عبدالفتاح ناجي

أتحدّث عن زيارة تلك التطبيقات الإلكترونية التي تسمى ظلماً تطبيقات التعارف والصداقات، وما هي بذلك من شيء، إذ إننا تعلمنا في مدارسنا غير الالكترونية أنّ الصداقة تقوم على الصدق في القول والفعل، ولكن معظم العلاقات التي يتم بناؤها في تلك التطبيقات غالباً ما تبدأ بالمعلومات غير الصحيحة، وتبادل الكذب ما بين طرفي الصداقة، فيصبح الدخول إلى تلك التطبيقات الإلكترونية التي تُعنى ببناء الصداقات غير معلومة المصدر كالدخول في حقل ألغام، فهل وصل أبناؤنا للقدرة التي تمكِّنهم من الاختيار في فضاء الكتروني لا مكان ولا زمان ولا شريعة ولا قانون ينظمه!

قد تكون التكنولوجيا مفيدة في عدة حقول، لكن فيما يتعلق بالمشاعر وبناء العلاقات الاجتماعية فهي عاجزة عن ذلك، إن سُّنة الحياة قائمة على التعارف وليس التواصل. والتعارف هو أن تعرف أكثر عمن تخالط وليس مجرد معلومات من صنيعة الفرد نفسه، ففي تلك التطبيقات قد تكون طبيباً أو مهندساً أو عالماً، والملاحظ زيادة أعداد تلك التطبيقات الالكترونية فيما يسمى تطبيقات «الشات»، حتى أصبح التعامل مع بعضها يحتاج رسوماً مالية للولوج أكثر في غرف الدردشة والتعارف باستغلال حالة الفضول والشغف لدى الباحثين عن علاقات يطلق عليها أصحاب الفضاء الالكتروني صداقة.

لعل غياب الصديق الحقيقي في الأسرة والمدرسة والحيّ، والمسافات التي تتسع يوماً بعد يوم ما بين الوالدين وأبنائهم، بالإضافة إلى جهل بعض الأبناء بما تحويه تلك التطبيقات الإلكترونية من خطورة، قد ساهمت في استدراج عدد من الأبناء في بحر متلاطم الأمواج، يجهل أبناؤنا ما يحتويه من كائنات حيّة في أجسادها، ميتة في نفوسها، مما قد يوقعهم فريسة الاستغلال عندما تنتقل صداقة الكلمات لصداقة الصور، فاحرصوا على أن يبقى أبناؤكم قريبين منكم، قريبين من الشاطئ دوماً. كي لا يسحبهم التيار وتقل معها فرص النجاة!

نحن لسنا ضد تكنولوجيا التواصل، ولسنا ضد التعارف وبناء الصداقات عبر الانترنت -مع التحفّظ على كلمة الصداقة- ولكن هل سألنا أنفسنا يوماً لماذا يتجه أبناء القرن الواحد والعشرين نحو بناء صداقات الكترونية مجهولة، ويهجرون صداقة المدرسة والحي؟! لماذا يحتفظ أبناؤنا بأجهزتهم الإلكترونية المحمولة، ويبقون عيونهم مفتوحة معها حتى في جلسة الأصدقاء الحقيقية؟! ما حاجة أبنائنا ما قبل المرحلة الجامعية للأجهزة المحمولة! ولماذا يتهافت الوالدان لإحضار تلك الأجهزة المحمولة للأبناء بغض النظر عن أعمارهم الزمنية والعقلية، ثم نقول لهم أبحروا في الفضاء الالكتروني!

إنّ المطلوب من الأسرة اليوم تنظيم عالم أبنائهم الإلكتروني (وليس حرمانهم)، بالإضافة إلى تدعيمهم بالمعرفة والثقة، وبناء قنوات تواصل مستمرة معهم، فالوقاية خير من العلاج!