ثائر عباس

لم تحمل الأطراف المشاركة في المحادثات الدولية - الإقليمية حول سوريا كثيرا من الأفكار حول ملف الأزمة، لكن مدينة حلب ووضعها كانا ملفا دسما على طاولة المجتمعين في ظل مسعى تركي - عربي للخروج بتدابير تخفف من معاناة نحو 250 ألف مدني محاصرين في الجزء الشرقي من المدينة.
ولم يخرج الاجتماع الذي عقد في مدينة لوزان السويسرية بنتائج واضحة، ولم يصدر بيان مشترك عن الاجتماع، لكن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أكد أن المشاركين في اجتماع لوزان حول سوريا اتفقوا على مواصلة الاتصالات في القريب العاجل. وكشفت مصادر دبلوماسية عربية لـ«الشرق الأوسط» أن اتصالات تنسيقية حصلت قبل الاجتماع بين وزراء خارجية المملكة العربية السعودية وتركيا وقطر من أجل تنسيق المواقف قبيل اجتماع لوزان. وقالت المصادر إن الجانب التركي أبلغ الطرفين نيته طرح أفكار تتعلق بوضع مدينة حلب.
وفيما تكتمت المصادر على المضمون الحرفي لـ«الأفكار»، كشفت مصادر في المعارضة السورية أن التحرك التركي الذي لم يرق بعد إلى مستوى المبادرة يتضمن السعي إلى فك الحصار والفصل بين المتحاربين. وقالت المصادر إن الأتراك يأملون في أن يتم التوصل إلى تفاهم سياسي بين روسيا والولايات المتحدة، ويتم على أثره فك الحصار عن طريق الكاستيلو، ويتم نشر قوات مراقبة دولية للتأكد من التزام كلا الفريقين بوقف إطلاق النار. ونظرًا لخطورة الأوضاع في المنطقة، فإنّ قبول أي دولة بإرسال جنودها سيكون محدودًا، لذا يمكن الاستعاضة عن ذلك بأجهزة مراقبة إلكترونية تصل إلى غرف عمليات مشتركة، ويكون هناك حق لكل الدول الأطراف الوصول إلى البث الذي تقدّمه آلية المراقبة الإلكترونية. وأوضحت المصادر أن هذا الخيار يبقي المناطق الشرقية محاصرة، ويتوقف القصف ما دام التزم المحاصرون بعدم إطلاق النار، وبالمقابل تدخل المساعدات للمحاصرين. ومن الأفكار المطروحة أيضا إخراج مقاتلي فتح الشام من الأحياء المحاصرة دون غيرهم إلى إدلب، وبمقابل ذلك يتم فك الحصار بشكل كلي أو جزئي عن المناطق المحاصرة. وقالت المصادر إن مسألة إخراج عناصر «فتح الشام» وحدهم من حلب الشرقية قد يصطدم بكثير من العقبات نتيجة صعوبة تحديد عدد وهوية هؤلاء، كما بسبب صعوبة تأمين ضمانات لهؤلاء وصعوبة التواصل مع التنظيم.
واجتمع تسعة وزراء خارجية من الولايات المتحدة وروسيا والمملكة العربية السعودية وتركيا وإيران والعراق وقطر والأردن ومصر. وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إنه ليس لديه «أي توقعات خاصة» للاجتماع لأن «موسكو لم تر بعد أي خطوات من شركائها الغربيين»، فيما قال مسؤول كبير بوزارة الخارجية الأميركية إنه لا يتوقع الخروج بأي إعلان مهم مع نهاية اليوم. وقال المسؤول الأميركي إنه منذ انهيار التعاون الأميركي الروسي - الذي كان لفترة طويلة عماد جهود إنهاء الحرب في سوريا - بحث مسؤولون أميركيون عددا من الأفكار وإنه رغم عدم توقع حدوث انفراجة إلا أن الشكل الإقليمي قد يكون الأساس لعملية جديدة. وقال مسؤول أميركي يرافق وزير الخارجية، جون كيري إلى لوزان، أمس الجمعة إن «اللقاء لا يهدف لتحقيق نتيجة فورية بل إلى دراسة أفكار للتوصل إلى وقف الأعمال القتالية».
وقال دبلوماسي غربي في لوزان إن الاجتماع لم يحظ بإعداد جيد وأهدافه غامضة ولم تتضح قائمة المشاركين فيه إلا في الدقيقة الأخيرة. وأبلغ الدبلوماسي وكالة «رويترز» إذا كان لهذا الاجتماع أن يصل لاتفاق بشأن حلب فعلى دول أن تقدم تعهدات أن تتعهد روسيا بوقف القصف وتتعهد إيران بسحب مسلحيها من على الأرض الذين يساندون دمشق. وأضاف: «ذلك كثير لتحصل عليه في نصف يوم. خصوصا إذا لم تكن الشخصيات التي تصل إلى الاجتماع غير راضية عن شكل المحادثات.. إذا كان لهذا الشكل أن تكون له مصداقية فإن على كيري أن يخرج من المحادثات الليلة ويقول إن لديه شيئا ما لحلب. ووقف لإطلاق النار يكون ذا مصداقية».
وقبل بدء المحادثات التقى وزير الخارجية الأميركي جون كيري بشكل منفصل مع نظيره السعودي عادل الجبير ومع لافروف لمناقشة ترتيبات الاجتماع. وهذا هو الاجتماع الأول بين كيري ولافروف منذ انهيار محاولة ثانية لوقف إطلاق النار في سبتمبر (أيلول).
وفي المقابل، حملت المعارضة السورية بعنف على محادثات لوزان، محملة الروس والأميركيين مسؤولية تدهور الوضع في سوريا. واعتبر العميد أسعد الزعبي رئيس وفد المعارضة السورية إلى مفاوضات جنيف، أن المعارضة «لا تعوّل على اجتماع لوزان ولا على أي نتائج قد تفيد الحل السياسي في سوريا، خاصة بعد فشل مجلس الأمن الدولي كأعلى سلطة دولية بوقف إطلاق النار، بسبب الفيتو الروسي».
وأكد الزعبي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن اجتماع لوزان «عقيم ما دام أن روسيا تحظى بتفويض أميركي للتصرف في سوريا كما تشاء، وتستمر في قتل مزيد من الشعب السوري». وقال: «كل مجلس الأمن وصف روسيا بأنها دولة مارقة، تدعم الإرهاب من إيران إلى كوريا الشمالية إلى الحشد الشعبي في العراق، وهي تلعب دورًا يهدد الأمن والاستقرار الدوليين، وهو ما سبب القطيعة بينها وبين الدول الأوروبية التي رفضت المشاركة في اجتماع لوزان».
وعن جدوى عقد هذا الاجتماع ما دام أن نتائجه محكومة بالفشل، أوضح الزعبي أن روسيا «استغلت الدعوة إلى اجتماع لوزان، لتنقل مزيد من طائراتها إلى سوريا، وتعزز منظومتها الصاروخية، وتعلن تحويل قاعدة حميميم إلى قاعدة عسكرية روسية دائمة»، معتبرًا أن «كل الاجتماعات الأميركية الروسية التي عقدت خلال السنوات الأربع الماضية كانت ضد الشعب السوري، وأخذت الأمور إلى مزيد من التعقيد»، واصفًا التهديدات الأميركية لروسيا والبحث في خيارات عسكرية ضد نظام الأسد بأنها «زوبعة في فنجان». وسأل «ماذا تعني دعوة إيران والعراق للمشاركة في اجتماع لوزان؟، هل يعقل أن إيران صانعة الإرهاب والتي استقدمت كل الجماعات والميليشيات الإرهابية إلى سوريا، ستكون جزءًا من الحل في سوريا؟»، مؤكدًا أن «إصرار روسيا على الاستمرار في سياسية التدمير في سوريا، هو ضرب لكل القرارات الدولية ولما تبقى من هيبة لمجلس الأمن».
بدوره قال نائب رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة وأبرز ممثلي المعارضة السياسية، عبد الأحد اسطيفو لوكالة «الصحافة الفرنسية» إن «تغييب السوريين عن الاجتماعات التحضيرية هو إحدى الإشكاليات التي تتسبب بزيادة التعقيد وخلط الأوراق». واعتبر أن «القاسم المشترك بين الاجتماعات كافة التي عقدت منذ بيان جنيف 2012 حتى اليوم، هو تغييب السوريين والاحتكار الأميركي الروسي».
وأضاف اسطيفو «هذه المحادثات لن تؤدي سوى إلى تضييع الوقت والمماطلة وسفك مزيد من الدم السوري»، مؤكدًا أنه «منذ شهر فبراير (شباط)، نتحدث عن هدنة سيتم على أساسها وقف الأعمال العدائية، لكن ما يحصل على الأرض هو العكس تماما، فالمناطق المحاصرة تزداد عددا وتجويعا، وبتنا نعاني حاليا من التهجير القسري». وشدد على أن «المسؤولية بشكل أساسي يتحملها الأميركيون والروس».