&فشل الدولة في الإحاطة بالمجتمع والاشتباك مع الفاعلين السياسيين "المزورين"

&إدريس بنيعقوب

&لقد ظلت نظرة الدولة المغربية والفئات الممارسة لتدبير أمورها العامة للمجتمع، ثابتة منذ الاستقلال، ولم تتغير تغيرا جوهريا، بحيث أنها ترى فيه جسدا ثابتا لم يتطور، ولم يتحرك في اتجاه فرض قواعد تدبير جديد لقيم السلطة، وباتت كل تموجاته واندفاعاته مجرد انفعالات وقتية، ظرفية، شكلية، ذات بعد مصلحي نفعي غير عميقة وغير مؤدلجة في مطالبها و رغباتها.

&منذ الاستقلال و الدولة تشتغل بآليات ووصفات الاستعمار وبعقلية المستعمر، خصوصا في تدبيرها للمجال العام، الشيء الذي تؤكده الملاحظة عند تفحص طرق اشتغال العقل السياسي للدولة مع الفاعلين السياسيين، والتي نجدها تكرر نفس المساطر التدبيرية للسياسة فيما يتعلق بقواعد ومعابر إنشاء الأحزاب والأحزاب المضادة بدون مشروع ثقافي أو سياسي حقيقي، وبالتالي الحفاظ على نفس قواعد إنتاج فاعلين سياسيين "مزورين"، يحاكون نموذج السياسي الحقيقي من حيث الشكل والإطار المرجعي والخطابي، في حين أنهم لا يمتلكون مشروعا وطنيا حقيقيا، وليس لهم أي منتوج جديد يغير الواقع العام ليقدموه للمجتمع لأن فاقد الشيء لا يعطيه.

&

لقد ظلت السياسة منتوجا حصريا للسلطة، ولم يحدث العكس أبدا، أي إنتاج السلطة من قبل السياسة، على غرار الخطاطات الأجنبية. ومن أهم مجالات تدخلها الجبري في التأسيس والتوجيه، هو مجال تدبير المقدس الديني. هذا المجال الذي فرضت فيه وازعا أمنيا، بمعنى الأمن الروحي والمادي من وجهة نظر أحادية، فأغلقته بصفة تامة و نهائية على أي مشروع مختلف أو متنوع لقراءة المرجعية الدينية. يحدث هذا في ظل انفتاح العالم على بعضه البعض، وفي ظل ظهور معابر جديدة وفرتها التكنولوجيات التواصلية الحديثة للوصول إلى المعلومة الدينية وإلى القراءات الأخرى للأصول والمخرجات الفقهية الصادرة عن مدارس متعددة، مختلفة، قد تراها فئات من المجتمع أكثر واقعية وأكثر برغماتية في إيجاد الحلول لمختلف العقد العقدية والعملية للتدين، في الوقت الذي أصبح لزاما على الدولة في ظل التحولات الكبرى والمتسارعة التي يعرفها العالم في كل المجالات، خصوصا الثقافية والمعلوماتية، أصبح لزاما عليها فتح المجال الديني لكل توجهاته غير المتطرفة بغية استيعاب رغبات المجتمع المتنوعة عن طريق إحداث آليات للمراقبة والتوفيق بين جميع التوجهات.

&الإشكال الكبير ليس مطروحا على مستوى اختيار الآليات أو تجديدها بقدر ما هو مرتبط بالحفاظ على عقلية المستعمر، الذي سعى إبان الحماية إلى علمنة اللغة في جميع إنتاجاته التقريرية والتدبيرية وفصلها عن مرجعيتها الدينية، ليزرع بذورا لتفكيك المؤسسات التقليدية بغية تحللها تدريجيا مع مرور الزمن، الشيء الذي لم يصل إلى مداه بل أعطى نتائج عكسية و خلق عقدا جديدة بعد تغير و تراجع دور العلماء.

&فبعدما كان للعلماء عبر تاريخ المغرب و إلى حدود بدايات الاستقلال، بعدما كان لهم دور فعلي و حقيقي في إبداء الرأي في كل ما يتعلق بالسلوك الديني و التدبيري العمومي، بات دورهم اليوم محصورا في أداء وظيفة إدارية تسلسلية رهينة بالهاجس الأمني أمام المنافسة الكبيرة على المستوى العالمي في توجيه السلوك وإيجاد الحلول للمتدينين.

&فلم يعد للعلماء قوة وهامش كبير لإقناع العامة على تبني النهج المذهبي الفقهي الذي تتبناه الدولة، ليبحثوا لأنفسهم عن تأطير ديني خارج الحدود بسبب إغلاق الدولة للمجال المقدس، الشيء الذي خلق تيارات إسلامية متنوعة غير منصاعة لقوانين الدولة في هذا المجال.

&

الدولة قلصت وحددت مفهومها للدين وطرق ممارسته الشيء الذي أخرج للوجود توجهات أخرى تؤطر المجتمع دينيا، وتنتقد تدبير الدولة للمجال المقدس ولممارستها لنوع من "التسيد الدياني" و"الفقهوت الرسمي"، الذي تفرضه من خلال مؤسسات تدبير تدين المجتمع، فكانت النتيجة عدم قدرة الدولة بل و فشلها في الإحاطة بالمجتمع، إحاطة شاملة لكل متطلباته ورغباته وظهور تيارات جديدة تنافس الدولة في التأطير الديني.

&و إذا استمرت الدولة في تبني نظرتها الحالية للمجتمع الذي يبدو أنه رفع وتيرة اشتباكه مع الفاعلين السياسيين "المزورين"، الذين لم يستطيعوا إعطائه ردودا تلبي مطالبه، ومع تطور هذا الاشتباك ووصوله إلى مرحلة الرفض المطلق للسياسي الحالي، عندها قد يكون قد فات الأوان في تقبل تغيير الدولة لقواعد تعاملها مع المجتمع، وتغيير نظرتها لتدبير المجال العام و لأسس تدبيره، وعندها سيفرض المجتمع تصوره الخاص للسياسيين الذين يليقون بتطلعاته.

&