تركي الدخيل

امع كل حدث يجري في المنطقة تعلو نبرة الاصطفاف، وتظهر حالات الفرز، وتغطى الثنائيات الحادة على الحوارات بكل أشكالها. تتكرر الثنائيات كثيراً بنفس الشكل وإن اختلف المضمون. في حرب يوليو (تموز) 2006 بين حزب الله وإسرائيل جاءت الثنائية الحادة، من لم يكن مع حزب الله فهو مع إسرائيل. ينسون أن ثمة مواقف تفصيلية، كان البعض - ولهم الحق - يقولون نحن ضد ممارسات حزب الله ولكننا مع الشعب اللبناني ونتضامن مع الضحايا ونرى أن المجازفة جاءت من حزب الله حين تحرّش بإسرائيل، كان موقف السعودية وبعض الدول العربية عقلانياً حين انتقدت quot;المغامرات غير المحسوبةquot; وهذا موقف سياسي حقيقي، لنتخيل أن الصومال ستطلق صواريخ على إيطاليا بالتأكيد سيكون الرد ساحقاً لفارق القوة بين الدولتين.

حركة حماس ليست معصومة هي الأخرى، فهي تمارس الكثير من الأخطاء، وتسهّل على إسرائيل إجرامها وتوجد بما تمارسه الكثير من الذرائع لإسرائيل أن تضرب غزة. تكرر هذا في أكثر من حدث وهذا الذي يجري الآن، هناك ممارسات quot;حمساويةquot; تغامر بدماء الشعب الفلسطيني، نعلم أن إسرائيل مجرمة ودولة طاغوتية لكن لماذا نعطيها المبرر الدولي للرد؟! لماذا تجعل حماس من إسرائيل دولة مظلومة أمام العالم. الدول البعيدة لا تتعامل مع السياسات بمنطقنا العاطفي ولا انطلاقاً من قصائد أحمد شوقي أو عمر أبو ريشة، بل تنظر إلى السياسات بعيون منطلقها الأول أن إسرائيل quot;دولة طبيعيةquot;.

الفرق بين رؤيتنا لإسرائيل ورؤية العالم لإسرائيل، أننا نرى - ومعنا الحق - أن إسرائيل دولة طارئة وتغتصب أرضاً عربية ودولة مجرمة، لكن هذه الرؤية لا تجعلنا فعلاً محقّين أمام العالم. لسنا مضطرين لأن نعطي إسرائيل حق الرد (بحسب المنطق الدولي) من خلال إطلاق صواريخ أصلاً لا تضر، وهي صواريخ متواضعة. لو كانت حماس قوية، أو حزب الله حينها قوياً لما لمناهم على ما يقومون به لأن هذه قراراتهم وهذه حروبهم وهذا شأنهم، لكن المغامرة بالدماء في لبنان أو فلسطين خطأ كبير ولا نتعظ إذ نكرر الخطأ في كل عام مرة أو مرتين.

بآخر السطر، فإن الثنائيات لا تجدي، نحن مع الشعب الفلسطيني، الذي نسأل الله أن يلطف به، ويكفيه شر زعماء بعض فصائله قبل شر أعدائه. نحن ضد إجرام إسرائيل، وتعنتها، وغطرستها وعجرفتها، وضد مغامرات حماس، ومع الشعب اللبناني وضد إجرام إسرائيل، وضد مغامرات حزب الله، فهل نعي أن ثمة مواقف خارج ثنائياتنا الحادة المتهورة؟!