لا زلنا نزرع الأشجار يا لبنان

سارة مطر

هناك شعور لدى بعض الشعوب العربية تجاه أهل الخليج، بأنه لا يمكن أن يكون للبدوي قوة في ظل عدم التوازن النفسي الذي تعيشه الكثير من الحكومات والشعوب العربية

تتكالب الصحافة اللبنانية في الحديث اللامنقطع عن السعودية، وعن التدخل في شؤونها الداخلية وسياستها الخارجية، متناسية أن هذا الصوت لم يكن ليظهر من بعض رؤساء الصحف اللبنانية وإعلامييها، إلا حينما أبرزت المملكة قدراتها الفذة في اتخاذ القرارات العسكرية والاقتصادية الحاسمة، ومن ضمن المواقف التي لم تتنازل عنها الحكومة السعودية، موقفها تجاه لبنان حينما أوقفت المساعدات المالية التي كانت تسهم في إنعاش الاقتصاد اللبناني المهزوم، وبالتأكيد شعرت بالخيبة والمرارة وأنا أقرأ مقالا يطالب فيه الكاتب، بغرور ساحق، بخروج السعودية من اليمن، إنقاذا -من وجهة نظره الرومانسية- كما قال، لليمن السعيد.
نظرة بعض الإعلاميين اللبنانيين لا يمكن أن تأخذها على أي محمل لطيف أو حساس أو حتى رومانسي، كما وصف به الكاتب نفسه، سوى محمل واحد فقط، هو شعور بعض الشعوب العربية تجاه أهل الخليج بأنه لا يمكن أن يكون للبدوي قوة في ظل عدم التوازن النفسي الذي تعيشه الكثير من الحكومات والشعوب العربية، حيث يدفع الشعب وحده الضريبة في النهاية، ويغادر بألم المشتاق أرضه ووطنه وداره مرغما ليعيش خارج كينونته العربية، حيث إن بعض الحكومات العربية لا تنشغل في تحقيق أهداف ومكاسب هائلة لأفراد شعبها، وإنما هي مشغولة في تحقيق مكاسب أسرها الشخصية، والشعب يسفح التراب على نفسه، لذا، فهو لا يستطيع أن يعيش واقع أن دول الخليج بدأت تأخذ مكانة جديدة وبشكل متحضر للغاية.
لهذا فهناك غضب متجذر بداخل العديد من الإعلاميين تجاه المملكة خاصة والخليج بشكل عام، أن تكون قوة المملكة بهذه الصورة التي دفعت البعض منهم ليكتب: "إن المملكة الآن تحتل المكانة الأولى في إدارة الشؤون العربية والإسلامية، بعد أن كانت جمهورية مصر تقوم بذلك، وحينما تترك مصر فراغا من دون أن تقوم على ملئه برشدها، فيبدو أن للمملكة الحق في أن تكون هي المحرك الرئيسي والفاعل في ظل تدهور قيادات الدول العربية، وما تقوم به المملكة في الوقت الحالي هو محاولة إنقاذ ما يمكن أن يتم إنقاذه، من دون أن تغفل عما يمكن لها أن تقوم به دفاعا عن كيانها وكيان وحدة الوطن العربي والإسلامي".
تغرق سورية في بحر من الدم، ويصيح اللبنانيون من تدافع السوريين لبلادهم، ويطالبون بترحيلهم على الفور، فالحكومة ليست قادرة على إدارة شعبها، فكيف يمكن لها أن تدير الزاحفين إلى أرضها، ولهذا تنظر بتكبر وغرور جامح إلى المملكة، فهي بحاجة للدعم الذي سبق أن اعتادت عليه، ولكن موقف الحكومة السعودية بدا واضحا وصارما، فلم يعد هناك احتضان آخر للحكومة اللبنانية، ولم نعد نتأثر بالشكل المطلق من حالات الغضب أو التندر التي تهيم بها عقول البعض من الإعلاميين، الذين وجدوا فرصتهم الوحيدة -وأنا أصر على أن أقول إنها الوحيدة- في الهجوم الصحافي لا أكثر ولا أقل في التنقيب عن كل ما يتعلق بمواقف المملكة ورؤيتها السياسية الخاصة، والبحث عن أي خطأ أو حتى رائحة منه، فيكيلون للمملكة من الهجوم ما يبطن في النفوس الآثمة، متناسين تماما أننا لا زلنا نتقاسم منهج العروبة المجيد، ويستضيف خليجنا الذهبي جمعا غفيرا من اللبنانيين الذين لا يجدون منا إلا كل خير ومحبة. وعن واقعة تفجير مجلس عزاء الرويشان على سبيل المثال، والذي قالت عنه قوات التحالف العربي إنها اطلعت على نتائج التحقيق في حادثة القاعة الكبرى بصنعاء، التي أعلنها فريق التحقيق المشترك لتقييم الحوادث في اليمن، مشيرة إلى أن التحالف يقبل ما خلصت إليه النتائج وقد بدا فعليا باتخاذ الإجراءات اللازمة لتطبيق ما ورد من توصيات، وعبّر التحالف عن أسفه لهذا الحادث غير المقصود، وما نتج عنه من آلام لأسر الضحايا، والذي لا ينسجم مع الأهداف النبيلة للتحالف، وعلى رأسها حماية المدنيين، وإعادة الأمن والاستقرار لليمن، يتضح لك موقف بعض الإعلاميين اللبنانيين شبه العدائي مما حدث في هذه الحادثة، وفي عدم قناعتهم بما هي عليه المملكة الآن، من قوة سياسية واقتصادية ودينية إلى جانب قدرتها على الاعتراف بأخطائها إذا ما كانت هناك أخطاء في "عاصفة الحزم"، وما يهمها أولاً وأخيراً عدم المساس بالشعب اليمني الآمن، وأكبر دليل على ذلك، هو استضافتها منذ سنوات طويلة لأكثر من مليون يمني على أرضها، وتوفير فرص عمل مختلفة لهم، واليمنيون متمسكون بالبقاء في المملكة أكثر من أي دولة أخرى، حيث يجدون في المملكة مفهوم الوطن الأول الذي يمكن لهم مقاسمته مع محبتهم الأولى لوطنهم الأم، إلى جانب تأييدهم الشديد لقوة التحالف، ورغبتهم الكبيرة في انتهاء فوضى وجرائم الحوثيين الذين سببوا الرعب في نفوس السكان المحليين، وأثاروا الذعر والرعب والخوف، حتى بات عدد من اليمنيين القاطنين في المملكة يعلمون نساءهم الرماية وكيفية استخدام الأسلحة، لحماية أنفسهن من بطش المجرمين الحوثيين، الذين لم يجدوا من يردعهم سوى التحالف الذي لم يغمض عينيه عنهم.
يدون إعلاميو لبنان أفكارهم وآراءهم وهم يجلسون على كراسي مقاهي شارع الحمراء أو تل الروشة، ويصبون غضبهم على المملكة التي أصبحت قوة لا يستهان بها، دون أن يفكروا ولو للحظة بما يعانيه أفراد الشعب اليمني من عصابة الحوثيين الذين يشبهون إلى حد كبير عصابة "حزب الله"، ويطالبون بأن تنزل المملكة من الشجرة.. بالله عليكم كيف نفعل ذلك ونحن لا نزال حتى الآن نزرع بقية الأشجار حتى تقيكم حر الشمس.