علي سعد الموسى& &

في حديثه إلى البرنامج الشهير "ياهلا"، وفي حلقة منه للحديث عن تسويق الصورة السعودية إلى الغرب والمجتمع الأميركي بعد قانون "جاستا" يقول أستاذ جامعي متخصص في الإعلام والعلاقات العامة ما يلي: لدينا درر وجواهر جاهزة نستطيع من خلالها أن نصل إلى تلك المجتمعات بكل سهولة، فنحن حاضن الحرمين الشريفين، ونحن قلب العالم الإسلامي، مثلما نحن أيضاً الحاضن الأساس لجزء مهم من تاريخ الخريطة الإسلامية، ولكننا للأسف الشديد لم نستخدم هذه الأسلحة. قلت ضاحكاً، ووحدي: ربما لم يسعف الوقت هذا الأستاذ الجامعي المتخصص ليضيف: ونحن أيضاً نواة السلفية التقليدية ولكننا لم نستطع تسويق صورتها إلى لندن وباريس ونيويورك.... ومثل هذه الأفكار المعلبة المحنطة التي تعود إلى صندوق المربع الأول قد أقبلها من عامل بسيط ولكن يصعب هضمها من لسان أستاذ علاقات عامة متخصص. هي أفكار تصلح لتسويق صورتنا إلى إندونيسيا وباكستان بكل امتياز لكنها بكل صراحة ستفعل العكس تماماً إذا ما كانت سلاحنا إلى موسكو وواشنطن. خذ من المثال هذا الخيال: ماذا لو أرادت إيطاليا أن تأتي لتسويق صورتها إلى الرياض والقاهرة ثم اتكأت على أسلحة من التاريخ لتقول لنا إن روما هي مهد الإمبراطورية المسيحية ونقطة انطلاق تاريخ الانتشار الكنسي في مدن الغرب. كيف سيكون استقبالنا لهذه الـ"روما" في المخيال المجتمعي؟ وكيف تتشكل الصورة؟

وهنا سأقول لكم بكل مكاشفة: كل حملات العلاقات العامة التي تستهدف تسويق الصورة مجرد استنزاف وهدر مالي ما لم تتكئ على منتج مادي أو ثقافي ضخم ومتنوع، ولا يحتاج إلى حفلات الفنادق ومحاضرات المسارح. نحن ثانياً سنواجه بعض أسئلة الفئام الداخلية التي ترفض تسويق صورتنا إلى الآخر وتتحدث عنها كضعف وخنوع، وهؤلاء للأسف الشديد لا يدركون أننا في هذا المنعطف الخطير أمام ضرورة تحسين صورتنا أمام الآخر. أنا مؤمن ثالثا، أن الصورة "انعكاس" للحقيقة لا ينفع معها التمثيل ولا المكياج والمساحيق. ذات مرة ذهب صديق إلى "الأستوديو" ورفض صورته الشخصية لمرتين وفي الثالثة قال له العامل: يا أخي هذه صورتك ولا أستطيع تغيير ملامح وجهك. نحن، مثلاً، لو نشرنا بيان علمائنا الكرام الأفاضل بنبذ الإرهاب وتجريمه لأجابونا بعشرات الفتاوى والمقاطع الحمراء مدموغة بالإثبات أنها لأساتذة جامعات وسدنة منابر. نحن لو قلنا إن "الدرة المصونة" لن تقود السيارة لردوا علينا بأن هذه "الدرة" تستقدم مليوني سائق أجنبي في البلد الوحيد في كل العالم الإسلامي الذي لا تقود فيه المرأة السيارة، فهل أنتم المسلمون وحدكم في ذات الخريطة. نحن لو قلنا لهم إننا مجتمع محافظ لا يقبل بدار سينما كاستثناء وحيد بين دول الكون لأجابونا فوراً: أنتم إمبراطورية الإعلام العربي وأكبر زبون لأفلام السينما في دول الجوار، وأعلى نسبة في الدنيا تهرب سنوياً من هذا المجتمع المحافظ من أجل السياحة. نحن لو قلنا لهم إن مدارسنا ومناهجنا قد تغيرت فيما يخص الإرهاب وكراهية الآخر لأعادوا إلى مسامعنا ذات القطع القديمة التي تلبس ثيابا لغوية ناعمة ولكنها تصل لذات الهدف. وفي خضم هذه الصورة المتناقضة بوجهين على طرفي نقيض سأقول محذراً غيوراً إننا فشلنا لا في تسويق صورتنا للخارج فحسب؛ بل وللخطورة في رسم ملامحها وحقيقتها أمامنا نحن: عيني اليمين ترى صورة لكن اليسار ترى الصورة النقيض، وأنا على استعداد للمرافعة بما أشاهده أمام نفس هذا الأستاذ الجامعي في المكان والزمان اللذين يقترحهما ويراهما.

سأختم: أفضل صور التسويق هي تلك العفوية التلقائية وكل ما أخشاه أننا لا نجدها واضحة حتى في سوقنا الداخلي ناهيك عن سوق وبورصة (الآخر)!!

&