محمد بن عبداللطيف آل الشيخ
في الستينات والسبعينات من القرن الميلادي المنصرم كان مجرد أن (تُعَير) بأنك عميل لأنظمة خارجية، تعتبر خيانة يتبرأ منها بنو يعرب، ويأنفون منها، وربما وصل الأمر بين المتهِم - بكسر الهاء - والمتهَم - بفتحها - إلى التقاضي في المحاكم، ومع انتصار الثورة الخمينية، وتنامي الحالة الطائفية، أصبح هناك وكلاء رسميون، يفاخرون بأنهم ينتمون إلى الطائفة، التي تأتي في سلم الانتماءات قبل الانتماء الوطني. حسن نصر الله الذي يتربع على قمة حزب الله (نظرياً)، مثال لهذه الحالة الطائفية، التي تكتنفها (العمالة)؛ فهو يفاخر بأنه (عميل) لإيران، وأنه يُسلم (الخمس) إلى الولي الفقيه، ويستلم منه حصته عداً ونقداً، ويصرفه كاملاً في خدمة المقلدين، ومقابل التمويل يأتمر بأمر أسياده في طهران، ويُجند اللبنانيين لخدمة مشاريع إيران، ويسوقهم للحروب والمؤامرات كما تساق النعاج، ويرسلهم في كل أنحاء الأرض لتكوين الخلايا، وتدريبها، وتفجير الأوضاع، وهز الاستقرار، ليجني الملالي في إيران (الغلة) في نهاية المطاف. والخلية التي قبض عليها المصريون مؤخراً، والتي اعترف حسن نصر الله بتبعيتها لحزب الله، تشير بكل وضوح إلى أن (العمالة) إذا لبست لباس (الطائفة) تلغي مفهوم العمالة عند بني يعرب، فلا قيمة للأوطان إذا تعارضت مع مصلحة الطائفة، فالطائفة ومصالح الطائفة داخل لبنان وخارجها أولا، وهذا - بالمناسبة - ما تقوم عليه فلسفة حزب الله.
الجوع كافر، قالها أحد اللبنانيين الشيعة، عندما سألته: كيف يقبل اللبناني (الشيعي) أن يقاتل، ويلقي بنفسه في التهلكة نيابة عن الآخرين. الإيرانيون استغلوا جوع اللبنانيين، وتشرذمهم الطائفي، وضعف الشعور بالمواطنة، وأنشؤوا لتمرير مشاريعهم كياناً حزبياً (طائفياً) في منتهى القوة والتماسك والتنظيم، يشرفون هم وليس نصر الله على صرف كل دولار فيه، ثم وظفوا (الطائفية) في لبنان لخدمة مشاريعهم في المنطقة. حسن نصر الله ليس قائداً لحزب الله الإيراني، وإنما (أجير) يستلم من إيران أجرته، لا يصنع سياسة الحزب، ولا حتى يشارك في صناعتها، وإنما تأتيه الطبخة جاهزة من إيران، وما عليه إلا التنفيذ. الصرف المالي في الحزب لا علاقة له به، فلا يستطيع أن يتصرف ولو في دولار واحد، الذي يدير الشأن المالي في الحزب (الحرس الثوري) الإيراني؛ الأمر الذي جعل هذا الحزب يؤدي دوره بأقل قدر من السلبيات، وعلى أفضل وجه من الانضباط، على اعتبار أن دوره (الرئيس) خدمة مشاريع إيران التوسعية في المنطقة. نجاح (حزب الله)، وسر تفوقه في لبنان، أنه يعمل بعيداً عن (الفساد المالي) و(العمولات)، وكذلك بعيداً عن الفساد السياسي، فكل دولار يدفعه الإيرانيون يجري استثماره لخدمة مشاريعهم السياسية على أفضل وجه؛ فلم يعرف عن أساطين حزب الله الغني، ولم يشتهر عنهم الاستمتاع بالحياة المرفهة التي يحفها البذخ والثراء الشخصي من كل جانب، كما لم يعرف عنهم أنهم يخرجون ولو سنتيمتراً واحداً عن خدمة المصالح التوسعية الإيرانية.
أن تواجه مشاريع إيران التوسعية في المنطقة، وتحدياً في لبنان، يجب أن تراهن على الجواد المؤهل على (منافسة) حزب الله في مضمار السباق؛ فالصراع السياسي لا يعترف بالعواطف، ولا بالمحسوبيات، ولكن بالقدرات والإمكانيات الموضوعية، وبمن يوظف (القادر) على المنافسة في حلبة الصراع، ابتداء بالقدرة على (الخطابة) والإقناع كما يفعل نصر الله، مروراً بالانضباط الأيديولوجي، وانتهاء بإدارة العمل المؤسسي السياسي المنظم. هذه النقطة بالذات هي التي قادت حزب الله إلى التفوق، وإلى تملك الساحة اللبنانية، في حين خسر منافسوه. إلى اللقاء.
التعليقات