائه التلفزيوني إن لبلاده مصلحة في استقرار العالمين العربي والإسلامي، وإن الاحترام المتبادل سيكون عنوان الحوار مع دول وقيادات وشعوب المنطقة. وأشار إلى أن بعض أفراد عائلته هم من المسلمين، وبأنه هو نفسه عاش في أكبر دولة مسلمة هي إندونيسيا، وأضاف: laquo;مهمتي هي أن أنقل لقيادات وشعوب المنطقة بأن الأميركيين ليسوا أعداء لكم رغم أننا نرتكب الأخطاء في بعض الأحيانraquo;.

ويعتبر احتمال عودة الوضع بين إسرائيل وقطاع غزة إلى الانفجار مجددا أول تحد خارجي للدبلوماسية الأميركية، خاصة أن التصعيد الأخير يأتي في وقت يتزامن مع جولة ميتشل.

ورغم التصريحات الإيجابية التي أطلقها أوباما عشية جولة مبعوثه الشرق أوسطية، فإن إدارة أوباما ستضطر في نهاية المطاف إلى أخذ قرارات قد ترضي بعد الأطراف وتغضب أخرى، ما يعني أن شهر العسل الحالي لن يطول، خاصة أن مواقف الأطراف العربية نفسها تتباين فيما يخص كيفية التوصل إلى تسوية قابلة للاستمرار بشأن النزاع بين إسرائيل وقيادة حماس في قطاع غزة، فضلا عن الدورين التركي والإيراني المختلفين إزاء النزاع العربي-الإسرائيلي، ناهيك عن الخلافات بين دول عربية مثل سورية، وهي متحالفة مع إيران، ومعسكر الاعتدال الذي تقوده كل من مصر والسعودية.

ويؤكد مسؤولون أميركيون أن دور ميتشل في هذه المرحلة هو laquo;الاستماعraquo; وليس طرح الموقف الأميركي من الأحداث الإقليمية، بانتظار عودته وإطلاع الرئيس ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون على الخيارات المتاحة. ولفت أوباما في مقابلته الأخيرة إلى أنه لا يمكن النظر إلى النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي بمعزل عن النزاع الإقليمي الأوسع بين تيارين، أحدهما تقوده إيران، ويضم سورية والتنظيمات المتطرفة مثل laquo;حزب اللهraquo; اللبناني وlaquo;حماسraquo; الفلسطينية، ومعسكر تتداول مصر والسعودية قيادته لجهة إيجاد حلول براغماتية بدلا من المواقف الإيديولوجية التي يتبناها المعسكر المضاد.

ولوح وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل باحتمال قيام بلاده بسحب مبادرتها السلمية التي أطلقتها في العام 2002، وتدعو إلى اتفاق سلام عربي شامل مع إسرائيل في مقابل انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في العام 1967. إذ لا يعقل أن تواصل السعودية التمسك بمبادرة تجاهلتها إسرائيل حتى الآن رغم ترحيبها بها من حيث المبدأ، ولا يستبعد أن يسعى ميتشل إلى إقناع الجانب الإسرائيلي بإعادة التعامل مع المبادرة السعودية بشكل أكثر جدية من السابق، إلا أن الانتخابات الإسرائيلية الشهر المقبل ستعني الانتظار إلى ما بعدها قبل أن يتم طرح أية مبادرات جديدة، علما بأن الاستطلاعات تظهر تقدم مرشح حزب الليكود اليميني المتطرف بنيامين نتانياهو على منافسته على رئاسة الحكومة وزيرة الخارجية الحالية وزعيمة حزب laquo;كديماraquo; الحاكم تسيبي ليفني.

وسعت إدارة أوباما عشية جولة ميتشل إلى خفض سقف التوقعات إزاء نجاح الجولة، معتبرة أنها استكشافية وتأتي في وقت في غاية التعقيد، فضلا عن ربط فرص التطور بشروط إقليمية غير متوافرة في هذا الوقت.

إلا أن جولة ميتشل تمثل امتحانا أوليا له ولدبلوماسية إدارة أوباما في منطقة ظلت عصية على الحل حتى بعد 17 زيارة قامت بها وزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس، دون تمكنها من إعلان نجاح واحد صمد طوال السنوات الأخيرة.