مصطفى السعيد
يستعد الجنرال ميشيل عون رئيس التيار الوطني الحر لتقلد موقع الرئاسة الشاغر في لبنان منذ أكثر من عامين، بعد إعلان سعد الحريري رئيس تيار المستقبل ـ المقرب من السعودية ـ عن تأييد ترشيح الجنرال عون حليف حزب الله، في خطوة وصفها الحريري نفسه بأنها زمخاطرة كبيرةس قد تكلفه مستقبله السياسي، لكنه قال إنه أقدم علي هذه المجازفة للحيلولة دون تفاقم حالة التمزق التي يشهدها لبنان، والتي قد تجره إلي حرب أهلية.
التوافق علي موقع الرئاسة في لبنان جاء في إطار تسوية شملت القوي الرئيسية، وتعيد الحريري إلي موقع رئاسة الوزراء، ولا يبقي أمام التوافق الشامل إلا خطوة رأب الصدع بين الجنرال عون ورئيس البرلمان نبيه بري، رئيس حركة أمل، وثيقة الصلة بحزب الله. هذا التحول السياسي الكبير في لبنان يطرح علامات استفهام كبيرة كثيرة، أهمها عن موقف السعودية من قرار الحريري بتأييد حليف حزب الله، الذي اعتبرته المملكة تنظيما إرهابيا، ووضعته في مقدمة أعدائها، ورغم أن المملكة لم تعلن عن موقفها من قرار الحريري، إلا أن هناك مؤشرات توحي بعدم رضاها عن القرار، ومنها رفض فؤاد السنيورة رئيس الكتلة البرلمانية لتيار المستقبل للقرار، ومعه عدد من النواب البارزين.
كما جاء القرار في ظل تنامي الغضب السعودي علي الحريري وتيار المستقبل، والذي تجلي في تأييد منافسين للحريري، سواء من داخل تيار المستقبل مثل فؤاد السنيورة، أو وزير العدل السابق أشرف ريفي الذي يشن حملة عنيفة علي الحريري، ويريد مزاحمته علي قيادة الطائفة السنية من معقله في طرابلس، وجاءت الأزمة المالية الحادةلشركة سعودي روجيه، المملوكة لعائلة الحريري، والعاملة في مجال المقاولات داخل المملكة لتؤكد أن الأزمة بلغت مدي غير مسبوق، ولهذا ضيقت علي شركة الحريري، لتصل إلي حد الإفلاس.
احتمالات تصدع تيار المستقبل كبيرة، وقد يصل إلي حد حدوث انشقاق كبير، يؤدي لخروج عدد من نواب التيار من تحت مظلة الحريري، وإقامة كيان جديد، أو التحالف مع أشرف ريفي ليكون بديلا عن الحريري، أو تعدد الأقطاب داخل الطائفة السنية في لبنان، وسيتوقف مستقبل المتنافسين علي عاملين، أولهما لمن سيتوجه الدعم السعودي، وحدود الغضب من إدارة سعد الحريري لتيار المستقبل، الذي أنفقت عليه الكثير، بينما كان المردود متواضعا، ولم يحقق شيئا في مواجهة النفوذ القوي لحزب الله علي الساحة اللبنانية، أما العامل الثاني فهو مسار الأحداث في سوريا، والتي ستنعكس مباشرة علي لبنان، وفي حالة استمرار الجيش السوري في تحقيق المزيد من الانتصارات، خاصة في معركة حلب الكبري، فسوف يخسر الجناح المتشدد الذي يمثله فؤاد السنيوة وأشرف ريفي الكثير من فرصهم في منافسة الحريري أو المزايدة علي قراره.المبرر المنطقي لقرار الحريري أو مجازفته الكبيرة يمكن تفسيرها في إطار قراءة سعد الحريري وبعض داعميه للتغيرات في المشهد الإقليمي، والذي سيؤدي إلي تراجع التحالف الداعم للجماعات المسلحة، وفي هذه الحالة فإن ما يطرحه سعد الحريري سيكون الخيار الأنسب للطائفة السنية في لبنان، وبالتالي يربح الحريري، ويتأكد أن قراره كان في محله، وضمن تسوية ملائمة، بدلا من المخاطرة بصدام غالبا ما ستخسره القيادات المرتبطة أو المراهنة علي كسب الجماعات المسلحة الحرب، والتي مازالت القيادة السعودية تراهن عليها.
لكن إذا استمر الاستقطاب علي أشده في المنطقة، ولم تنجح جهود التسوية، فإن فرص المتشددين ستكون أقوي، وسيوجهون ضرباتهم لأي تسوية أو توافق، وتشتعل الساحة اللبنانية، بفعل شظايا الصراعات المحتدمة علي الساحة العربية، خاصة أن لبنان ظل دائما مرآة لحالة العرب، وترمومتر موازين القوي في المنطقة.
لقد ظل الخلاف علي موقع الرئاسة في لبنان مركز التجاذبات منذ خلو مقعد الرئاسة في مايو 2014، وقد تغير موقف سعد الحريري أكثر من مرة، وطرح أولا انتخاب سمير جعجع رئيس القوات اللبنانية للرئاسة، لكنه لم يحظ بالتأييد، تلاه طرح البحث عن مرشح لا ينتمي إلي أي من القطبين الرئيسيين، ولم يسفر عن شيء، حتي فاجأ الحريري خصومه وأصدقاءه بالإعلان عن تأييده الوزير السابق سليمان فرنجية، المعروف بتأييده القوي لحزب الله والمقرب من القيادةالسورية، وهو ما أثار تكهنات بأن هذا الترشيح ليس سوي مناورة،ولا يستهدف إلا زعزعة جبهة 8 آذار، وإحراج حزب الله، ووضعه بين خسارتين، إما أن يؤيد فرنجية ويخسر الجنرال عون أو العكس، لكن حزب الله تمسك بتعهد ترشيحه الجنرال عون، رغم أن فرنجية هو الأقرب سياسيا وتاريخيا.
إن مبادرة سعد الحريري الأخيرة قد تعيد الوفاق في لبنان، ليتجاوز الأزمة التي شلت جميع مؤسساته السياسية، وفاقمت من أزماته الاقتصادية، لكن من الصعب علي لبنان أن يهنأ بالراحة إلا باحتواء الحروب المتفجرة في المنطقة، والتي لا يمكن أن يتجنب لبنان شررها، وربما كان هذا الوفاق اللبناني خطوة تبشر بقرب تسويات أشمل في المنطقة، لكن إذا لم تتحقق فإن إشعال شمعة التوافق في لبنان لا يمكنها أن يستمر في ظل العواصف والأنواء العربية.
التعليقات