أخذ ربع الساعة الأخير من عملية إنهاء الشغور الرئاسي في لبنان يبلور الخريطة السياسية - الانتخابية لجلسة المجلس النيابي التي سيتوج فيها زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون الرئيس الـ13 للجمهورية غداً. وكان أبرز معالم هذه الخريطة أمس سحب منافسه رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية ترشيحه من دون أن يسحب اعتراضه على رئاسة عون، فطلب بعد اتفاق مع رئيس البرلمان نبيه بري الذي يتصدر المعارضين، «من النواب المؤيدين لي أن يصوتوا بورقة بيضاء، فنحن لن نقف في وجه التسوية الوطنية ونريد فقط تسجيل موقف».

وإذ توخت هذه الخطوة تجنب تشتيت أصوات المعارضين لعون بين الاقتراع لفرنجية والورقة البيضاء، فإن أوساط زعيم «التيار الحر» رأت فيها ما يعزز فرصة انتخابه من الدورة الأولى (86 نائباً من أصل 127) بارتفاع عدد المقترعين لمصلحته بعد إزالة الحرج عن عدد من النواب إزاء الاختيار بينه وبين رئيس «المردة».

واستكمل الموفد السعودي وزير الدولة لشؤون الخليج ثامر السبهان لقاءاته، وكان أبرزها اجتماعه إلى بري وفرنجية، مكرراً موقف بلاده بتأييد ما يتفق عليه اللبنانيون.

وعلمت «الحياة» من مصادر نيابية في «التيار الحر» أن الوزير السبهان أبلغ العماد عون خلال لقائه به أول من أمس أن الرياض تنوي توجيه دعوة إليه لزيارتها بعد انتخابه رئيساً، فيما أكد عون له «أننا نريد أفضل العلاقات مع المملكة»، وشرح موقفه ومراحل العلاقة مع المملكة.

كما استكمل زعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري جولته على المراجع الروحية والسياسية، فالتقى رئيس الحكومة تمام سلام واستمع منه إلى بعض ملاحظاته وانطباعاته عن تجربته في الرئاسة الثالثة والمرحلة الجديدة المقبلة المرجح أن يتولى خلالها الحريري رئاسة الحكومة تبعاً للاتفاق بينه وبين العماد عون. والتقى الحريري البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي أثنى على مبادراته لإنهاء الشغور الرئاسي وصولاً إلى دعمه ترشيح العماد عون، واصفاً إياه بأنه «رجل الشجاعة والقرار والأمل». وزار الحريري أيضاً مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان لإطلاعه على المشاورات التي قام بها وأفضت إلى تأييده عون. وقال دريان إن «الحريري لم يترك فرصة إلا واقترح مبادرة لإنقاذ البلد». ووصف الحريري الذي زار النائب فرنجية عصراً، يوم غد بأنه «الاثنين الأبيض». وقال عن فرنجية: «إننا سنكون معه في السراء والضراء ولم يعاتبني». أما فرنجية فقال: «ما إلنا شي على الرئيس الحريري». وأولم الأخير ليلاً على شرف الوزير السبهان في حضور قيادات.

وكان فرنجية زار سلام ثم بري بعد الظهر ليعلن مطالبته النواب المؤيدين له الاقتراع بالورقة البيضاء، بعد أن كانت كتلة رئيس البرلمان اجتمعت وأعلنت أنها ستصوت لرئيس «المردة». وقالت مصادر سياسية متعددة أن فكرة الاستعاضة عن الاقتراع لفرنجية بالورقة البيضاء، تمت بالتشاور بين فرنجية وبري الذي أبلغ نواباً التقاهم قبل اجتماعه به، أن «الضرورة تقتضي الاقتراع بالورقة البيضاء». وشملت المشاورات عدداً من النواب المستقلين المؤيدين لفرنجية، منهم رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي ونائب رئيس الحكومة السابق ميشال المر والوزير بطرس حرب.

وذكرت المصادر السياسية التي واكبت المشاورات حول الخطوة أنها جاءت بعد فشل محاولات بذلها «حزب الله» مع كل من بري وفرنجية من أجل ترتيب العلاقة بينهما وبين العماد عون، فنصح الحزب «ألا يكون هناك تصويت حاد بين فريقين من الحلفاء» وترك إخراج الأمر للرئيس بري الذي جرت مشاورات بينه وبين فرنجية أفضت إلى صيغة الورقة البيضاء. واقتضى الإخراج أن تعلن كتلة بري دعمها فرنجية ليترك للأخير أن يدعو إلى الورقة البيضاء، وأوضحت مصادر أخرى مؤيدة للعماد عون أن الورقة البيضاء تحول دون حصول فرنجية على عدد ضئيل من الأصوات قياساً بالعماد عون، خصوصاً أن عدداً من المعترضين على الأخير كانوا سيلجأون إلى الورقة البيضاء أصلاً ولن يصوتوا لفرنجية مثل نواب الكتائب وغيرهم، فيما تجميع الأصوات تحت راية الورقة البيضاء سينتج ما يشبه الكتلة النيابية (زهاء 40 نائباً) يتصدرها بري ويكون لها وزنها في التعاطي مع المرحلة المقبلة. لكن صيغة الورقة البيضاء أدت مساء أمس إلى إعلان نواب سبق أن أيدوا فرنجية، أنهم سيقترعون لعون مثل كتلة الحزب السوري القومي الاجتماعي (نائبان) والنائب إميل رحمة أيضاً. وانضم ليلاً النائب طلال أرسلان الى مؤيدي عون بعد ان كان من حصة فرنجية ممتدحاً انسحابه لمصلحة التوافق، ما عزز فوز الجنرال بالرئاسة من الدورة الأولى للاقتراع. وأشاد الحزب القومي بوقوف كل من فرنجية وعون «إلى جانب المقاومة».

إلا أن مصادر مطلعة على موقف قوى 8 آذار أوضحت لـ «الحياة» أن فشل جهود «حزب الله» مع بري وفرنجية لتقريب وجهات النظر مع عون واكبه قرار من الحزب ينسحب على حلفاء آخرين، قضى بتفويض رئيس البرلمان التفاوض على تشكيل الحكومة بعد انتخاب عون، ما يعني أنه ترك الباب مفتوحاً لبري الذي لم يخف مآخذه على الرئيس الحريري، لعقده التسوية مع عون. وكان الحريري قال أول من أمس أن الرئيس بري «يمون» وأن «مشكلته ليست معي». وقالت المصادر أن تفويض الحزب لبري يقطع الطريق على أي مراهنة على الخلاف بين الثنائي الشيعي في المرحلة المقبلة. وأضافت المصادر أن الحزب «اتبع في ذلك القاعدة القائلة إن رئاسة الجمهورية ممرها الإلزامي العماد عون وتشكيل الحكومة ممره الإلزامي الرئيس بري، وأن لا مجال لمشاركة الحزب في الحكومة بمعزل عن رئيس البرلمان تمهيداً للتعاطي مع التشكيلة الحكومية المقبلة على القطعة».

وكرر رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي وليد جنبلاط بعد ترؤسه اجتماعاً لكتلته مساء التأكيد أن «غالبية أعضائها سيصوتون مع العماد عون كما وعدت». ولفت قول جنبلاط: «في هذه اللحظة من حياتي، أعود أربعين عاماً إلى الوراء، حيث عشت في كل المراحل انتخابات رئاسية صعبة. الاثنين سأختم إلى حد ما أربعين عاماً من حياتي بتصويتي للعماد عون. ما جرى في الماضي، سأشرحه في يوم من الأيام لأنه ذو أبعاد محلية وإقليمية ودولية».