إذا ما أثقل البعوض عليك

 سمير عطا الله

 أجمل رحلة سياحية قمت بها في حياتي كانت على ساحل أمالفي، في الجنوب الإيطالي. كنت في رفقة أصدقاء العمر، الذين هم أفراد العائلة التي نشأت معها. وقد تنقلنا من بلدة مغنية إلى بلد مرسومة بالألوان، غير عابئين بمدى ما يضحك الإيطاليون منا، فقد كنا نضيف نسبة الاحتيال إلى التكاليف الأصلية، كما ينبغي على كل من يناديه الجمال الإيطالي.

ووصلنا ذات مساء إلى بلدة، أو بستان، أو بقعة تدعى بوسيتانو. ومنذ دخولنا إليها، لاحظنا أنها عبارة عن جنة من شجر الليمون: الليمون من أمامكم، ومن ورائكم، وفي الأعالي، وفي السهول. حدائق متلاحقة، وأشجار متشابكة، وإيطاليون يقيمون حواجز مغنية ضاحكة تشعرك بالذنب لأنك تعمل، فيما الجنوب الإيطالي «يا ليل يا عين».
وكان شجر الليمون قديمًا ومورقًا وجزءًا من لوحة، كما كل شيء في إيطاليا، التي أنبتت شجر الليمون وصوفيا لورين والسباغيتي بصلصة الطماطم، أو باللحمة، أو الحبق، أو الصعتر، أو بلا صلصات ولا يحزنون. لم أحتج طوال الرحلة إلى البحث عن عناوين أكتب عنها، فقد كان في الإمكان العثور على المواضيع الشائقة كيفما تلفت، من بساتين بوسيتانو المعلقة إلى منفى نابليون في جزيرة ألبا.
عدنا من الرحلة وأنا أحلم بزراعة غابة من الليمون في القرية، الأرض الوحيدة التي أملكها. لكنني اكتشفت هناك أننا على علو 900 متر، وأن الليمون والبرتقال وسائر الحمضيات أشجار لها حساسية من البرد. قيل لي إنها تعيش بصيغة ورقية، لكنها لا تحمل ولا يعيش لها ثمرة إلا إذا كانت في «ملطى» عن الريح الشمالية التي هي قارة لدرجة غنت لها فيروز: «الهوا الشمالي غيّر اللونا».
وعندما فاز سليمان فرنجية بالرئاسة، وهو من شمال لبنان، نشر بيار صادق كاريكاتيرًا في «النهار»، يمثل الرئيس الجديد في بزة فلاح يرقص الدبكة، ويغني: «الهوا الشمالي غيَّر اللونا». عاشت في حديقة البيت بضع شجرات، وأثمر بعضها معلقات من الليمون والبرتقال. وفرحنا.
«أكلونا البراغيت» هذا الصيف في فندق إسباني قريب من نهر. وسألنا الصيدليات، فقيل لنا: هناك سوار من المطاط يطرد البعوض بجميع أحجامه وأنواع غلاظته. وتسوَّرنا؛ واحدة في المعصم وأمرنا لله، وواحدة مخفية في الساق. وفرحنا. وسألنا عن السر، فقيل إن السوار يرسل رائحة زهر الليمون، والبعوض يكره كل عطر وجمال. خلاصة القول، عندما تُحاصَر بالبراغيث، عليك برائحة الليمون.