عبد الرحمن الراشد
حسن العلوي، الكاتب العراقي الذي قاد معركة الجدل ضد صدام في التسعينيات، لخص الأزمة في سؤال واحد، كيف للجار الخليجي أن يعيش مرفها في حين أن العراقي يعيش بائسا وهو الأكثر ثراء في موارده وقدراته؟
السؤال يطرح نفسه اليوم بإلحاح مع بداية تشكيل الدولة العراقية الحديثة، وخاصة بعد إذاعة نبأ مشروع تسلح كبير يهدف إلى إعادة بناء القوة العسكرية العراقية، بقيمة خمسة مليارات دولار.
وعطفا عليه تطرح أسئلة متصلة مهمة، مثلا لماذا يتسلح العراق اليوم وهو لا يزال بلا محطات ماء أو كهرباء أو مجاري؟ وما هي أولويات الإنسان العراقي؟ وبالتأكيد ما الدول المقصودة بالتسلح؟ هل لدى بغداد رغبة في أن تعود إلى عراق صدام، دولة قوية يهاب جانبها في الخارج لكنها خاوية من الداخل؟ أم أن المشروع العسكري العراقي بناء دولة قوية من الداخل مع قوة تحمي مكتسباتها من مؤامرات الخارج؟
من حيث المبدأ لا يستطيع أحد أن يناقش حاجة العراق، أو أي دولة في هذه المنطقة المضطربة، إلى بناء قوة دفاعية، والعراق بلد مستهدف بسبب ثرواته وموقعه. إنما السؤال عن طبيعة مشروع الدولة العراقية للحاضر والمستقبل القريب. فالأميركيون يرحلون ربما بعد ثلاثين شهرا فقط، مما يجعل بلاد الرافدين أرضا مفتوحة للمخاطر الخارجية تبدو واضحة من دراسة خريطة الجوار العسكرية والسياسية. الخطر المحتمل لا يمكن إلا أن يأتي من اتجاهات ثلاثة، إيران وتركيا وسورية، على اعتبار أن هذه الجبهات بقيت نشطة عسكريا خلال العقدين الماضيين. أما الأردن والكويت والسعودية فقد كانت أرضا مهددة دائما بالاكتساح العراقي.
ومهما ظهر من وئام بين العراق وإيران فإن الأيام المقبلة ليست دائما ثابتة بسبب تقلبات السياسة وصراحة المطامع الإيرانية التي ترى في العراق بلدا أغنى، وهضبة أعلى تطل على المنطقة. ويسهل لمن يسيطر على بغداد أن يهيمن على معظم المنطقة الحيوية في المشرق العربي. أما بالنسبة لتركيا فإنها ترى في شمال العراق مصدر خطر يجب استباقه كل فترة بالهجوم المتكرر على قواعد الثوار لإنهاء التململ الكردي في الأراضي التركية نفسها، مع تزايد الحاجة التركية للنفط العراقي. لذا سيستمر الحل العسكري التركي هاجسا مقلقا دائما للعراقيين. أما سورية فقد عرفت بأنه عبر حدودها تستورد الانقلابات والانتحاريين على مدى الأربعين سنة الماضية، لكنها لا تمثل بنفسها خطرا عسكريا كاملا.
خمسة مليارات دولار ليست بالمبلغ التسليحي الهائل أبدا، وهي الفاتورة الأولى. وستليها فواتير ومليارات أخرى على اعتبار أن العراق يبدأ الآن في بناء قوته من الصفر تقريبا، بعد أن أصبحت قوات صدام حسين حطاما تصلح فقط للبيع في سوق laquo;الخردةraquo;.
لم يسأل العراقيون في عهدهم الجديد عن أي عراق يريدون، دولة عسكر أم بلد مزدهر، النموذج الصدامي الإيراني أم النموذج الخليجي؟
التعليقات