خالد السهيل

تهور الغلاة في الدين، أسهم في بناء صورة نمطية غير عادلة عن الإسلام والمسلمين. لسنا هنا نناقش ظاهرة جديدة، بل إننا نطرح قضية التطرف والتطرف المضاد.

منذ بزوغ نور الإسلام، كان التطرف يطل من فترة إلى أخرى. إذ حتى في عصر الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ظهرت بوادر تطرف عالجها المصطفى عليه السلام في حينها، ومن ذلك حديث أولئك الثلاثة الذي قرر كل منهم قرارا مضادا للفطرة، الصيام كل يوم، عدم الزواج، قيام الليل دون نوم... إلى آخره. وكان رد الرسول عليه السلام على أولئك المتحمسين عدم إقرارهم على هذا التطرف. والتأكيد على الاعتدال في الصلاح. وقد استمرت حركات التطرف والتطرف المضاد في عصور لاحقة. وأفضت في ظروف معينة إلى فتن كثيرة. وقد وجدنا في عصرنا هذا ردة نحو التطرف، وربما مجاملة من بعض أهل العلم للمتطرفين. ويتحاشى خطباء الدعاء على "القاعدة" و"داعش" بدعوى التورع. لكن هؤلاء الخطباء لا يتورعون عن الدعاء على الفساق وأولئك الذين لديهم رؤى فيها تطرف مضاد. إن امتناع الخطباء والعلماء عن الدعاء على "القاعدة" و"داعش" وسواهما بالاسم، واستمرارهم في الدعاء للمجاهدين بتعميم مريب، يفضي إلى إعطاء مشروعية للبغدادي والظواهري وبقية قادة الضلال والغلو المفرط.

ولا يسوغ أبدا أن يستعرض الإمام في دعائه على طوائف وفئات وتيارات يسميها، ولكنه يتجاهل "داعش" وضلالاتها ويمتنع عن الدعاء عليها.

إننا نعلم أن تدهور الحالة السورية - مثلا - كان نتيجة التطرف والمتطرفين. لقد أدى دخول "داعش" وجبهة النصرة وحزب الله وتيارات إيرانية متعددة وبعض المجاميع التركية إلى إيجاد تركيبة شاذة عانى منها المجتمع السوري الذي كان يطمح لتغيير ينقله صوب آفاق وفضاءات أكثر رحابة. لكن جحيم "داعش" وبقية جيوب التطرف والغلو، جعلت السوريين في حوصلة طائر تستحوذ عليه وتديره إيران وتركيا وروسيا. وكل له هدفه الذي لا يتسق حتما مع مصلحة السوريين عربا وأكرادا مسلمين وغير مسلمين.

لقد عانى العالم الإسلامي من تهور "القاعدة"، وعانى من عبث "داعش"، وتضررت المجتمعات من تطرفهم، وما لم يتوحد العلماء ويشاركوا في المواجهة المباشرة مع هذه الفئات الضالة، فإن القناعات بضلالاتهم سوف تستمر في التغلغل في عقول وأذهان بعض من يقعون في براثن المتطرفين.