&محمد طيفوري &

بداية تشرين الأول (أكتوبر) من كل عام تتجه الأنظار إلى الأكاديمية الملكية في العاصمة السويدية ستوكهولم، لمعرفة أسماء المتوجين بجائرة ابن البلد ألفريد نوبل (1833-1896) مهندس وكميائي ومخترع الديناميت، في ستة حقول معرفية ومجالات إنسانية متنوعة: الفيزياء، الكيمياء، الطب، الأدب، السلام، والاقتصاد. مع الإشارة إلى أن هذا الأخير – الاقتصاد - لم يكن ضمن المجالات التي حددها نوبل للجوائز سنة 1895؛ ولم تتم إضافته إلى القائمة إلا عام 1969. وباستثناء جائزة السلام التي تسلم في العاصمة النرويجية أسلو، يتلقى بقية المتوجين جوائزهم في 10 من ديسمبر الذي يصادف وفاة نوبل في مملكة السويد.

&تسبق هذا التتويج حملة من التخمينات والمراهنات، وقراءة الطالع تتولاها ثلة من العلماء والنقاد في طقوسهم السنوية حول من سيفوز بالجائزة في هذا المجال، أو في ذاك التخصص. بعيدا عن ذلك، وفي انتظار يوم الحسم من قبل اللجنة الراعية للجائزة، نقدم هذه الجولة التاريخية في مسارها بما حفلت به من لحظات ومواقف وذكريات.

&

تاريخيا سلمت النسخة الأولى من هذه الجائزة سنة 1901، وهي عبارة عن شهادة وميدالية ومبلغ مالي، يقسم بين المتوجين في حالة التعدد، دون أن تُشترط المساواة عند التقسيم. ومن قوانين المسابقة أن يكون الفائز بها على قيد الحياة؛ حتى إن خرقت اللجنة هذا القانون سنة 2011 مع العالم الكندي رالف مارفن ستينمان الذي توفي ثلاثة أيام قبل تتويجه، ولم تكن اللجنة على علم بواقعة الوفاة عند الإعلان.

&منحت لجنة نوبل منذ انطلاقها إلى اليوم ما يقدر بـ 573 جائزة، فيما مجموعه 891 فائزا؛ موزعين بين 21 مؤسسة و870 فردا، من بينهم 47 امرأة في كافة الأصناف. بصيغة أخرى، منحت الجائزة لفائز واحد على حدة 338 مرة، وتمت مشاركتها بين فائزين اثنين 134 مرة، بينما بلغ عدد المرات التي تشارك فيها ثلاثة فائزين في الجائزة 95 مرة. هذا وتبقى نوبل للسلام أكثر الجوائز حجبا في مسيرة نوبل، إذ حجبت 19 مرة؛ أولها كانت مع انطلاق الحرب العالمية الأولى، وآخرها سنة 1972.&

تعد الباكستانية ملالا يوسف زي أصغر متوج بهذه الجائزة - صنف السلام - السنة ما قبل الماضية، بينما أكبر المتوجين بها سنا كان من نصيب الاقتصادي البولندي الأصل، والأمريكي الجنسية ليوند هوروفيتش الذي نالها عام 2007، بمعية الأمريكيين إيريك ماسكين وروجر ميرسون عن نظريتهم حول تصميم الآليات Mechanism design.

&جائزة نوبل للجهلاء أو للحماقة. تمنح كل عام للأبحاث العلمية عديمة المضمون والفارغة من أدنى فائدة.

حديثا ما أكثر الأسماء التي تعتذر عن ترشيحها لنيل إحدى جوائز نوبل، خصوصا تلك التي لها مواقف سياسية من الجائزة. غير أن التاريخ يذكر أن متوجيْن بها رفضا تسلم الجائزة بعد إعلان فوزهما، وهما: الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر الذي فاز عن صنف الأدب سنة 1964، والسياسي الفيتنامي؛ والمفاوض الذي أوقف الحرب هناك، لو دوك ثو الذي فاز عن صنف السلام مناصفة مع هنري كسنجر عام 1973.

&وتعد الجوائز في الآداب من أقل الأصناف مشاركة بين الفائزين، إذ لم تمنح الجائزة لأكثر من شخص سوى خمس مرات فقط. وتحتل الأعمال المكتوبة باللغة الإنجليزية الصدارة من حيث التتويج بمجموع 27 عملا، يليه الأدب الفرنسي الذي حصد 14 جائزة، وفي المرتبة الثالثة نجد الأدب الألماني بإجمالي 13 تتويجا، ثم الأدب الإسباني 11 مرة.

&في سياق الحديث عن اللغات، كان حصاد العرب من جوائز نوبل ضعيفا جدا، فأول تتويج كان مع الماروني اللبناني بيتر مدوَّر، الذي حصل على الجائزة في صنف الطب مناصفة مع الأسترالي فرانك بورنت عام 1969 لاكتشافهما التحميل المناعي المكتسب.

&وجاء التتويج الثاني في صنف السلام مع الرئيس المصري أنور السادات عام 1978، مناصفة مع الرئيس الإسرائيلي مناحيم بيجِن. عشر سنوات بعد ذلك يأتي دور العرب في صنف الأدب هذه المرة، مع الأديب العالمي نجيب محفوظ. سنتان بعدها ستمنح الجائزة للكيميائي الأمريكي من أصل لبناني إلياس جيمس خوري، لأبحاثه في تطويره نظرية ومنهجية التركيب العضوي. تعود الجائزة للعرب عام 1994 مجددا، وفي صنف السلام مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بالاشتراك، مع كل من شمعون بيريز وإسحاق رابيين لما بذلوه من جهود لتحقيق السلام في الشرق الأوسط.

&

ثالث مصري يتوج بإحدى جوائز نوبل كان عالم الكيمياء أحمد زويل سنة 1999، نظير أبحاثه المعمقة في مجال الفيمتو ثانية Femtosecond. أكتوبر من عام 2005 نال الدكتور محمد البرادعي مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية "نوبل" في السلام تقديرا لمجهوداتهم في الحد من انتشار الأسلحة النووية.

&

أول امرأة عربية تنال جائزة نوبل كانت اليمنية توكل كرمان في صنف السلام عام 2011، بالاشتراك مع الليبيريتين إلين جونسون سيرليف؛ رئيسة الدولة، والناشطة المدنية ليما غوبوي. في صنف السلام مجددا حصد العرب جائزة العام الماضي، وكان ذلك من نصيب الرباعي التونسي الراعي للحوار الوطني في تونس والمساهم في مسلسل الانتقال الديمقراطي في البلاد. يظهر أن ألفريد نوبل فكر في هذا التقليد السنوي بعدما كابد في مجال البحث العلمي والابتكار، حرصا منه بهذه المبادرة على تقدير الجهود الإنسانية المبذولة في كافة المجالات العلمية والمعرفية، وتشجيعا للباحثين لما فيه الخير لمصلحة التقدم والتطور البشري. غير أن سخرية القدر كانت عندما أطلق البعض سنة 1991 ما سمي بجائزة "إيج نوبل"؛ أي جائزة نوبل للجهلاء أو للحماقة أو الحماقة العلمية. وتمنح كل عام للأبحاث العلمية عديمة المضمون والفارغة من أدنى فائدة منها. فعلى سبيل المثال نشير إلى أن المتوجين في صنف الآداب لعام 2015 في هذا الجائزة هم مارك داينجمين وفرانسيسكو توريرا ونيك جي أنفيلد لاكتشافهم أن كلمة "هاه" موجودة في كل لغات العالم.