محمد السعيد ادريس
انتهت الحرب على غزة وانتهت موجة الغضب العربية باستثناءات محدودة أبرزها ذلك المؤتمر الدولي الذي عقد في العاصمة المغربية الرباط منذ أيام قليلة لمناقشة الجرائم ldquo;الإسرائيليةrdquo; ضد الإنسانية، لكن الغضب الشعبي الحقيقي لا يزال يتولد في دول أخرى غير عربية وغير إسلامية ضد الجرائم ldquo;الإسرائيليةrdquo;، وهذه مسألة في حاجة إلى وقفة مع النفس نحاول بها فهم أسباب تلك الطبيعة ldquo;الموجبةrdquo; إن صحت التسمية لحالات النهوض والغضب العربية، لماذا تنحسر عملية النهوض العربي في شكل هبات أو انتفاضات أو موجات وتفتقد صفة الديمومة والاستمرارية، لماذا هذا النفس القصير في الأداء العربي عكس الشعوب والأمم الأخرى؟ لماذا نمضي في إضاعة المكاسب وتجاهل الانتصارات ونظل أسرى لأحزان الخسائر والهزائم والنكسات.
أسئلة فرضها ما يحدث الآن في بعض الجامعات البريطانية من ظهور لموجات جديدة من النشاط الجامعي ولدتها الحرب ldquo;الإسرائيليةrdquo; الأخيرة على قطاع غزة حيث احتل الطلبة عشرات المباني الجامعية في بريطانيا، وأرغموا الكثير منها على إعطاء الفلسطينيين منحاً دراسية أو قطع علاقاتها بشركات السلاح المرتبطة بrdquo;إسرائيلrdquo;. إضرابات الجامعات البريطانية المؤيدة للفلسطينيين امتدت إلى 21 جامعة نظمت معظمها عن طريق المدونات أو موقع ldquo;فيسبوكrdquo; للتعارف أو حتى الرسائل النصية على الهواتف.
ربما تكون هناك أنشطة أخرى مماثلة في دول أخرى غير بريطانيا، وربما تكون عطلات نصف العام في المدارس والجامعات العربية مسؤولة عن انحسار أو توقف النشاط الطلابي المناهض للكيان الصهيوني، لكن بشكل عام نستطيع أن نقول بأن حالة خفوت غير مبررة تسيطر على حركة الشارع السياسي العربي على الرغم من أن جريمة الحرب ما زالت قائمة ومستمرة.
ولم يعاقب المجرمون الصهاينة على جرائمهم بل إن أحداً منهم لم يقدم للمحاكمة، ولم تتوقف الغارات والاعتداءات ldquo;الإسرائيليةrdquo; على قطاع غزة، ويزداد التشدد ldquo;الإسرائيليrdquo; في محادثات القاهرة الخاصة بالتهدئة، وانحسر الاهتمام العربي الآن بمتابعة موضوعين: الأول نتائج الانتخابات البرلمانية ldquo;الإسرائيليةrdquo; ومداولات تشكيل الحكومة الجديدة في تل أبيب، والثاني، محادثات تجديد اتفاق التهدئة التي تجرى في القاهرة، والحدثان معاً ليست لهما أية علاقة بجريمة الحرب ldquo;الإسرائيليةrdquo; على غزة من منظور محاسبة ومحاكمة قادة الكيان وإحداث حالة نهوض سياسي عربي تجدد شرعية خيار المقاومة، وتضع مقومات حقيقية لتوجه سياسي عربي جديد هدفه هو استعادة الأرض المحتلة، وامتلاك القدرة على إحداث توازن الردع مع الكيان الصهيوني يجبره على دخول مفاوضات سلام عادل حقيقية وليس سلام استجداء.
كل هذا لن يحدث إلا بالتقدم في مسارين أولهما: إعلان خيار مقاومة عربي شرط أن يتحول إلى خطط واستراتيجيات عربية تحوِّل المقاومة من مجرد خيار سياسي إلى ممارسة عملية، وثانيهما: خوض معارك سياسية واضحة ضد الكيان الصهيوني تحاصره وتفرض عليه الخضوع للشرعية الدولية من خلال فتح مجموعة ملفات مهمة، أبرزها ملف حدود الدولة اليهودية كما هو منصوص عليه في قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة في 29/11/1947 ويحمل الرقم 181 ومطالبة الأمم المتحدة بتفعيل هذا القرار وإجبار ldquo;إسرائيلrdquo; على الانسحاب إلى الحدود التي قررها قرار التقسيم، إضافة إلى ملف قرار الأمم المتحدة بتصفية الاستعمار وهو القرار رقم 1514 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1960 تحت عنوان ldquo;إعلان تصفية الاستعمارrdquo;. أما الملف الثالث فهو ملف القرار الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ويحمل الرقم 3379 لعام 1975 الذي نص على أن ldquo;الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصريrdquo; وهو القرار الذي تراجعت عنه الأمم المتحدة بسبب الضغوط الأمريكية العام 1991 في غمرة الدعاية لمؤتمر مدريد للسلام من دون أي رفض أو مقاومة عربية.
المطلوب الآن إعادة فتح هذه الملفات جنباً إلى جنب مع ملفات جرائم الكيان ضد الإنسانية والمطالبة بمحاكمة قادته، والعودة مجدداً إلى إحياء المقاطعة العربية ليس فقط ضد الكيان، بل ولكل من يدعمه من دول وشركات ومنظمات، وهذه كلها هي بداية مشروع المقاومة العربية.
- آخر تحديث :
التعليقات