إياد علاوي
يمر العراق بواحدة من أصعب مراحله التاريخية التي من الممكن أن تغير مسار العملية السياسية من جهة، ومسار علاقة المواطن بالدولة، من جهة ثانية. ولعل أهم ما يحتاجه العراق والعراقيون اليوم بناء مؤسسات الدولة القائمة على الحرفية والكفاءة والنزاهة والولاء للوطن وليس للجهة، وإقامة علاقة راسخة بين المواطن ودولته، تلك العلاقة التي تعرضت إلى التهميش على مدى ما يقرب من أربعة عقود من الزمن، وفي الوقت ذاته تعرض المواطن ذاته إلى المصادرة بسبب السياسات الديكتاتورية، وأن تقوم هذه العلاقة على عملية سياسية متوازنة وشاملة.
من هنا ننطلق في تأكيدنا على أهمية بناء مؤسسات الدولة، وأن يكون العراق دولة مؤسسات متكاملة، من خلال حكومة تضع نصب أعينها احترام المواطن، وأن تكون بخدمته، فالدولة لا يمكن لها أن تطلب من مواطنها الانتماء إليها ما لم تعزز علاقتها به، وأن توفر له الأمن والحياة الكريمة والخدمات الأساسية، بغض النظر عن المذهب أو الدين أو العرق أو الانتماء السياسي، وهذا ما كنا قد طرحناه في برنامجنا الانتخابي الذي نحن حريصون على تطبيقه، والذي يتركز في نقاط أساسية واضحة تعالج الأزمة الراهنة في العراق، ومنها موضوع مجتمع العدالة والرفاهية، والذي يعتمد على تحقيق وتوفير الخدمات للمجتمع العراقي، ومنها الماء والكهرباء والخدمات الصحية والتعليم والنقل، وتقليص البطالة جهد الإمكان، وتوفير فرص العمل للعراقيين، وتوفير السكن، ويعتمد مشروعنا في تحقيق مجتمع العدالة على الابتعاد والخروج من الطائفية السياسية، وتبني العدالة في المجتمع لكل العراقيين بشراكة حقيقية، وأن يأخذ القضاء مجراه في التعامل مع القتلة والإرهابيين. أما الجانب الآخر من برنامجنا فهو النهوض بالجانب الأمني والعسكري بما يضمن سيادة ووحدة وأمن العراق، وأن يكون له جيش قوي يدافع عن الوطن، ومؤسسات دستورية راسخة باستطاعتها حماية الديمقراطية. هذا هو ملخص برنامجنا الذي نحن جادون على تنفيذه.
إن المواطن العراقي يحتاج لأن تصان كرامته وحياته وحريته، وأن يحيا من دون عوز، فهو يحتاج العمل والسكن والدراسة والطب، وغيرها من الخدمات، وهو بحاجة أكبر إلى العدل وسيادة المؤسسات القانونية ليشعر بأنه في عراقه، وأن العراق كله له، عراق للجميع من غير أن نحرم أي مواطن من عراقيته. نحن عملنا وسنبقى نعمل من أجل عراق يتسع لنا جميعا، هكذا وجد، وهكذا يجب أن يبقى، ومن دون ذلك لا يتعزز شعور المواطنة الحقيقية لدى العراقي. هذا هو ما نحن جادون بتحقيقه بكل وضوح وبساطة، لأننا نعتقد أن العملية السياسية هي في النهاية يجب أن تصب في خدمة الشعب العراقي.
إننا نعتقد أن استحقاقات المرحلة القادمة تختلف عن الاستحقاقات السابقة، لهذا يجب أن توضع النقاط على الحروف في موضوع التوجه إلى الأمام، وعلينا أن نحسم معا هل نحن وطنيون أم أننا نؤمن بالطائفية السياسية؟.. هل نحن وطنيون أم نؤمن بتسييس الدين؟.. هل نحن وطنيون أم أننا نؤمن بتقسيم العراق إلى قطاعات وكانتونات؟ هل نريد عراقا ديمقراطيا وحقيقيا ولكل العراقيين أم نريد عراقا يهمش أجزاء واسعة من المجتمع العراقي؟.. من سيكون معنا يجب أن يؤمن بخطنا الوطني، ويعمل من أجل عراق لكل العراقيين، بعيدا عن المحاصصة الطائفية وتسييس الدين وتهميش الآخرين.
إننا نعمل من أجل تعميق عراقية العراقي الذي تحمل طوال سنوات كثيرة المصاعب والظلم والحروب، ويأتي ذلك من خلال تشكيل حكومة وطنية تؤمن أولا وأخيرا بمواطنيها واحترام الكفاءات العراقية والطلبة والشباب، والاهتمام بمستقبل العراق الذي يتجسد في رعاية الطفولة والانصراف إلى الاستفادة من طاقات الشباب وإمكانياتهم الهائلة في التفكير والإنجاز المبدع، ويأتي في مقدمة كل هذه الشرائح الاهتمام بالمرأة العراقية التي تحملت الكثير من المتاعب، وقدمت تضحيات جسام تضعها تاجا على رؤوس كل العراقيين.
لقد همشت الأنظمة السابقة دور وطاقة المرأة العراقية وعموم قوى الشعب وسخرتها لخدمة السلطة واستمرارا لها، لهذا ستأتي مسألة أن يكون الشخص المناسب في المكان المناسب، وأن يستفيد البلد من كفاءاته الوطنية الموجودة في الداخل والمهاجرة، والتشديد على عودتها إلى وطنها لتعمل في مؤسسات محترفة ومهنية، ومهما كان انتماؤها القومي أو الديني أو السياسي، بشرط أن تتمتع بروح المواطنة العراقية، لتعيش بكرامة، في بلدها، وهذا من أولويات ما نحرص على تحقيقه.
لقد أوضحنا ومنذ ما قبل الانتخابات التي شارك فيها العراقيون بروح شجاعة بأن هذه الانتخابات ستؤدي إلى حدوث تغييرات مهمة، وأن تنعكس نتائجها إيجابيا على جميع العراقيين، وأكدنا على أهمية نزاهة هذه الانتخابات التي من الممكن أن تقود إلى نتائج ومفاجآت، لعل من أهمها انحسار التيار الذي يسيس الدين والمذهب، ويعتمد الطائفية السياسية مقابل نهوض وتقدم التيار الوطني المدني.
وللأسف أن عملية الانتخابات تعرضت إلى الكثير من الخروقات، خروقات سبقت قيامها، وأخرى خلال قيامها، وخروقات أخرى حدثت وتحدث بعد حصولها، مما أدى إلى مصادرة أصوات وإرادة العراقيين. وقد ساهمت الحكومة، التي اعتبرت بقية القوائم منافسة لقائمتها، بأعمال بعيدة كل البعد عن النزاهة والشفافية، بدءا بإجراءات إقصاء المرشحين، والاجتثاث التي تمثلت بقرارات هيئة المساءلة والعدالة غير القانونية، ومرورا بحملات تشويه سمعة القائمة العراقية وتضليل الشعب بالأكاذيب والتهم الكاذبة والباطلة من خلال إلقاء منشورات من طائرات هليكوبتر لا تتوفر إلا لدى السلطة الحاكمة، وحملات المداهمات والاعتقالات الواسعة في صفوف مرشحي القائمة العراقية وأنصارها، واستخدام المال العام للدعاية الانتخابية لصالح حزب وقائمة متنفذة حكوميا، وليس انتهاء بالتفجيرات التي حدثت صبيحة يوم الاقتراع في مناطق تناصر وتؤيد قائمتنا، ومن ثم انتشار القوات العسكرية الحكومية في أحياء مثل الأعظمية، ومداهمة بيوت من انتخب العراقية واعتقالهم، وكان يجب أن تسير عمليات الاقتراع وفرز وعد الأصوات بشفافية تعبيرا عن احترامنا لشعبنا.
ومع ذلك نحن متفائلون بأن أصوات العراقيين تحمل قوة وإصرار إرادتهم على التغيير لبناء عراق قوي وآمن من خلال تمتعه بجيش وقوات أمنية مهنية غير مسيسة ومنحازة إلى العراق والعراقيين فقط، ومهمتها الوطنية حماية البلد وشعبه من التدخل الخارجي، واعتماد سياسة خارجية واضحة قوامها الأساسي بناء شبكة من المصالح المشتركة والمتوازنة مع دول المنطقة العربية والإسلامية، واحترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وحل المشكلات بالحوار، وإغلاق الملفات الساخنة، وتكوين محور اعتدال مقتدر في قلب الشرق الأوسط الكبير والتي من شأنها حماية العراقيين وأبناء المنطقة من شرور الإرهاب والقتل والدمار. وللأسف فإن الحكومة لم تكن واضحة وصادقة وواقعية عندما أطلقت التصريحات، وتحدثت عن استعداد القوات المسلحة والقوات الأمنية لتحمل مسؤولياتها الأمنية لدى مصادقتها على المعاهدة الأمنية مع الولايات المتحدة الأميركية. ونحن نبهنا إلى ذلك منذ وقت مبكر، وأنا شخصيا، ويتذكر ذلك زملائي في القائمة العراقية، وخلال مباحثاتنا مع الجانب الأميركي فيما يتعلق بالاتفاقية الأمنية، كنت واضحا في طرح موضوع أهمية استعداد القوات العراقية والقوات الأمنية لتحمل الاستحقاقات الأمنية، وأن تكون على درجة عالية من الكفاءة والجاهزية، وإذا لم يتوافر ذلك إلى جانب تحقيق وثيقة الإصلاح السياسي والاستفتاء الشعبي على الاتفاقية وخروج العراق من الفصل السابع ليتمتع العراق بسيادته الكاملة وحفظ أمواله في الخارج، فإن هذه الاتفاقية ستكون ناقصة.
إن العراق لن يكون معافى وهو بعيد عن محيطه وعمقه العربي والإسلامي، فالعراق اليوم يعتبر أن كل دول الجوار هي دول معادية له، فالحكومة ضد تركيا، وضد سورية والأردن، والسعودية، وهذه مسألة يؤسف لها حقا، هذا من جانب.. ومن جانب آخر أصبح الانتماء العربي في العراق معيبا، وصارت مسألة من يدعي أنه ينتمي إلى العرب وهو جزء من العرب جريمة أو تهمة، في الوقت الذي أنا أؤمن فيه بأن قوة العراق من قوة المنطقة العربية والإسلامية، ونحن نأسف لابتعاد العراق عن محيطيه العربي والإسلامي وضعف دوره الدولي.
لقد عملنا، وسنبقى، من أجل بناء علاقات متوازنة مع أشقائنا العرب وجيراننا في المحيط الإقليمي، ونحن موقفنا واضح مع العلاقات الجيدة والمتوازنة المصالح مع تركيا وإيران ودول الجوار والعالم. وأشير هنا إلى أن هناك دعوة لي، حسبما أخبرت، لزيارة إيران، وأخبرت الجانب الذي حمل لي الدعوة أني سأعمل على ذلك بعد الانتخابات، بغض النظر عن نتائج هذه الانتخابات. وإنني أبحث عن سياقات مقبولة من الكل تضع كل الملفات العالقة للنقاش والحل، سواء كانت ملفات عراقية - إيرانية أو عربية - إيرانية لتصل بالتالي إلى تصورات واضحة في تكوين نظام إقليمي متوازن يحمي الكل ويؤدي إلى الاستقرار من جانب، وتحقيق النمو من جانب آخر من خلال توسيع دوائر الاستفادة الاقتصادية والمالية لدول المنطقة التي لا تمتلك الثروات الكافية لسد حاجة شعوبها، وتقليص البطالة وإعداد قواعد مهمة لزيادة الدخل الإجمالي والدخل القومي للشعب، والعلاقات مع العرب وإيران في مواقعها السليمة والصحيحة.
التعليقات