أحمد عبده ناشر

عندما قامت ما سميت بـ"الثورات العربية" خرج الناس للشوارع، وتحركت الأحزاب ومن ضمنها الأحزاب الإسلامية، والكل في ظنه أنه سيرث هذه الثورات وتأتيه السلطة على طبق من ذهب، والكل من أحزاب وساسة دخلوا هذه اللعبة التي كانت تدار من أجهزة خفية لتغيير الأنظمة السابقة كأشخاص فقط وعودة فئات جديدة تحمل نفس الوسائل والأسوأ منها، كما قالت كوندليزا رايس: التخلص من القادة الذين انتهت صلاحياتهم. وفوجئ الحكماء والعقلاء بهذا التهريج، واعتبروه أسلوبا غير حضاري للتغيير، وهناك جهات لها مصالح وراءه، فقد كانت قيادات أحزاب وظهور أشخاص على الساحة ورموز جديدة كان يتم إعدادها لتحمل المسؤولية وقيادة المنطقة بما يحفظ مصالح الغرب، فتونس مثلا شهدت صراعات كبيرة، وكان "بن علي" عاقلا فكانت الخسارة بسيطة، إضافة لثقافة التونسيين فكانت الأوضاع محصورة وتم احتواؤها وصنعت جماعات إرهابية وتصارعت على السلطة أدت أخيرا لعودة جماعة "بن علي" بطريقة جديدة وخرجت الجماعات الأخرى والشباب، وأما الشباب فلم يحصلوا على شيء سوى الهجرة مرة أخرى عبر البحار بحثا عن لقمة العيش وبقي فيروس الإرهاب والجماعات المصنوعة مسمار جحا وضعف الاقتصاد، ووجد شرخ أسوأ مما كان. وفي مصر جاء المجلس العسكري وخرج مبارك، ثم كانت حكومة مرسي التي لم تكن تدرك أنها كانت مستدرجة من العسكر، فمصر دولة عسكرية يستحيل أن يحكمها أحد في هذه المرحلة، ودولة عميقة وهي منطقة إستراتيجية لجوارها لإسرائيل ومكانتها، ولذا لم يتقبل الآخرون المشاركة في الحكومة حتى يتحمل مرسي وحزبه جميع أخطاء النظام السابق، ولم يستمع هؤلاء لنصائح العقلاء فخرجوا من السلطة إلى السجون وعادوا سنوات إلى الخلف، وهرب بقية الليبراليين والوفديين وعاد النظام العسكري بأشد مما كان، جعل الناس يترحموا على أيام مبارك.

ونظام اليمن كان كارثيا، إذ إن علي عبدالله صالح وقّع التنازل وهو يضحك ويكمن في قلبه بأنه سيعود منتقمًا، ووقعت المعارضة في فخ إدخال الحوثيين ميادين الاعتصامات، وكان الإصلاح يتفرج على شعارات جيفارا وعبدالفتاح، وأفاعي الحوثيين كشركاء، وتنازل عن الكثير وسالت ألسنتهم والسنة المشايخ والشباب على المحاصصة في السلطة، وفوجئوا بدور الحوثيين وتحالف المؤتمر معه، وكانت القوى الغربية قد صنعت لهم أشخاصا أمثال توكل كرمان وخالد الأنسي وغيرهما، وظهر في اليمن عصام العماد والبخيتي وغيرهما من الذين زرعهم النظام السابق، ثم كان الناس يتحاورن وإيران تطبخ والغرب يجهز لما بعد ذلك، وفعلا تحول الحوثي لوحش كاسر بعدما سلمهم النظام السابق السلاح والحرس الجمهورية وبإشراف إيراني من الباسيج والحرس الثوري وحزب الله وتمويل عراقي، وتم استخدام هؤلاء، وتم إسقاط الوضع وهرب الثوار ومَن معهم وضاعت جلساتهم وحواراتهم وطارت في الهواء، وأصبحت اليمن ورقة بيد الغرب وظهرت الجماعات الإرهابية كقوة، وكلها أوراق إيرانية برضا غربي هدفه بيع السلاح والأجهزة الأمنية، وإضعاف الغرب وابتزاز الدول الخليجية والسيطرة على اقتصادها والحرب على الهوية الإسلامية التي أصبحت تهدد الدول الغربية وصناعة الإرهاب كأحسن وسيلة لتشويه الإسلام وأهله.

وأما سوريا فكانت كارثة كبرى تدخلت إيران وميليشياتها وتحولت إلى مجزرة، وسكت الغرب عما يجري، وكذلك ليبيا، وبقي الأسد يضرب، وعاد حفتر لليبيا وانهار الاقتصاد ودمرت البيوت وأصبحت المنطقة تحت تصرف الأمم المتحدة ومن خلال الدول الغربية، وتحركت إسرائيل مع موسكو كما كانت أيام الشيوعية، فهي العصا الغليظة لعودة العرب لبيوت الطاعة الغربية، وشُرد الناس وهجروا وتحولت البلدات إلى ركام تحتاج لمليارات الدولارات لإعادة الإعمار وعجز العرب عن حل ما يجري في العراق وسوريا واليمن وليبيا، وضاعت الجامعة العربية ودخلت غرفة الإنعاش وأصبح العرب وشعوبهم وقضاياهم بيد الغرب، فإذا رأوا الجوع والدمار والقتل يعبرون عن قلقهم ويتجاهلون القرارات الدولية وقرارات حقوق الإنسان وضُرب بها عرض الحائط، وضاع البند السابع ولم يتدخل الغرب لنصرة الديمقراطية والشرعية، لا في اليمن ولا في مصر ولا ليبيا ولا غيرها، وإنما لدول فاشلة مدمرة، لا تستطيع أن تسير نحو الاستقلال والحرية، وأصبح الناس يبحثون عن الطعام والسكر والدواء والأمان قبل الحرية والديمقراطية في مناظر محزنة مؤسفة وأصبحت قضايا المنطقة بيد كيري ولافيروف وبان كي مون في مبعوثيه الذين يجيدون التلاعب بالألفاظ وتفريغ القرارات الدولية من محتواها.

المنطقة في خطر لا يدري أحد ماذا يجري في كواليس موسكو وواشنطن وتل أبيب .