جميل الذيابي


منذ دعوة العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في قمة laquo;الرياض - الخليجيةraquo; الماضية، إلى الانتقال من مرحلة التعاون إلى الاتحاد، ودول المجلس تلتزم التعتيم الإعلامي في توضيح مواقفها، وأمانة المجلس تلوذ بالصمت!

اللجان المنبثقة والمشكّلة بناء على قرار القادة اجتمعت نحو ثلاث مرات، ويبدو أنها لم تفعل شيئاً سوى الهروب من الحديث إلى الصحافة لعدم تقدمها بقدر تأخرها، بسبب البيروقراطية الظاهرة في الممرات الخليجية، إضافة إلى خشية بعض دول المجلس من اتخاذ قرار كبير كهذا حتى وإن رحّبت به، هناك دولتان راغبتان علناً إلى جانب صاحبة المبادرة السعودية هما قطر والبحرين، وتدفعان نحو تشكّل منظومة كونفيديرالية خليجية.

المواضيع الخليجية التي تم الاتفاق عليها بشأن الوحدة لم ترَ النور حتى اليوم على رغم مرور سنوات طويلة على إقرارها، ما عدا ما يتصل بالعمل الأمني والعسكري الذي ينجح في تعزيز التعاون وتمرير المعلومات! التعرفة الجمركية لا تزال تواجه متاعب ومصاعب. العملة الخليجية تتقهقر وتتأجل وخرجت منها مسقط وأبوظبي.

سلطنة عمان لا ترغب في الانضمام للاتحاد. ودولة الإمارات راغبة ومترددة. ودولة الكويت تعيد القرار إلى مجلس الأمة ودستور البلاد.

تواجه الأنظمة الخليجية تحديات وصعوبات واستحقاقات عدة، يتطلب تجاوزها بالتجاوب معها، إلا أنه على رغم ذلك لا تزال حركة تفاعل الحكومات مع شعوبها بطيئة.

لا شك في أن مبادرة laquo;الاتحادraquo; حرّكت حلم شعوب الخليج، حتى على رغم عدم الأخذ برأيها، لإدراكها بأنه ضرورة مستقبلية، ولكونه خياراً استراتيجياً، وبوابة نحو مستقبل أفضل، وقد عبّر كثيرون بأن في ذلك قوة ووحدة لمواجهة المشكلات والصعوبات والتحديات التي تواجه دولاً غنية تجمعها قواسم مشتركة عدة.

في الشهر المقبل (كانون الأول/ ديسمبر)، تستضيف مملكة البحرين التي تشهد توتراً داخلياً منذ عامين، القمة الخليجية الـ33 للقادة، وربما هي القمة الأولى التي تعقد في ظل أوضاع أمنية داخلية غير مستقرة في بعض دول المجلس، وفي مقدمها البحرين والكويت. التقرير الذي صدر عن اللجنة المستقلة لتقصّي الحقائق في البحرين، برئاسة بسيوني، أكد في بعض فقراته وجود حالات اعتقال تعسفي، وفصل لموظفين وطلبة على خلفية المشاركة في التظاهرات، وتعدٍّ على القانون في أساليب القبض ومعاملة الموقوفين. كانت الآمال بتصحيح الأوضاع، لكن البحرين اتخذت أخيراً قراراً غير موفق ولا إنساني بسحب الجنسية من 30 معارضاً، في خطوة ستزيد من الغضب الشعبي والاحتقان.

كما أن الأوضاع في الكويت متوتّرة، ولا تزال الخلافات تراوح مكانها. وأخيراً اتسعت الهوة بين الحكومة الكويتية والمعارضة، وخرج عشرات الآلاف في تظاهرات سلمية مطالبين بإلغاء مرسوم تعديل القانون الانتخابي، واجهتهم الأجهزة الأمنية برد فعل عنيف، ما قاد إلى التأزيم ومقاطعة الانتخابات وارتفاع سقف مطالب المعارضة رداً على تعامل الحكومة. ومن الواضح أن حال التوتر ستظل قائمة حتى الوصول إلى آلية وطنية توافقية تبدّد الخلاف وتزيل أعراض التشنج بين المعارضة والحكومة. كما أن الأوضاع في سلطنة عمان والإمارات ليست على ما يرام أيضاً!

فيما تواجه المملكة العربية السعودية تحديات كبيرة داخلية وخارجية، أبرزها وجود جيل من الشباب تصل نسبته إلى 60 في المئة من سكان البلاد، لديه تطلعات صريحة ومطالب علنية بالإصلاحات والحريات والدفع بالاستحقاقات إلى الأمام.

اعتقد أن الأوضاع في دول الخليج تزداد تعقيداً، في ظل المتغيرات الداخلية والإقليمية المتسارعة، وما مراوحة بعضها في مواقعها من دون حلحلة القضايا الداخلية وتبنيها كأولوية إلا مراكمة للمشكلات ستصل بها إلى فوهة الانفجار والانحدار!

الأكيد أن الحلول ليست صعبة إلا لمن يريد أن تسير العربة بلا خيول برغبة تصعيب الحلول وتفويتها. فالتحدي الأكبر أمام الدول الخليجية لا ينبع من التهديدات والتدخلات الخارجية ومشكلة الأمن الإقليمي فقط، بل الأولى بالحلول العمل على تحصين الداخل، والاستجابة للمطالب والاستحقاقات الشعبية، وتسريع عملية الإصلاح السياسي، وبناء دول مؤسسات قوية، قادرة على التعامل مع المتغيّرات وفق صيغ زمنية عملية، رأس حربتها الحقوق وتفعيل المشاركة الشعبية، فتلك ضرورة استراتيجية للتكامل الرسمي والشعبي في ظل تزايد حالة الاستقطاب الإقليمي وحجم الإحباطات الشعبية، بالابتعاد عن منطق التأجيلات وتعليقها على شماعة المخاطر والتحديات، فالشعوب ناضجة وواعية، وقد حفظت laquo;خليجنا واحد.. مصيرنا واحدraquo; منذ 33 عاماً!