&علي القاسمي

&&تسيد قانون العدالة ضد الإرهاب «جاستا» الذي أطلت به واشنطن في الأيام الماضية مشاهد التحليل والتفكيك، وعدّ كما وصفه بعض السياسيين «سلاحاً بلا رصاص». جاستا في طرح مختلف عن التأصيل والتفصيل الذي لن يتمكن منه سوى خبراء القانون ليس إلا محاولة استفزاز متقنة التوقيت، ورغبة غير ذكية في خلق عداوة جديدة في منطقة الشرق الأوسط. ينظر «جاستا» بعين عنصرية متعصبة مائلة، وهي عين مالت طوال السنوات العشر الأخيرة في تعاطيها مع كثير من الملفات الساخنة التي يجدر بواشنطن «جندي العالم» أن تقف إزاءها موقفاً حاسماً، نيابة عن الموقف الرمادي والمتردد والخائب، حتى لا تترك مجالاً للشك في أن يتحدث عقل واعٍ عن مشاريع التورط وصناعة إرهاب على المزاج الأميركي.

التلويح الأميركي بالعصا القانونية ليس إلا شعوراً مبطناً ومستتراً لفقدان السيطرة كجندي للعالم في تأليف الفوضى، وكقاض يعبث بموازين القوى كيفما شاء في الطرف القصيّ من حكاية التأليف، الشعور القاسي بالفقدان لا بد أن يوازيه عرض مرتب في هيئة قانون تمرر منه المصالح الحقيقية، وتغطى من خلاله التهم المماثلة التي تسطع لسنوات طويلة في جبين أميركا التي رأت أن أنجح وسيلة للتغطية هي تطبيق مسلسل «أشغل الآخرين قبل أن يشغلوك».

جاء قانون «جاستا» لنفخ الاحتقان في الشارع الأميركي واستدعاء ذاكرته، وتوجيهها في هذا الوقت نحو ما ليس له علاقة بمشاريع الاحتلال العراقي والغزو الأفغاني ونيران الربيع والحروب التي تشبعت بها واشنطن في نحو 18 دولة. إن إعادة نبش الأوجاع وتضخيم وجع الإنسان الأميركي على حساب أوجاع العالم المتناثرة حيلة بائسة، لا سيما أنها تأتي في صدام مع أوراق فاضحة خرجت للساحة، وستكون أول من يخذل مؤيدي جاستا والقائلين بتطبيقه في نطاق ضيق، وهذا النطاق معلوم واضح لا طائل من إيضاحه وشرحه.

برفقة هذا القانون - إن عبر - سينفجر قانون المعاملة بالمثل، وما سيتبع هذا الانفجار من خسائر هائلة وتداعيات يجب أن تكون في حسبان واشنطن وحساباتها التي كانت دقيقة وتشعبت. ما أتعس أن يحضر قانون بهذه الطريقة البالغة الضعف الواضحة الاستفزاز والابتزاز، على رغم أنه لم يصرح بالاسم - على صعيد الدول - مطلقاً. ولعل قانون انقلاب السحر على الساحر جاستا يراوغ ويناور ويحاول تحميل الضعفاء فواتير الإرهاب من دون أن تتقن السياسة الخارجية الأميركية فن قراءة الكلفة الباهظة التي ستدفعها جراء دور ترى ضرورة إيقاف من يلعبه، وتناست أنها لاعب جوهري في تاريخه الملمع المبرمج المتقن والضبابي حد الخجل.

سكين محاكمة رعاة الإرهاب على التراب الأميركي ستطعن في ظهر واشنطن بقوة، وليس شرطاً أن يكون الطعن أولاً، والطعن مشرع لفوضى سياسية وغطرسة مختلة، لا تنقص العالم لكنها ستزيده تدهوراً ودماراً. السكين حادة وإن لم تبد حدتها حتى هذه اللحظة لنزاع الاستعلاء الأميركي وروائح الاعتراف بالخطأ. ولعل تزعزع الثقة في أميركا، ولو في مربع لوازم الصداقة وأدبياتها وتحديات المرحلة، يضع كثيراً من المكاسب في خانات التخبط والهبوط، ويحصر النقاش العالمي وقوة التحالفات المستقبلية في وضع النقاط على الحروف حيال التفريق الجاد بين صناعة الإرهاب وتغطية الإرهاب، ومن ثم مكافحة الإرهاب وعدالة الإرهاب. والأهم أن نقرأ الحقيقة كما هي لا مزيفة بشهادة دماء العالم!