سالم سالمين النعيمي

يعاني العالم العربي أزمة فن صناعة السياسات على المستوى الكلي والجزئي والمحلي وتهميش الرأي العام كمصدر من مصادر رسم السياسات العامة التي تحدد النظام العام والقرارات الكبرى التي ترسم سير حياة المواطنين من خلال الأهداف والأفعال التي توضع وتطبق بصورة تكفل التنمية الكلية المستدامة للدولة، فأهمية ترشيد القرار تلعب دوراً رئيساً في وضع استراتيجيات قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى، بل حتى وضع سياسات واستراتيجيات وقتية تتطور لتحقيق غاية معينة بغض النظر عن الهيكلة السياسية للنظام السياسي.

والعقل العربي السياسي زرع في وعيه الباطن أن الاستراتيجيات تعني فقط التخطيط الاستراتيجي طويل الأمد، ونجد آليات رسم السياسات العليا، والتي تخص كل منظومة على حدة غير مترابطة مع السياسة العامة الموجهة من الحكومة المركزية وتفويضها للسلطة في التعامل مع مشكلة أو قضية أو أكثر وهي في المجمل تتعلق بالقضايا المتعلقة بكيفية قيام الحكومة وأجهزتها المتنوعة بتنظيم شؤونها، وإدارة أعمالها وأنشطتها والقضايا التي تتعلق باهتمامات أفراد المجتمع، كمسألة الأجور، ومن حيث الموارد وعدالة توزيعها وإعادة التوزيع وضبط استخدامها لتحقيق العدالة الشاملة والعيش الآمن.

وتبرز هنا بشكل واضح أهمية اختيار فرق العمل المناسبة لصياغة السياسات حتى لا تتمكن قلة من الأشخاص من التلاعب بالنظم والإجراءات لتحقيق منفعة ذاتيه تحت غطاء قانوني فاسد يحميهم من المسائلة القانونية المباشرة.

وفي الحقيقة إن تطوير السياسات العامة يحتاج أولاً أن ندرك حجم وأبعاد وتداعيات وتداخلات المشكلة في بيئتها الأصلية ومن منطلقات وركائز محلية دون إهمال العوامل والمؤثرات الإقليمية والعالمية وبعد الإدراك يتم إعداد جدول الأعمال والأوليات الوطنية ووضع الخطط والبرامج المناسبة لها من خلال سيناريوهات متنوعة وحصر الإمكانات والمقدرات والاحتياجات وتهيئة الشارع في حملات تجريبية وجمع الآراء والتوجهات والميول وتحليلها للاستعداد الأمثل لما هو قادم وفق القراءات المبدئية وصياغة هذه السياسة أو السياسات بمشاركة كل الأطراف الفاعلة واختبار تلك السياسات في بيئة متحكم بمدخلاتها ومخرجاتها قبل اختبارها على بيئة بحثية أكبر حتى وإن تطلب الأمر سنوات قبل تبني هذه السياسة التي تؤثر في مسيرة عطاء ونمو وطن بأكمله.

فغالباً ما تبنى السياسة في سلسلة من الخطوات الصغيرة من قبل لاعبين مختلفين، وفي نهاية المطاف، تبرز سياسة معقدة بأوزان ومؤشرات أداء محددة لتأتي لاحقاً مرحلة تنفيذ هذه السياسة من قبل الأجهزة الإدارية في السلطة التنفيذية، على أن تصدر من السياسة لائحة تنفيذية تحدد معالم وزمن ومسؤوليات ومهام تنفيذ السياسية مع مسائلة الأشخاص والجهات التي لا تتوافق مع السياسة وفي مرحلة التقييم التي تستدعي قدراً من التغيير والتصحيح والاعتراف بالقصور أو المشكلات إن وجدت، وإن كان من المفترض فرض الجودة خلال مرحلة التنفيذ بمعايير معروفة لتحكم وضبط الجودة ومشاركة السكان الذكية في عملية التقييم. ولذلك فإن وجود جهاز أو هيئة وضع السياسات العامة في الدول المتقدمة أمر تلقائي وحيوي لدعم قرارات صناع القرار السياسي وتقديم المشورة إليهم في المضي قدماً في سياسات معينة وتوفير حلول تكاملية لتحديات كثيره تواجه الدول في شتى المجالات بالتعاون مع الجهات المختصة التي تترك لها تفاصيل تلك الحلول وفهماً نوعياً للاعتبارات السياسية وفن تصميم السياسات والذي غالباً ما يحدد ما إذا كانت السياسات قابلة أن تصاغ وتنفذ بنجاح.

وهناك حاجة إلى برمجة عصرية للسياسات العامة والقرارات المبنية على الأدلة، وأن يكون تمويل برامج السياسيات العامة من مصادر متنوعة بجانب مداخيل الدولة التقليدية وإعطاء الأولوية في التمويل لتلك المبادرات التي تعود بعائد مرتفع على الاستثمار من الأموال العامة وتعزيز التنافسية ودمج المعلومات والدراسات من أداء البرامج في عملية وضع الميزانية ووضع حوافز لتنفيذ البرامج والممارسات القائمة على البيانات التحليلية المثبتة وإزالة البرامج غير الفعالة وتشجيع المبادرات المستدامة التي تقدم نتائج أفضل للسكان أو خفض التكاليف وليس العكس.

وطبيعي أن تضطر العديد من الحكومات إلى إجراء تخفيضات كبيرة بسبب النقص في إيرادات الميزانية وزيادة التكاليف والتحديات المالية طويلة الأجل كصناديق التقاعد، ولهذا يجب الاستثمار في الابتكار، وتعطى الأولوية للبحث العلمي والتعليم والأمومة والطفل والقوى العاملة الذكية واقتصاد المعرفة واقتصاد الحكمة والاقتصاد الإنساني، حيث تتم إضافة القيمة الإنسانية للاقتصاد وللشركات، فالتحولات تسير بوتيرة أشبه بسرعة الضوء ونحن لا نزال مترددين في اتخاذ الخطوة الأولى!