فهد عريشي

الأعذار التي يختلقها المجتمع الدولي بأن إشكالية عدم حصول أطفال سورية والعراق على التعليم ستنتهي تلقائيا باستقرار الأوضاع الأمنية والسياسية في دولتهم الأم أعذار غير منطقية

&


600 ألف طفل سوري لاجئ يذهبون للمدرسة، العدد داخل سورية أكبر، و60% من الأطفال العراقيين النازحين لا يتلقون أي نوع من التعليم.


بغض النظر عن العواطف الإنسانية وحق الطفل القانوني في تلقي التعليم المناسب فإن هذا الجيل يشكل خطرا على أمن المجتمع الدولي في المستقبل، وهذا الخطر لن يظهر هذا العام أو العام القادم بل ستظهر بوادره خلال العشرين عاما القادمة، يظهر لأننا الآن بإهمالنا لحقهم في التعليم الأساس نسعى لصنع جيل كامل غير متعلم، جيل لا يمتلك سلاح العلم ولا الوعي الفكري الذي يحميه من الانحراف والانضمام للجماعات الإرهابية التي يسهل عليها التغرير بهم وضمهم واستخدامهم كسلاح لزعزعة ما تبقى من الأمن الدولي.


إن أزمة عدم حصول نسبة كبيرة من أطفال سورية والعراق على أي برنامج تعليمي مشابهة كثيرا للأزمة التي خلفتها الحروب العالمية الأولى، فكما أن أطفال سورية والعراق الآن لا يتلقون التعليم كانت المدارس الألمانية تعاني من نقص حاد في عدد الطلاب الذين تراوح أعمارهم ما بين 11- 15 عاماً إثر الحرب العالمية الأولى، ما أدى إلى نشوء جيل غير متعلم خلَّف عجزا في الموارد البشرية وقصورا في النمو الاقتصادي والتوتر السياسي فاستغل "أدولف هتلر" هذا الجيل وورطهم في الحرب العالمية الثانية.


المجتمع الدولي الآن يسهم بشكل مباشر أو غير مباشر في صناعة جيل يهدد الأمن الدولي وذلك بتقصيره في توفير الرعاية التعليمية لأطفال اللاجئين السوريين والعراقيين، وإذا كان هذا القصور ناتج عن عدم التعاطف أو عدم الشعور بالمسؤولية فإنه يجب على كافة دول العالم أن تدرك أنه يجب أن تقوم بدورها في توفير الدعم اللازم وذلك بدافع المصلحة.. المصلحة التي تحمي أمنها في المقام الأول، فإن الطفل الذي ينمو الآن في سورية والعراق دون حصوله على حقه في التعليم فإن الجهل سيقتات عقله ويحوله من مجرد طفل يحلم بحياة طبيعية بعيدا عن مخيمات اللاجئين إلى هاجس أمني يهدد دول الخليج والدول العربية ويهدد دول أوروبا والغرب والشرق.


الأعذار التي يختلقها المجتمع الدولي بأن إشكالية عدم حصول أطفال سورية والعراق على التعليم ستنتهي تلقائيا باستقرار الأوضاع الأمنية والسياسية في دولتهم الأم أعذار غير منطقية، وذلك لأن متوسط سنوات اللجوء حسب الدراسات هي 10 سنوات وهي تساوي فترة دراسية كاملة، فالطفل السوري اللاجئ لن يعود إلى وطنه هذا العام أو العام القادم، بل سيعود وقد أصبح شابا أنهكه الإهمال في مخيمات الملاجئ، يعود يبحث عن عمل وهو غير مؤهل بالتعليم، يعود يبحث عن حياة طبيعية لن يجدها إذا لم يبدأ المجتمع الدولي في تهيئته لها بالعلم من الآن، ويرعاه وفقا لاتفاقية حقوق الطفل التي وقعتها حتى الآن أكثر من 193 جهة وأغلب دول العالم تحت مظلة منظمة اليونيسف العالمية، ومن أهم بنودها الـ 54 حصول الطفل على حقه في الرعاية التعليمية.


الخيار الوحيد لأمن المجتمع الدولي هو أن نختار سبيل العقل لا سبيل الجهل، يجب ألا نكرر ما حدث من إهمال لتعليم الأطفال أثناء الحرب العالمية الأولى، الإهمال الذي خلف الجهل والظلام فاستغله الطغاة لتسييرهم نحو جهل أكبر وجعلهم وقودا لحرب عالمية ثانية، لا نريد أن نصنع بإهمالنا لتعليمهم ما هو أخطر من "داعش" على أمننا الدولي.


توفير برامج تعليمية لأكثر من 600 ألف طفل سوري وأكثر من نصف أطفال لاجئي العراق سيكلف المنظمات الدولية الكثير من المال ولكن عدم توفيره سيكلفهم أكثر. يقول المعلم والمحامي الأميركي ديرك بورك: "إذا كنت تعتقد أن التعليم باهظ الثمن، فلتجرب الجهل".
&