أحمد عبد الملك

كما توقعنا في المقال السابق، قبل صدور بيان الدورة السابعة والثلاثين لاجتماع قادة دول مجلس التعاون في مملكة البحرين، والذي عقد الأسبوع الماضي، فإن القادة «تدارسوا سير العمل في تنفيذ رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ملك المملكة العربية السعودية بشأن تعزيز العمل المشترك»، وكان سؤالنا في هذا الصدد: هل سيتم التطرق إلى مسألة الاتحاد؟ ويبدو من البيان أن هذا الموضوع قد تم تأجيله، ما يُبرر وجودَ تباين في وجهات النظر بين الدول الأعضاء بهذا الشأن.

الموضوع الأمني الذي توقعناه- أيضاً قبل صدور بيان المنامة- كان حاضراً في البيان الختامي، وبالأخص القضية اليمنية، حيث أعاد المجلس تأكيد «الالتزام الكامل بوحدة اليمن واحترام سيادته واستقلاله ورفض أي تدخل في شؤونه الداخلية، كما أكدوا (القادة) أهمية الحل السلمي وفق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية..».

والإشكالية هنا، كما أسلفنا، أنه لا توجد بوادر لحل القضية اليمنية بالطرق السلمية، وأن تأكيد «واقع الحال» من قبل الحوثيين وأتباع المخلوع «صالح»، هو القرار المُهيمن على الأوضاع في هذا البلد، بل إن يد الحوثيين طالت لتصل إلى الضغط على أزرار الصواريخ الموجهة نحو المملكة العربية السعودية، ما يعني إطالة أمد الحرب وتأخر اليمن وتآكل بناه التحتية، وتفاقم فواتير تكاليف إعادة إعماره.

الملف الإيراني، المتعلق بالموضوع الأمني، كان موجوداً بقوة في بيان التعاون، وقاربَ نفسَ العبارات التي وردت في بيان الرياض (الدورة الـ36)، وزاد عليه بـ«استنكار المجلس الأعلى محاولات إيران الهادفة إلى تسييس فريضة الحج والاتجار بها واستغلالها بالإساءة إلى المملكة العربية السعودية».

الموضوعات الثابتة في بيانات التعاون، كما قلنا، الموضوع السوري، الموضوع العراقي، الموضوع الليبي، وأضيف إليها موضوعُ مسلمي الروهينجا في بورما، حيث دانَ البيان الانتهاكات المُمنهجة بحقهم، وجدَّد دعوته المجتمع الدولي، خاصة مجلس الأمن، إلى إيجاد حل سريع لهذه القضية.

أما الجديد الذي لم نتوقعه ولم يتطرق إليه أيٌّ من الصحفيين، فهو حضور رئيسة وزراء بريطانيا «تريزا ماي» قمة التعاون، واشتمال بيان القمة على ما أسماه «توافق المملكة المتحدة وشركائها في مجلس التعاون على التطلع إلى منطقة يسودها السلام والازدهار، وإلحاق الهزيمة بالمتطرفين الذين يمارسون العنف، بما في ذلك تنظيم (داعش)، والتصدي لأنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة». وقد شددت رئيسة الوزراء البريطانية على أن «أمن الخليج يعني أيضاً أمن بريطانيا»، كما أكدت الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، وعلى العمل المشترك لمواجهة خطر الإرهاب الذي يهدد الجميع.

والسؤال هنا: هل هناك رغبة في عودة بريطانيا من جديد لمنطقة الخليج، بعد أن غادرتها وفكَّت صكوكَ الانتداب مع نهاية الستينيات؟ وهل انتهى «شهر العسل» مع أميركا؟

لقد توقعنا أن يحضر قمةَ المنامة مسؤول أميركي كبير، كي يقدّم إلى قادة التعاون رؤية الإدارة الأميركية لمستقبل العلاقات مع دول المجلس، وموقف تلك الإدارة من «المُنغصات» التي تتجرعها منطقة الشرق الأوسط! لكن توقعنا لم يكن في مكانه، بل حضرت القمة رئيسة وزراء بريطانيا، ما يدعو إلى التأمل في قضية تراجع العلاقات الخليجية الأميركية، وموقف الرئيس الأميركي المنصرف (باراك أوباما) غير المتحمس لدور أميركي فاعل في الشرق الأوسط، وتمسُّكه برؤيته لذاته بوصفه «القديس» الذي لم تتلوث يداه بالدم!

ومع هذا، فإن وزير خارجية مملكة البحرين، خلال المؤتمر الصحفي الذي أعقب القمة، نفى أن تكون الشراكة الاستراتيجية التي أطلقتها قمة المنامة مع الحكومة البريطانية على حساب «العلاقات المتميزة مع الولايات المتحدة الأميركية»، وعلل استضافة رئيسة وزراء بريطانيا في القمة بالقول إنه «جاء وفق قرارات قادة الخليج، والذي كان واضحاً في تأكيد الحرص على تعزيز الشراكة الخارجية مع الأشقاء والحلفاء الدوليين والدول الصديقة والمنظمات الإقليمية».

جديد القمة كان حضور «ماي»، وتأكيدها عودة بريطانيا مجدداً إلى المنطقة!